العرب يخذلون مسلمي الإيغور بكل أشكال الهوية
بقلم إحسان الفقيه
يقولون في المثل الفلسطيني والمصري «لا منك ولا كفاية شرك»، ويُطلق لمن لم يقتصر على تخاذله وعدم قيامه بما هو عليه واجب، بل أضاف إلى خذلانه السعي بالشر والباطل والإيذاء، وقديمًا أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
ذلك هو حال الحكومات العربية، لا منهم ولا كفاية شرهم، صمتوا عن قول الحق وأطلقوا ألسنتهم بالباطل، وعن الموقف العربي المخزي من مسلمي الإيغور أتحدث. تفرقوا وتشرذموا وتنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم، فقلنا: أقعدهم ضعفهم عن نصرة المظلوم، لكننا لا نجد لهم عذرًا في دعمهم سياسات القمع والتطهير العرقي الذي تمارسه الحكومة الصينية ضد مسلمين الإيغور في تركستان الشرقية، أو كما أطلقت عليها الصين بعد الاحتلال «إقليم شنجيانغ».
سبع دول عربية ـ ضمن 37 دولة – وجهت رسالة إلى الأمم المتحدة تدعم فيها سياسة بكين تجاه مسلمي الإيغور في شينجيانغ، وأشادت بما وصفته إنجازات للصين في مجال حقوق الإنسان، وأنها تواجه تحديا خطيرًا يتمثل في القضاء على الإرهاب والتطرف في الإقليم. لعله من المناسب أن نلقي نظرة سريعة تنعش ذاكرة القارئ حول الجهود الصينية في الإقليم، التي أشادت بها حكوماتنا العربية. سبعون عامًا مضت على احتلال الصين الشيوعية لتركستان الشرقية ذات الأغلبية المسلمة، وحكومة بكين لا تتورع عن قمع واضطهاد مسلمي الإيغور.تم تدمير وإغلاق حوالي 97% من مساجد الإيغور، وتقلص عددها من عشرين ألفًا إلى أقل من خمسمائة مسجد، بزعم أنها شاغرة من المصلين، وتُكتب لافتات على المساجد بأنه يحظر دخول من هم دون الثامنة عشرة، ويتم إذلال واعتقال الدعاة والعلماء والمثقفين باتهامات عارية عن الصحة، ولم يسلم أثرياء الإقليم من السجن بتهم الفساد المالي وتمويل النشاط الديني في الخارج. وفي سبيل إحداث تغيير ديموغرافي في تركستان الشرقية قامت السلطات الصينية بالتهجير القسري لأبناء الإيغور، وتوطين الملايين من الصينيين من عرقية «الهان» حتى تغيرت التركيبة السكانية، وتناقصت نسبة مسلمي الإيغور إلى 45%، بعد أن كانت حتى وقت الاحتلال (1949) 97%، وارتفعت نسبة سكان الهان الصينيين إلى حوالي 40%.
كما قامت الحكومة بحملة لإجبار مسلمي الإيغور على التعايش مع ملحدين صينيين واستضافتهم في بيوتهم قسرًا تحت مسمى «القرابة التوأمية».
ويمنع في الإقليم إطلاق اللحى وتغطية المرأة وجهها في الأماكن العامة، كما أفادت تقارير غربية أن السلطات الصينية أمرت مسلمي الإيغور بتسليم المصاحف وسجاجيد الصلاة ونحوه من المتعلقات الإسلامية، وإلا واجهوا العقوبة، ويتم منع الصيام في المدارس والمصالح الحكومية، ويُعاقب كل من يمتنع عن مشاهدة التلفزيون الرسمي. ويحظر على أصحاب المحلات الامتناع عن بيع الخمور. ومسلمو الإيغور محرمون من الالتحاق بالوظائف الحكومية بحجة أنهم غير مؤهلين ولا يحسنون التحدث بالصينية، وهذا غيض من فيض مظاهر القمع والاضطهاد الصيني لمسلمي الإيغور، فقد غدا الإقليم، كما عبر أحد الكتاب، «سجنا مفتوحا»، والآن يخضع ما يزيد عن مليون من مسلمي الإيغور إلى الاعتقال في معسكرات يطلق عليها «مراكز مكافحة التطرف» بزعم إعادة تأهيلهم وإدماجهم في القومية الصينية.
نعود لموقف الحكومات العربية الذي يمثل وصمة عار لن تنمحي من ذاكرة الشعوب الإسلامية، تلك الحكومات التي لا وصف لها، فهي كالماء في وصفها لا رائحة ولا طعم ولا لون. لا أدري من أي هوية انطلقت تلك الدول العربية لتؤيد سياسات الصين في الإقليم؟ فليخبرونا عن هويتهم لنعرف كيف نحدثهم. فهل نخاطبهم كمسلمين؟ الإسلام رسالة عالمية ينصهر أبناؤه تحت راية جامعة بصرف النظر عن الجنس والعرقية واللون واللغة والحدود الجغرافية، انطلاقا من قول الله تعالى «إنما المؤمنون إخوة»، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»، أي لا يتركه مع من يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه. وهل نخاطبهم كعرب؟ فالنخوة العربية تأبى خذلان المظلوم الضعيف، وليس ذلك من شيم العربي، وفي الأزمان السحيقة عندما نبعت عين زمزم تحت أقدام الصبي إسماعيل، جاءت قبيلة جرهم اليمنية واستأذنت أم إسماعيل في المقام حول الماء، وظلوا في تلك البقعة بإذن منها، رغم قدرتهم وضعفها.
موقف الحكومات العربية من مسلمي الإيغور وصمة عار لن تنمحي من ذاكرة الشعوب الإسلامية
ويوم «ذي قار» الذي انتصر فيه العرب على الفرس، كان بسبب رفض هانئ بن مسعود الشيباني تسليم ودائع النعمان وأهله وماله وسلاحه إلى كسرى، حيث استودعه إياها بعد فراره من غضب ملك الفرس. وفي مكة قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قام شرفاء قريش بتشكيل «حلف الفضول» لنصرة الضعيف والمظلوم وأخذ حقه من الظالم. فهل نخاطبهم كبشر؟
هذا الموقف العربي مجرد من الإنسانية، ولم يبلغ شأن الشعب الإيغوري شأن حديقة حيوان بريطانية تبرع لها ثري خليجي قبل سنوات بالملايين حتى لا يتم إغلاقها. النظرة الإنسانية هي التي رفعت من قيمة النجمة الهوليوودية أنجلينا جولي في العالم بأسره، وهي تقطع المسافات والأقطار من أجل المنكوبين وإغاثتهم، فقط لأنها نظرت إليهم كبشر، لكننا أمام حكومات تصر على التجرد من كل هوية ومن كل منطق ومنطلق.
سبع دول عربية تؤيد جرائم الحكومة الصينية، في حين شارك سفراء 22 دولة لدى الأمم المتحدة منها أستراليا وكندا وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا، في التوقيع على رسالة لمسؤولي حقوق الإنسان، تدين ممارسات بكين ضد الإيغور في شينجيانغ، فحتى لو اندرجت تحت حسابات المصالح كما هو متوقع من ردود البعض، لكنهم على الأقل وقفوا بشكل يشرفهم أمام شعوبهم، ولم يؤيدوا هذا الظلم البواح. إن هذا التأييد له دلالات خطيرة ربما كانت معروفة لكنها تفاقمت وتعاظمت، أبرزها أن تبعية الحكومات العربية للدول القوية شرقا وغربًا بلغت مبلغا عظيما، وتعدت التملص من المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية ذات الوضع المركزي في الأمة، لتشمل التماهي التام مع الدول العظمى في كل الملفات الإقليمية والعالمية، فالذي يشغل تلك الحكومات هو البقاء في السلطة والحفاظ عليها، وسبيلها إلى ذلك الخضوع التام لفزاعة الإرهاب والتطرف، وإثبات استعدادها للسير في ركب المنظومة الدولية التي جعلت الإرهاب مصطلحا فضفاضا يتسع للمظلومين في العالم. ومنها أن هذه الحكومات لم تعد تعبأ نهائيا بإرادة شعوبها، فما عادت تتجمل حتى أمامها، ولا تكترث بغضبها إزاء سياساتها الخارجية والمواقف الضعيفة الباهتة من قضايا العالم الإسلامي والعربي، وهو أمرٌ يعكس الفجوة الكبيرة بين الأنظمة وشعوبها، فليس لهذه الشعوب ثقل يعمل له الحكام حسابا.
وفي ظل غياب تأثير الشعوب على سياسات الأنظمة الحاكمة، فلا أقل من نشر الوعي بقضية الإيغور، بما تفرضه إخوة الدين، والنخوة العربية، وحتى الإنسانية، فتلك الجهود إن لم يكن لها أثر في الوقت الحالي، فإنها وفق مسارها التراكمي سوف تؤتي ثمارها مستقبلًا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(المصدر: صحيفة القدس العربي)