مقالات مختارة

العقل بين التيه وإعادة التكوين؟

يعيش العالم المعاصر أزمة تغيير الحقائق وإن شئت فقل أزمة تجريف الوعي أو تجريف دلالات العقل مما أثر على واقع العالم بل وهدده مما ينذر بمزيد من الهلاك والإهلاك للبشرية في الأزمات القائمة أو المستقبلة من خلال عشوائية التوصيف للإدراك حقيقة المفردات أو التوظيف للمفردات للتعبير عن واقع تأزم بهما.

إن جريمة الإقصاء الحقيقي لدلالات العقل حين يكون معبرًا عن حقيقة الاستجابة للتشريع السماوي وأداة لاستقبال النداء الرباني للبشرية، واستجابة لحقيقة الفطرة حين يخضع صاحبها أمام مكنون يقين بوجود خالق ومالك ومدبر لهذا الكون ومن ثم يبحث العقل عن سبل الاستجابة والخضوع والاستسلام لله عز وجل.

إن مفارقة أزمة تجريف أو تحريف أو تغيير أو تبديل العقل البشري ليصبح أسير أحد النظريات الجاهلية المعاصرة حين يقبع في أصول التفسير المادي لحقيقة الأشياء أو أصول التفسير النفسي الأسير لرؤية الباطنية والزنادقة القدامى والجدد حين يجعلون من وهم إدراكهم لحقيقة العقل عقالاً لعقولهم عن حقيقة الفهم والإنصاف ومن ثم الإدراك والاستجابة لحقيقة دل العقل المجرد عليها والنقل الصحيح شاهد على رجاحة العقل الصريح.

هل من الممكن أن يعيش الإنسان بدون عقل؟ وهل من الممكن أن نجعل من فهم الناس للفعل عقل فهماً أسيراً لكل طائفة تجعل من إدراك العقل وصفاته الرشيدة ما هو إلا معبراً عن نظرية حاكمة لكل اتجاه ساء أصحابه لأنفسهم حين تحرروا من دلالات الفعل أو الكلمة حين تكون على التوازي منها لغة أو دلالة أو شرعاً أو تاريخاً أو مستقبلاً. هل تتغير دلالات العقلانية في التفكير أو الإدراك أو التقييم للتاريخ والواقع من خلال ردود الفعل لحقيقة إدراك العقل أو ضغط الواقع أو مكر الخصوم أو بطش القادة الحاكمين للأجساد حال أسر الأجساد في عقول أسيرة لانتكاسة أو عجز أو تقليد أو ذوبان في رؤيا الآخرين أو دلالات لحقيقة العقل أو الإرادة والسعي والصلاح والإصلاح كآثار حقيقية حين يكمل فهم العقل لذاته قبل غيره.

هل يمكن أن يكون من دلالات العقل الجحود للنصوص الشرعية؟ هل من العقل أن تقبل البشرية حقيقة فكرة التثليث التي عجز العالم عن إيجاد سند عقلي وشرعي لها فما هي إلا أوهام الأسرى في عقول الكهنوت التابع والأسير لفكرة بولس أو أكاذيب النقلة الوهميين؟ هل من العقل جعل كل نظرية مادية تطعن في حقيقة الناظر وتجعل من أصله البشري راجع إلى جاهلية الدلالة على جعل القرد هو المادة الحقيقية التي جاء منها الإنسان وكأن هؤلاء الأسرى في أودية الجهل ينقلبون على حقيقة العقل أو دلالاته الحاكمة للرد والرفض لكل مظاهر الفكر الدهري أو دارون أو القائلون بنظرية التطور الهادمة لكل معاني العقل أو دلالاته او آثار الحكمة الحاكمة له.

هل من العقل قبول وصف الآلة الغربية الجاحدة لسبل الرحمة والإنسانية حين قتلت ما يزيد عن عشرة مليون من بني جنسهم وقومهم ودينهم وإن اختلف الفهم أو المذهب في جريمة الحرب العالمية الأولى والثانية، هل من العقل التسليم بحرية الغرب في حروب الإبادة للهنود الحمر أو للحروب الدينية التي عبر عنها بوش حاكم إمبراطورية تغريب العقل الإنساني عن دلالة الإنسانية والحكمة والأمن البشري وقال بأنه الرئيس الذي استدعاه الرب للخلاص من الخصوم في إشارة إلى أهل الإسلام حال غزو أفغانستان والعراق؟ من العقل تجريف المجتمعات في العالم الثالث من حقوق الاختيار لمن يتحاكون إليه فيصبح دعواهم للشريعة إرهاب ودعواهم أو قبولهم لما جاء من عند الغرب ديمقراطية حال فوز الإسلاميين يعتبر حاكمية الأكثرية لحقوق الأقلية هكذا قلبوا مفاهيم في آن واحد حين تأتي الديمقراطية بالكيانات الغاصبة للعقول والمفاهيم تصبح راية وجب على العلمانيين العرب الترويج لها لأنها دلالة إجماع، وحين تأتي الصناديق بالإسلاميين يصبح الانقلاب عليهم من دلالات العقل الغربي الحاكم لأهواء الساسة فقد يزعمون الرفض لمظاهر الانقلابات لا لكونها انقلابات ولكن على أمل أن يجعلون من الرفض تهيئة العقول العربية للسقوط في شراك الاستهلاك حال الصراعات المسلحة التي لم ولن تأتي إلا بمزيد من الاستنزاف للأمة حال جعل دلالة العقل أسير لرؤية قادة يمينيين أو يساريين حسب الرؤية أو زوايا التقييم الحادث.

منهجية هندسة العقل:

تمر أسس ومعايير إعادة هندسة العقل العربي أو العقل البشري من خلال عدة نظريات تعتمد في ظاهرها معايير وتعيش من خلال باطنها على معايير أخرى، هندسة العقل: عملية علمية تقوم على أسس ومعايير متعددة من خلال عدة محاور ونظريات وزوايا رؤية للماضي والواقع والمستقبل بل للحقيقة والخيال بل للدين والحياة بل للأولياء والخصوم على السواء.

هندسة العقل البشري، أم هندسة النفس البشرية، إعادة طبيعة العقل البشري لما كان عليه حال انتصار الفطرة، حال انتصار العقلانية في التفكير حال انتصار الوسطية في الرؤية والإدراك للحال والمآل،حال الوقوف على أسس ومعايير التنمية الروحية التي هي غذاء النفس ومادة بقاء العقل يعقل الأمور على حقيقتها، وحياة الخلية الخاصة بإعادة هندسة العقل على وفق معايير الإسلام الذي هو مراد الخالق سبحانه وتعالى، كوقاية من أهواء الخصوم الأسرى في أودية الانقلاب على معايير الحكمة في الرؤية لحقيقة العبودية أو حقيقة الإدراك لمهام النفس البشرية.

لكي نتكلم عن منهجية هندسة العقل، لابد اولاً ندرك حقيقة البيئة العقلية المحيطة التي تؤسس من خلالها طبيعة التكوين العقلي للإنسان حيث أن الإنسان بطبيعة تكوينه وليد بيئة نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية تؤثر فيه ويؤثر فيها، كيف نعيد تقييم العقل البشري؟ على أي أسس نحدد معايير الثبات أو التقدم أو التقلب أو الرقي أو الانفلات؟ لمصلحة من يتم تتبع سياسة الاغراق المعرفي أملاً في التأصيل لما ليس أصلاً مهيأً لأن يكون أينما هو كائن.

العقل مخلوق أريد له وأريد به فهو وسيلة لغاية وغاية لوسيلة فليس من الإنصاف الجور على المهمة التي أريد للعقل أن يقوم بها، وما عملية إعادة الهندسة للعقل إلا عملية إعادة الاكتشاف لخلايا في غير مكانها أو على غير التوافق مع غايتها وزمانها.

العقل مخلوق أريد به أن يستكمل البشرية حقيقة الكينونة الخاضعة لله عز وجل الخالق المالك المحي المميت، منهجية هندسة العقل، تؤسس لمنهجية هندسة الأهداف وتحديد الوسائل والغايات وتقييم الدروس والعبر في واقع الحياة، فلا مجال لاستنزاف أو استهلاك لجهد أو زمان أو عقل أو مكان.

إعادة هندسة العقل، رحلة في رحاب التوافق مع السنن الكونية الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل لتقوم بما يجب أن تقوم به من حيث التوافق بين العقل ومعالي الأمور، وقمم الأهداف، إعادة هندسة العقل البشري تسعى جاثمة على امتلاك ناصية الإرادة داخل النفس البشرية ومن ثم تصبح درجات الرقي أشبه برحلة في عالم الواقع لتجسد حقيقة العقل في بعيد عن نظريات الخيال التي تختزل الممكن في دائرة المستحيل وهذا غير موجود في طبيعة العقول الأسيرة لمنهجية هندسة العقل البشري عامة والمسلم بصفة خاصة.

إعادة هندسة عقول الرواد من خلال التوافق مع السنن الجارية والأسماء والصفاء الحسنى لله عز وجل، إعادة هندسة عقول الأتباع حتى تستقر حياتهم على وفق أسس ومعايير السمع والطاعة فلا اختزال لسمع يلغي حقيقة العقل في واقع حياتنا، أو اختزال لطاعة تؤسس لاستنساخ تعظيم للقادة وكأنهم بصكوك الغفران يعملون أو لصكوك العذاب يحملون.

إعادة هندسة العقل البشري من خلال منهجية التربية والتقييم والتقويم والترقي والرقي حتى تصبح الأجيال تحيا الحياة بمعناها الحقيقي لا معناها النسبي حال سيطرة مفاهيم الانكسار وتسويقها داخل النفس على أنها مفاهيم قناعة وما بين الأمرين إلا كما بين عشوائية أو منهجية تتعامل مع عقل لا عشوائية أسيرة تجاه اليمين أو اليسار ولله الأمر.

إعادة هندسة العقل البشري من خلال أدبيات استثمار تحويل الخسائر إلى أرباح من خلال رؤية حاكمة لأسس ومعايير نبيلة تنشد عبر الماضي لتدرك حقيقة الواقع وأمال المستقبل برؤية حقيقية توازن بين حاجات النفس والعقل والروح.

(الأمة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى