بعد أن اقترب من العمر 100 عام، رحل عن هذه الدنيا الفانية العلامة المحدث ظهير الدين الرحماني المباركفوري، أحد أعلام الحديث في القارة الهندية، وصاحب أعلى إسناد بصحيح مسلم، وتلميذ المحدث أحمد الدهلوي، وآخر تلاميذ الشيخ المحدث عبدالرحمن المباركفوري، صاحب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي.
الاثنين الماضي الموافق 22 ذو القعدة 1438 (14 أغسطس 2017م)، كان يوم الوداع لآخر المحدثين في العصر الحديث، العلامة الذي لم يكن يشغله الظهور على وسائل الإعلام ولا نشر مؤلفاته في دور النشر بل حرص على تعليم الحديث والتفسير وعلوم أخرى والسفر والترحال من أجل خدمة هذا المجال العظيم.
لعل عظيم الخسارة في رحيل هذا العلامة المحدث، هو ندرة من يعمل في هذا المجال التخصصي الهام، وهو علم الحديث والاهتمام بعلم الأسانيد في الأمة، والانشغال بتحديد أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم صحيحها وضعيفها وحسنها.
والشيء الأهم من ذلك هو أن الله يسخر جنوداً من عباده لخدمة كتابه وسنة نبيه في اي رقعة من رقاع الأرض يريد، فالعلم والحديث ونصرة الدين لم تكن مقتصرة على العرب فقط دون غيرهم، ولذلك عرفنا أسماء لامعة من خارج إطار الرقعة الجغرافية العربية قدموا للإسلام خدمات جليلة لا يمكن حصرها ومن أولئك البخاري ومسلم.
وبالعودة إلى الفقيد المحدث ظهيرالدين المباركفوري فقد كان من أحرص الناس في هذا العصر الحديث على الاهتمام بعلم الحديث النبوي وأسانيده ولم يقتصر على علم الحديث فقط، بل كانت له عناية واهتمام بأكثر من 17 فناً، وكانت له عناية خاصة بمقدمة ابن خلدون.
لم يُعرف عن الشيخ ظهير الدين أي اهتمام بالتأليف ونشر الكتب، فقد سخر جل حياته للتدريس والانتقال من مكان إلى آخر بين المدارس والجامعات، قاضياً جل حياته في السنة النبوية رواية ودراية، ولم ينقطع عن التدريس إلى أن توفي رحمه الله، ويروى أنه قُرأ عنه سنن أبي داوود أكثر من 50 مرة، والصحيحان أكثر من 10 مرات.
كثير من الروايات تتحدث عن البساطة والرقة واللين التي كان يتمتع بها الشيخ ظهير الدين المباركفوري، فقد كان مبتسماً على الدوام مع طلابه، واستمر في التدريس لمدة 60 عاماً لم يحمل فيها العصا على طلابه بشكل مطلق، ولم يضرب طالباً، رغم أن الأساتذة في الهند من عادتهم حمل العصا لتأديب الطلاب المقصرين والمسيئين.
حسب الروايات الأكثر دقة فقد ولد الشيخ ظهير الدين المباركفوري عام 1338 (1920م)، والده الشيخ عبدالسبحان حسين آبادي، قرأ القرآن الكريم صغيراً على أمه خديجة.
عمل العلامة ظهير الدين في التعليم والتدريس فور تخرجه من التعليم الحكومي، فقد درس في التعليم سنة 1942، ثم تنقل في التدريس بين مدارس في مناطق مختلفة إلى أن استقر في 1958 في جامعة دار السلام في عمر آباد، ودرس فيها وقد شغل منصب وكيل الجامعة أثناء ذلك.
أجازه الشيخ أحمد الله بن أمير الله القُرشي الدهلوي والشيخ أحمد حسام الدين المئوي. أما الشيخ عبيدالله الرحماني المباركفوري، صاحب كتاب “مرعاة المفاتيح”، فقرأ عليه البخاري والموطأ كاملين والسنن الأربع.
قامت جمعية أهل الحديث المركزية في عموم الهند بتكريمه ضمن كبار رجالات أهل الحديث على مستوى الهند، وذلك في مؤتمر أهل الحديث الثامن والعشرين لعموم الهند في مدينة باكور، جارخند 21-23 محرم 1425 الموافق 13-15 مارس 2004م، الذي حضره نحو مليون شخص.
ومن الأحاديث المُسندة للشيخ ظهير الدين المباركفوري – رحمه الله -: أخبرنا الشيخ ظهيرالدين المباركفوري – رحمه الله – عن عبدالرحمن المباركفوري؛ عن نذير حسين؛ عن محمد إسحاق؛ عن الشاه عبدالعزيز، عن أبيه الشاه ولي الله؛ حدّثنا أبو طاهر الكوراني؛ أخبرنا حسن العجيمي؛ عن البابلي؛ عن محمد حجازي الواعظ؛ عن ابن يشبك اليوسفي؛ عن القلقشندي؛ قال: أخبرنا إبراهيم الزمزمي، عن ابن صديق الرسام، أخبرنا الحجار؛ أخبرنا ابن اللَّتِّي؛ أخبرنا أبو الوقت السجزي؛ أخبرنا الداودي؛ أخبرنا عبداللَّه الحَمُّوْيِيّ؛ أخبرنا عيسى السمرقندي؛ أخبرنا الإمام الدارمي؛ قال: أخبرنا حجاج بن منهال؛ حدثنا همام؛ عن قتادة؛ عن أنس؛ عن عبادة بن الصامت؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “مَن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومَن كره لقاء الله كره الله لقاءه”. فقالت عائشة – أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت. قال: “ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه”.
(المصدر: مجلة اليمان)