العزلة.. نقطة ضعف عند الإسلاميين
بقلم السيد أبو داود
ـ أكرمني الله بالتعرف على الثقافة الإسلامية منذ السنة الثانية بالجامعة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن وقد جاوزت الثالثة والستين، وأنا أغترف من هذا المعين الذي لا ينضب، والحمد لله رب العالمين.
ـ ثم عملت بالصحافة، وقضيت عمري المهني كله مهتمًا بالشأن الإسلامي سياسيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا وثقافيًا واجتماعيًا، فأسهم ذلك في دفعي بشكل أكبر للقراءة والتنقيب الثقافي والمعرفي .. وكان ذلك من فضل الله وتوفيقه.
ـ خلال رحلة العمر هذه لاحظت أن غالبية شباب الصحوة الإسلامية يركزون على العلوم الشرعية ثم على تاريخ الحركة الإسلامية وثقافتها وقضاياها وتحدياتها.. وهذا أمر جيد ومنطقي ومفهوم.. ولكني لاحظت أنهم لا يندمجون مع ثقافة المجتمع وما يثار فيه من قضايا وتيارات سياسية وثقافية وفكرية وأدبية، بشكل مناسب.. من منطق الاعتزاز بالثقافة الإسلامية والاستعلاء بها على ما عداها .. والبعد عن الفساد وتلويث النفس بثقافة فاسدة.
ـ وكانت النتيجة هي انغلاق سلبي لهذا الشباب عن ثقافة المجتمع، وقد لاحظنا أثر ذلك في الكوادر التي وجدت نفسها في قيادة المشهد السياسي بعد ثورة ٢٥ يناير، وبعد نجاح الرئيس الإسلامي المنتخب، رحمه الله.
ـ لن يتلوث الشباب الإسلامي بما قد يعتبره ثقافة فساد غير ضرورية، ولكن المؤكد أنها ستفتح الباب أمامه لعمق معرفي، وتدفع بالشاب للبحث بصورة أكبر وأعمق عن الحق وعن الأصالة في القضايا المثارة، وهنا يضيف الشاب ثقافة إلى ثقافته ومعرفة إلى معرفته وعمقًا كان يفتقده .. وفي النهاية تعود الفائدة عليه وعلى الحركة الإسلامية ثم على المجتمع ككل.
ـ شباب الصحوة الإسلامية هم أفضل ثروة تملكها مصر، دينيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وعمليًا.. ولابد لهذه الثروة أن تتسلح بالمعرفة الثقافية المنفتحة.. فهم أحق بها وأهلها. والعزلة عن المجتمع خطأ كبير لا يليق بقاطرة المجتمع وأهم مكون فيه.. فكيف أعد نفسي لقيادة هذا المجتمع على المدى الطويل.. وأنا منعزل عنه وعن ثقافته وقضاياه؟
ـ يحضرني في هذا الصدد، الرحلة الثقافية والفكرية للدكتور محمد عمارة ـ رحمه الله – فقد كان أهم ما صنع تميزه هو انفتاحه على تيارات المجتمع المختلفة والتعمق فيها من أجل الرد عليها.. فقاده ذلك إلى التعمق والأصالة والهدوء الفكري والثقة والموسوعية واستيعاب الآخرين.. فأضاف إلى الثقافة الإسلامية بعدًا جديدًا وعمقًا وانفتاحًا وتسامحًا.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)