إعداد هاني صلاح
«العقبات القانونية والمادية تحد من تطور التعليم الإسلامي في مقدونيا».. بهذه الكلمات أكد الشيخ صباح الدين محمودي، رئيس جمعية «المركز الثقافي القلم» في مقدونيا، أهم العقبات أمام التعليم الإسلامي في مقدونيا، ولفت الشيخ محمودي، الذي كان أول مدير للمدرسة الإسلامية المتوسطة «عيسى بك» في سكوبيا، التابعة للمشيخة الإسلامية في مقدونيا، إلى أن القانون في مقدونيا لا يسمح بفتح مدارس أهلية للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، وهي الفترة الأهم والأبرز لتعليم الأطفال مبادئ دينهم، حيث لا يتم تدريس الدين في المدارس إلا كمادة ثقافية وخلال عام دراسي واحد فقط.
بخلاف بعض الأئمة التابعين للمشيخة الإسلامية في مقدونيا لا يتلقى غالبية الأئمة والمعلمون الآخرون أي دعم أو رواتب من أي جهة؛ سوى ما يتبرع به الأهالي لهم نظير تعليم أبنائهم مبادئ الدين.. جاء ذلك في الحوار الذي أجرته «المجتمع» مع رئيس جمعية «المركز الثقافي القلم» في مقدونيا.
نود، في البداية، نبذة تعريفية عنكم.
– اسمي الشيخ صباح الدين محمودي، تخرجت في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، ثم درست سنتين في الفقه المقارن (دراسات عليا)، كما حصلت على دبلوم تربوي من كلية التربية والتعليم بجامعة عين الشمس.
أما في مجال التعليم الديني في مقدونيا، فبعد عودتي من العالم العربي اشتغلت في المشيخة الإسلامية في مقدونيا مشرفاً على بناء وتأسيس المدرسة الإسلامية المتوسطة “عيسى بك” في سكوبيا، ثم كنت مديرها الأول لمدة أربع سنوات؛ أي حتى تخرج الدفعة الأولى من تلك المدرسة.
ثم كنت مبعوثاً لرابطة العالم الإسلامي في مدينة مالمو بالسويد، بعدها عدت إلى المدرسة الإسلامية في سكوبيا مدرساً، ومنها انتقلت للمعاش.
في عام 2002م أسست جمعية ثقافية باسم “المركز الثقافي القلم”، ومجال نشاطها التربية والتعليم الإسلامي خاصة، والتعليم العام مثل اللغة الإنجليزية والحاسوب، ومنذ 15 عاماً وحتى اليوم نمارس هذا النشاط، والحمد لله أن وفقنا لخدمة هذا الدين.
نرجو التعريف بجمعيتكم «المركز الثقافي القلم» وأنشطتها.
– «المركز الثقافي القلم»، جمعية أهلية غير حكومية، تعمل على نشر التعليم الإسلامي والعام، وتعمل على نشر التربية الإسلامية بين الجيل الناشئ والكبار.
ويقع المركز بقرية أرناكيا (arnakija)، من بلدية ساراي (saraj)، إحدى بلديات مدينة إسكوبيا (skopje)، عاصمة جمهورية مقدونيا، ويعمل فيه سبعة معلمين، بالإضافة إلى سائق حافلة المركز التي تحضر الطلاب من القرى المجاورة.
بدأ المركز أنشطته التعليمية والتربوية مع نهاية النصف الأول من العام الدراسي 2002/2003م، بست مجموعات من الطلاب؛ منهم أربع مجموعات طلاب أعمارهم ما بين 7 و15 عاماً، ومجموعتان لكبار السن.
كان عدد الطلاب في البداية 70 طالباً، وهم من أهل القرية التي فيها مقر المركز، وكانت الدراسة تقام في فصلين بسيطين غير مكتملين بالأدوات التعليمية المطلوبة، وبعد سنة أو سنتين بدأ الأهالي من القرى المجاورة تُحضر إلينا أبناءهم لتلقي العلوم الإسلامية، وهكذا تدريجياً بدأت الأعداد تزداد في كل سنة دراسية جديدة حتى تجاوز عدد طلاب المركز 220 تلميذاً، وهم موزعون على 16 مجموعة دراسية.
وتقام حالياً الدراسة في ست فصول مجهزة بأدوات تعليمية، منها فصلان عبارة عن معملين، معمل لتعليم القرآن الكريم واللغة الإنجليزية، ومعمل للحاسوب، وكل منهما به 20 مقعداً.
نرجو إلقاء الضوء أكثر على «منابر التعليم الإسلامي»، سواء الرسمية التي تتبع وزارة التعليم، أو الخاصة التي تتم في المساجد أو المؤسسات الإسلامية.
– التعليم الإسلامي في مقدونيا يكون على مستويين؛ مستوى المرحلة المتوسطة (الثانوية)، ثم العالية (الكلية الإسلامية) وهذا لمن يريد أن يتخصص في العلوم الإسلامية.
بينما الابتدائية لعامة أولاد المسلمين فقط لأخذ المعرفة الأساسية عن الدين الإسلامي من القراءة في القرآن الكريم وحفظ ما استطاعوا حفظه منه، وما يتعلق بالصلاة والصوم والأخلاق.
ورسمياً أمام الجهات الداخلية والخارجية، توجد مدرسة متوسطة للبنين في مدينة سكوبيا العاصمة، ولها عدة فروع للبنات في سكوبيا، ومدن تيتوفو، وغوستوار، وشتيب، كما أن للمشيخة الإسلامية في مقدونيا كلية للعلوم الإسلامية في مدينة سكوبيا لإعداد معلمين وأئمة وخطباء لتغطية حاجات المسلمين الدينية في مقدونيا، ولا تتبع في شيء ما لوزارة التعليم الحكومية؛ بل في كثير من الأحيان لا يُعترف بشهاداتها أمام جهات رسمية.
أما تعليم الدين لعامة المسلمين، فالكبار من حين إلى لآخر يستمعون إلى محاضرات دينية خاصة في شهر رمضان، وأما الصغار فنسبة قليلة منهم يفضلون التعليم الإسلامي في بعض المساجد على أيدي أئمة المساجد، ونسبة أخرى يتلقون التعليم الديني في المكاتب والبيوت، والجميع مادياً غير مدعوم من أحد؛ إلا ما يدفعه آباء التلاميذ؛ الأمر الذي يجعل التعليم الإسلامي والمعلمين في وضع غير محسود عليه.
وأما من جهة الحكومة؛ فوزارة التعليم خلافاً للجمهوريات الأخرى ليوغسلافيا السابقة لم تدخل مادة الدين في المدارس الحكومية؛ بل اكتفت بتعليم الدين -المسيحية واليهودية والإسلام- كثقافة في سنة واحدة فقط.
وعلى صعيد العمل المجتمعي، ففي العاصمة سكوبيا وبعض المدن الأخرى يتواجد المسلمون الألبان بكثافة، توجد جمعيات وهيئات غير حكومية تعمل على توعية الشباب المسلم، مثل “اتحاد الشباب المسلم”، وله نشاط جيد وواسع مع الشباب ليس في التعليم الإسلامي بمفهوم الكلمة ولكن بطريقة أو أخرى تصب في هذا المجال، مثل تنظيم المحاضرات والمعسكرات والحضور في برامج التلفزيون.
وتوجد جمعيات متعددة مثل “اتحاد الطلاب المسلم”، الذي يعمل على توعية الطلاب المسلمين، وجمعية “أرذمرييا المستقبل”، وهي تمارس التعليم الإسلامي، و”نادي إليتا”، وكلها في سكوبيا العاصمة، بينما جمعية “ولازنييا” فتوجد في مدينة كومانوفا ذات الغالبية المسلمة، وهي الأخرى تمارس التعليم الإسلامي.
وهناك كيانات مجتمعية أخرى بطريقة أو أخرى تصب في مجال التعليم الإسلامي مثل دار النشر “الفرقان”، التي تقوم بترجمة وطباعة بعض الكتب التي تستعمل في التعليم الإسلامي، وكذلك دار النشر “لوغوس”، و”ن”، وكل هذه الجمعيات أو الهيئات تمارس نشاطها بشكل رسمي، حيث إنها مسجلة لدى الجهات الحكومية.
كما أن هناك أفراداً يقومون بالعمل في مجال التعليم الإسلامي بشكل شخصي وليس لهم صفة قانونية.
ماذا عن مناهج التعليم الإسلامي؟ وما تقييمكم لها؟
– فيما يخص البرامج الدراسية، فبالنسبة لتعليم الإسلام في المدرسة الثانوية الإسلامية «عيسى بك»، والتابعة للمشيخة الإسلامية في مقدونيا، وفروعها الأخرى، فلها برامج تعليمية متطورة، وكذلك كلية العلوم الإسلامية، وكما ذكرت سابقاً، فإن الهدف منها إعداد معلمين وأئمة وخطباء لتغطية حاجات المسلمين الدينية في مقدونيا، وهذا التعليم يقع على عاتق المشيخة.
أما تعليم الإسلام لعموم المسلمين، فالأمر ليس على شاكلة واحدة، فللمشيخة الإسلامية برنامج بسيط، والكثير منه لا ينفذ؛ بسبب عدم وجود خطة لتنفيذ ذلك، فالأمر متروك لأئمة المساجد والخطباء أن يقوموا بذلك قدر الاستطاعة وبلا مقابل يُذكر؛ فكانت النتيجة هبوط الجودة في التعليم.
ومن هنا بدأ البعض؛ أفراداً وجمعيات، بتنظيم حلقات التعليم الديني في أماكن مختلفة، ولكل منهم برنامجه الخاص، ويزداد الأمر سوءاً، فنسبة أطفال المسلمين الذين يتلقون علوماً إسلامية قليلة جداً بالكاد تتجاوز 20%.
أما نحن في “المركز الثقافي القلم”، فبرنامج التعليم لدينا على مستويين:
1- برنامج لتلاميذ أعمارهم ما بين 6 إلى 11 عاماً، يدرسون يومين في الأسبوع، بحصتين في تعليم الخط القرآني وقراءة القرآن الكريم وحفظ عدد بسيط منه لإقامة الصلاة، وحصتين لتعليم اللغة الإنجليزية.
2- برنامج لتلاميذ أعمارهم ما بين 11 إلى 15 عاماً، يدرسون يومين في الأسبوع (حصتان في قراءة القرآن الكريم قراءة مجودة، وحفظ أجزاء من القرآن، وحصتان في العلوم الإسلامية من التوحيد والعبادات والسيرة، وحصتان في اللغة الإنجليزية، وحصتان في تعليم الحاسوب).
أما الكبار فلهم برنامج خاص عبارة عن تعليم قراءة القرآن الكريم وعلوم إسلامية حول العبادات.
المعلمون الذين يقومون على تعليم الأطفال، هل هناك شروط ومواصفات لهم؟
– المعلمون في وضع لا يُحسدون عليه، وهم على أشكال مختلفة، منهم من هو بلا شهادة أصلاً، ومنهم من تخرج في المتوسطة الإسلامية، ومنهم من تخرج في كلية ما في مقدونيا أو من دول عربية وإسلامية ولكن ليس لأحد منهم دبلوم في التعليم والتربية، ومنهم من يعمل تحت المشيخة الإسلامية كإمام في أحد المساجد ومن ثم كمعلم فيه، ومنهم من يعمل على مسؤوليته في مكان ما مناسب وغير مناسب.
والجميع ليس لهم أي دعم مادي من أي جهة رسمية إلا أولياء أمور التلاميذ؛ فالتعب والملل يهيمن على الآباء بسبب تحملهم أعباء التعليم الإسلامي، وعلى المعلمين بسبب عدم تشجيعهم مادياً ليستمروا طويلاً في هذا المجال، كذلك لغضبهم من عدم تنظيم دورات لهم لتحسين مستوى أدائهم لهذا العمل.
وأما تدريب المعلمين والاتفاقيات مع الجامعات في هذا السبيل فلا وجود له؛ بل مع الأسف الشديد ليس هناك أي نوع من لقاءات رسمية بين القائمين على هذا النشاط.
ما أبرز العقبات التي تواجهكم في مجال التعليم الإسلامي للأطفال؟
– أكبر عقبات التعليم الإسلامي في مقدونيا «قانونية»؛ ففي المدارس الحكومية أدخلت مادة الدين كمادة ثقافية، وفي السنة الرابعة فقط من تسع سنوات للتعليم الابتدائي والإعدادي، وأما في التعليم الثانوي فليس فيه تعليم إسلامي.
كما أن القانون لا يسمح بفتح مدارس أهلية خاصة للمرحلتين الابتدائية والإعدادية؛ فهو حق للدولة فقط، لكنه يسمح بفتح روضات أهلية للأطفال، وهي مرحلة مبكرة جداً لأي تعليم اللهم لنشر التربية الإسلامية، ويسمح القانون بفتح مدارس ثانوية أهلية وهي مرحلة متأخرة جداً لتلقي التعليم الإسلامي.
في مثل هذا الوضع القانوني لا يبقى إلا استغلال ما يسمح القانون به أي فتح روضات أهلية ومدارس ثانوية أهلية وكل منهما تحتاج إلى أموال لإنشائها وإدارتها، وحيث إن التعليم الحكومي يكون مجاناً، وكذلك روضات الأطفال التابعة للحكومة؛ فالمنافسة بين ما هو حكومي وأهلي صعبة جداً لا سيما أن الوضع الاقتصادي لعامة المسلمين لا يمكنهم من تحمل مثل هذه الأعباء.
وبناء على ذلك، فكل ما يمكن تحقيقه في مجال التعليم الإسلامي لعامة أطفال المسلمين هي تلك الدورات المنعقدة في بعض المساجد وبعض الجمعيات الثقافية غير الحكومية ومن بعض الأفراد.
ما أبرز الإنجازات التي تحققت في مجال التعليم الإسلامي على مستوى البلاد؟
– وإن كان نشر التعليم الإسلامي معرقلاً وفي نطاق محدود كما أشرنا، لكنه تحسن بشكل ملحوظ بالمقارنة مع الوضع قبل 30 عاماً؛ فقد أنشئت مدرسة «عيسى بك» الثانوية الإسلامي للبنين، ثم تم فتح فروع لها في كل من سكوبيا، وتيتوفا، وغوستوا، للبنات، ثم كلية العلوم الإسلامية، كل ذلك أدى إلى تخريج عدد كبير من الأئمة والخطباء والمعلمين؛ فمنهم من توظف رسمياً مع المشيخة كإمام أو خطيب أو معلم براتب أو بغيره، وكثير منهم يمارس التعليم الإسلامي في نطاق المشيخة الإسلامية أو خارجها، وكل ساهم في تحسين مستوى التعليم الإسلامي وإن كان كل هذا التحسن قطرة ماء في البحر بالمقارنة مع متطلبات قضية التعليم الإسلامي.
الشعب الألباني المسلم يعيش في عدة دول بمنطقة غرب البلقان، فهل هناك أي تنسيق بينكم في مقدونيا والمؤسسات المعنية بالتعليم الإسلامي في كل من كوسوفا وألبانيا؟
– التعليم الإسلامي في كوسوفا لا يختلف عن وضعه في مقدونيا؛ وإن كان التمسك بالإسلام من قبل المسلمين في كل من كوسوفا ومقدونيا أحسن مما هو في ألبانيا؛ إلا أن التحول في ألبانيا نحو الإسلام في مجال التعليم الإسلامي أقوى وأسرع.
ففي تسعينيات القرن الماضي كان طلاب ألبانيا يأتون إلى مقدونيا وكوسوفا لتعلم الإسلام، بينما اليوم في ألبانيا نجد أنه قد فُتح عدد كبير من المدارس الإسلامية كمدارس أهلية، وفيما بعد انضمت هذه المدارس إلى وزارة التعليم مع الاحتفاظ بمعالمها الإسلامية؛ الأمر الذي لم يحدث بعد لا في كوسوفا ولا في مقدونيا.
ماذا عن رؤيتكم المستقبلية لتطوير التعليم الإسلامي في مقدونيا؟
– أرى أن للتعليم الإسلامي في مقدونيا والدول المجاورة مثل كوسوفا وألبانيا والجبل الأسود وصربيا الجنوبية مستقبلاً جيداً يتحسن فيه يوماً بعد يوم، نعم هناك مشكلات وعقبات، لكن التحسن مستمر منذ سقوط النظام الشيوعي إلى يومنا هذا، ونأمل أن يستمر هذا التحسن، قد يختلف التعليم الإسلامي في هذه الدول من حيث الكم والكيف من دولة إلى أخرى إلا أن التحسن فيه موجود.
هل من رسائل للمؤسسات الإسلامية المعنية بالتعليم الإسلامي حول العالم ؟
– نريد من المؤسسات المعنية بالتعليم الإسلامي حول العالم أن تعمل قدر استطاعتها في مجالين:
1- في مجال تأثيرها على الجهات المعنية في هذه الدول لتحسين الوضع القانوني في مجال التعليم الإسلامي لعامة أطفال المسلمين.
2- في مجال تأثيرها على الجهات الرسمية الإسلامية في هذه الدول التي ورثت حق ممارسة كل ما يخص الدين الإسلامي وحدها وبلا منافسة من النظام اليوغسلافي الشيوعي كحق مقدس لها؛ ألا تنظر إلى من يمارسون التعليم الإسلامي خارج نطاقها كمفسدين للدين الإسلامي وخارجين عليه وترفض الأمر تماماً.
(المصدر: مجلة المجتمع)