مقالاتمقالات مختارة

العرب بين الدين والسياسة

بقلم د. أحمد محمد كنعان

” إن خدمة السلطان الباطل، والطاغوت الغالب

هي وظيفة المحترفين من رجال الدين”

لقد مضى على الأمة العربية قرون طويلة عاش فيها الدين والسياسة جنباً إلى جنب في توافق مكن للأمة بناء حضارتها، ونشر دعوتها الإسلامية النبيلة في الآفاق.

وقد استمرت العلاقة بين الدين والسياسة على هذه الحال من التوافق حتى عام 1924 حين أقدم الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك (1881 – 1938م) متأثراً بالعلمانية الأوروبية؛ فألغى الخلافة التي ظلت لقرون طويلة تحفظ للمسلمين وحدتهم، وتصون أرضهم وأعراضهم، وتمدهم بأسباب القوة .

ومنذ تلك اللحظة الأتاتوركية المشؤومة بدأ الفصل بين الدين والسياسة لأول مرة في تاريخ الأمة؛ وكما كان متوقعاً فقد أثار هذا الحدث الجلل ردود استنكار غاضبة بين أبناء الأمة، وبدأت هنا وهناك دعواتٌ تنادي بعودة الخلافة؛ واستجابت لهذه الدعوات شرائح واسعة من الأمة، فظهرت أحزابٌ وجماعات إسلامية تنادي بعودة الخلافة، وعودة الإسلام إلى الحياة العامة، وتأسيس الدساتير والبرامج السّياسيّة على أحكام الشّريعة، استناداً إلى ما فعله النّبي صلى الله عليه وسلم الذي أقام دولةً مارس فيها الدين والسياسة جنباً إلى جنب، وكذلك فعل خلفاؤه الرّاشدون الذين مارسوا السّياسة في ظل الدين وأحكامه .

وقد كانت هذه الممارسة من النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده حجة قاطعة للإسلاميين رافضي الفصل بين الدين والسياسة، مع حجة أخرى؛ هي إيمانهم أن الإسلام دين حياة شامل يرى السياسة جزءاً لا يتجزأ من الدّين .

وفي مقابل الجماعات والأحزاب الإسلامية التي رفضت الفصل بين الدين والسياسة ظهرت أحزاب وتيارات قومية ويسارية علمانية تنادي بضرورة الفصل تأسياً بالتجربة الأتاتوركية والتجربة الأوروبية؛ واعتقاداً من هؤلاء أن الفصل هو الطريق الكفيل بنقل الأمة إلى عصر أنوار عربي جديد !؟

وقد نشب خلاف حاد بين الإسلاميين الرافضين للفصل وبين الداعين إلى الفصل؛ وجرت حوارات ونقاشات حامية وصلت في كثير من المناسبات إلى صدامات عنيفة أحدثت شرخاً واسعاً في الأمة لم تبرأ منه حتى اليوم !

وبالعودة إلى التجربة الأتاتوركية التي اقتدى بها دعاة الفصل بين الدين والسياسة نجد أن تلك التجربة قد انتهت بتركيا إلى حالة من الضعف والتخلف والتردي لم تشهد لها مثيلاً من قبل، مما اضطر نخبة مخلصة من أبناء الأمة التركية إلى محاولة تصحيح الخطأ الذي اجترحه أتاتورك، وقد بدأ المحاولة رئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس (1899 – 1961م) مع عدد من رفاقه، فتصدى لهم العلمانيون أتباع أتاتورك، متهمين عدنان وإخوانه بتأسيس تيار ديني يستهدف الإطاحة بالأتاتوركية، وينادي بخلط الدين بالسياسة وعودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية، وحكموا عليه بالإعدام وشنقوه !

وفي تسعينيات القرن الماضي تكررت المحاولة على أيدي نخبة إسلامية قادها المرحوم نجم الدين أربكان (1926 – 2011) الذي حاول أكثر من مرة تكوين حزب إسلامي يصحح ما أفسده أتاتورك؛ إلا أن الجيش الذي جعله أتاتورك وصياً على العلمانية وحامياً لها أفشل محاولات أربكان، لكن استمر المخلصون للفكرة في المحاولة حتى تمكن أحد تلامذة أربكان وهو “رجب طيب أردوغان” من تأسيس “حزب العدالة والتنمية” في عام 2001، الذي قاد البلاد بعقلية سياسية راشدة، خلصت البلاد من الأتاتوركية، وأعادت التوافق المفقود بين الدين والسياسة، وجعلت تركيا في غضون سنوات قليلة تنهض نهضة عظيمة جعلتها واحدة من “الكبار” في العالم !!

وهذه التجربة الأردوغانية الناجحة التي جمعت بجدارة بين الدين والسياسة لم تكن التجربة الوحيدة في عصرنا، فقد حصل في ماليزا بقيادة “مهاتير محمد” ما يماثلها، بل قد يفوقها، فقد قاد مهاتير محمد البلاد كذلك بسياسة حكيمة نقلت ماليزيا في غضون سنوات قليلة من دولة فقيرة إلى مصاف الدول المتقدمة، وجعلت مهاتير بطلاً وطنياً في بلده، وقدوة يحتذى في نظر العالم !!

وهكذا أظهرت تجربة “أتاتورك” ومن جاراه أن الفصل بين الدين والسياسة يمكن أن يكون كارثة، وفي المقابل أثبتت تجربتي “أردوغان” و “مهاتير” أن التوافق الراشد بين الدين والسياسة يمكن أن يكون حلاً عملياً كفيلاً بإحداث نقلات نوعية على طريق التحديث والتقدم، والوصول إلى عصر الأنوار المنشود !

تشويه الدين وتدمير السياسة :

بغض النظر عن موقفنا من التجربتين الناجحتين للجمع بين الدين والسياسة في كل من تركيا وماليزيا، لابد من القول إن الموضوعية تتطلب منا وقفات تأمل قبل الحكم على المسائل رفضاً أو قبولاً؛ ففي مقابل التجربتين الناجحتين في تركيا أردوغان وماليزيا مهاتير نجد في التاريخ القريب والبعيد حالات فشل للجمع بين الدين والسياسة، انتهى فيها الجمع إلى كارثتين اثنتين لا كارثة واحدة، هما : تشويه الدين، وتدمير السياسة !

ومثل هذه النهايات غير السعيدة يمكن أن نلاحظها بوضوح في التاريخ البشري في مختلف الثقافات والأديان، منها على سبيل المثال لا الحصر تلاعب أباطرة روما بالمسيحية، ما دفع إلى ثورة واسعة ضد الإمبراطورية والكنيسة معاً ! وكما فعلت روما فعل ملوك الفرس والصين والهندوس من توظيف الدين في خدمة السياسة، فقد تكررت هذه الظاهرة عبر العصور دون تغيير في نهاياتها المؤسفة، وهي ما زالت تتكرر بتفاصيل مختلفة دون تغيير في النهايات !

منها مثلاً ما نراه اليوم من تسخير الأنظمة العربية للدين من أجل تمرير سياسات هذه الأنظمة والحفاظ على الكراسي، وقد بلغ هذا التوظيف للدين في السياسة درجة مسفة جعلت بعض الإسلاميين الغيورين على الدين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة، بل لقد فعلها بعضهم فعلاً، كما فعلت مثلاً “حركة النهضة” الإسلامية في تونس التي أقدمت في عام 2016 على فصل الديني عن السياسي، وكذلك فعلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1992 فأسست حزب “جبهة العمل الإسلامي” لكي يتولى الجانب السياسي من أنشطة الجماعة، وكذلك فعل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح باستقلاله عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتأسيسه حزباً سياسياً هو “حزب مصر القوية” في عام 2012 .

وتوحي هذه الوقائع وأمثالها أن العديد من الجماعات الإسلامية قد بدأت تنظر إلى قضية الفصل بين الديني والسياسي نظرة رضا وترحيب؛ بدل نظرة الشك والرفض التي دأبت عليها لسنوات طويلة !

وعند البحث في هذا التغيير في موقف الإسلاميين نجد أنه لم يحصل نتيجة البحث النظري والحوار الفكري الحر، بل دفعت إليه التجربة المرة، وتضييق الأنظمة الاستبدادية على الإسلاميين كافة؛ وهذا ما صرح به زعيم حركة النهضة الإسلامية “راشد الغنوسي” في مقالته الشهيرة “من الإسلام السياسي إلى الديمقراطية الإسلامية” التي نشرها في عام 2016 في الدورية الأمريكية : الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) في أعقاب إعلانه الفصل بين الديني والسياسي؛ ونستشف من تصريح الغنوشي في هذه المقالة أن حركته لم تقتنع بضرورة الفصل قناعة عقلية حرة، بل ذهبت إلى هذا الخيار مكرهة نتيجة التضييق عليها داخلياً وخارجياً، وهو ما فعلته كذلك الجماعات الإسلامية الأخرى التي ذكرناها !

ولا شك بأن هذا التحول القسري في المواقف ينطوي على احتمال الانقلاب على الفكرة عندما تتغبر الظروف؛ فالتجربة البشرية عبر التاريخ تعلمنا أن الإكراه لا يمكن أن يولد الإيمان بالفكرة مهما كانت مثالية، ولهذا تبقى ثمة شكوك باحتمال الانقلاب على فكرة الفصل بين الدين والسياسة، وهي شكوك لا يفتأ يطرحها خصوم العمل الإسلامي، لاسيما وأن تصريحات مازالت تصدر عن شرائح من الإسلاميين بين فترة وأخرى مفادها أن الفصل بين الدين والسياسة قد نجح في التجربة الغربية لأسباب تتعلق بظروف الغرب المسيحي التي تختلف جذرياً عن الظروف العربية الإسلامية؛ فهذه التصريحات تظل مثاراً لمخاوف الخصوم بوجود نيات مبيتة لانقلاب الإسلاميين ضد الفكرة عندما تتغير الظروف !

وفي الواقع .. توجد دلائل كثيرة على أن فكرة الفصل بين الدين والسياسة ما زالت فكرة مرذولة من قبل شرائح واسعة من الإسلاميين، واعتقادنا أن القناعة بالفصل أو الوصل لن تستقر في أذهان هؤلاء وخصومهم بالحوار النظري المجرد، وإنما بالرجوع إلى التاريخ لاختبار الأسس التي تثبت أو تدحض الفكرة، على طريقة القرآن الكريم الذي يردنا في مثل هذه القضايا إلى التاريخ باعتباره المختبر الحقيقي لصواب الفعل البشري أو فساده : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ .. الآية) سورة الروم 42 .

ومع تجاوز هذه الدعوة القرآنية، وبقاء التجربة البشرية الراهنة والتاريخية خارج الاهتمام تتواصل مناقشة القضية في إطار نظري يتجاهل الواقع والتاريخ، ويبقي القضية دائرة في ميدان نظري يتجاهل الواقع المأزوم الذي يفرض نفسه على تفاصيل المشهد العربي !

ويزيد المسألة اليوم تعقيداً بظهور تنويعات لا حصر لها من التشكيلات الإسلامية التي زادت المشهد ضبابية، وأدخلت المسألة في طور شديد الخطورة؛ فقد نبهت هذه الظاهرة القوى الكبرى في العالم إلى فاعلية توظيف الدين في السياسة فبدأت هذه القوى تساهم بنفسها في تأسيس تشكيلات عميلة تحت شعارات إسلامية زائفة؛ كما فعلت في تأسيس “القاعدة” ثم “داعش” وأخواتها من الجماعات ذات القشرة الإسلامية، فكانت وبالاً على الدين والسياسة معاً !

ومن المؤسف أن هذا الواقع العربي المأزوم لم يعطَ حتى اليوم الاهتمام اللائق من قبل العاملين في الحقل الإسلامي، فنراهم يستمرون في مناقشة العلاقة بين الدين والسياسة في إطار نظري لا يمكن أن يوصل إلى إجابات شافية تخرج الأمة من هذا الواقع المأزوم !

فإذا أضفنا إلى هذه المعضلة معضلة أخرى؛ تتمثل في تعدد الفهم والتعريف للدين، ندرك مقدار الإشكاليات الكثيرة المعقدة التي تكتنف هذه الظاهرة؛ التي نؤكد ثانية وثالثة وعاشرة أنها لا تنحصر في العرب والمسلمين وحدهم؛ وإنما هي ظاهرة شائكة عانت منها عبر العصور كافة الأديان والثقافات بلا استثناء، وكانت هي وتبعاتها المُؤلمة هي الدافع إلى تحرير السياسـة من الدين، أو فصل الدين عن السياسة في أوروبا أولاً، ثم في كثير من بقاع العالم !

ونخلص إلى أن تحقيق موقف حاسم في قضية الدين والسياسة تتطلب إدراك الحقائق الآتية :

1 – وجود اختلاف جوهري ما بين طبيعة الدين وطبيعة السياسة؛ فالدين يبقى مكوناً أساسياً من المكونات الثقافية والروحية للبشر فلا يمكن للسياسة مهما استبدت وتجبرت أن تنزع الدين من قلوب المؤمنين، أما السياسة بالمقابل فهي نشاط بشري تقوده المصالح والمساومات والتوافقات، أو هي سياسة “الأمر الواقع” كما يقولون، وهذا ما على خلاف من الدين الذي لا يعترف من الواقع إلا بما يوافق مبادئ الدين ومقاصده.

2 – نلاحظ في التاريخ والحاضر أن تعريف الدين وتأويله يتلون حسب مزاج كل من السياسي والديني، بغية شرعنة موقف كل منهما وتبريره دينياً، واستقواء كل منهما على الآخر بالدين؛ واستناداً إلى هذا التأويل المتعسف قامت كل الحروب الدينية عبر العصور، ولا نبرئ بعض حقب تاريخنا الإسلامي من بعض هذه الممارسات، فلم يكن كل خلفائنا وولاتنا عباداً زهاداً على مثال “الخلفاء الراشدين” أو الخليفة الخامس “عمر بن عبد العزيز” .

وإن مما يؤسف له اليوم أن عدداً غير قليل من علماء الأمة مازالوا يمارسون توظيف الدين لمساندة أنظمة بالغة الفساد؛ لا تتورع عن ارتكاب المظالم الرهيبة؛ ليس بحق المجتمع وحده، بل كذلك بحق الدين نفسه؛ ما جعل كثير من أبناء الأمة يفقدون الثقة بهؤلاء (العلماء ؟!)

ولعل أخطر ما في هذا التلاعب بالدين لصالح السياسة أنه جعل شريحة من شباب الأمة يغادرون الدين إلى الإلحاد الذي تقول الإحصائيات إنه وصل في بعض البلدان العربية حداً ينذر بكوارث قادمة !

ومع تسليمنا بحقيقة أن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تدعم الرأي القائل بعدم الفصل بين الدين والسياسة؛ فإن ثمة تحديات عديدة تواجه هذه الحقيقة، وتفرض على القائلين بالجمع بين الدين والسياسة شرطين :

1 – أن لا تشوه الممارسة السياسية أصول الدين ولا تتجاوز مقاصده، وهو شرط غير مضمون – إلا ما ندر – كما تثبت شواهد التاريخ !

2 – أن لا يقيد الدين السياسة على نحو يعطل آلياتها، ويطلق عليها اتهامات الكفر والهرطقة وما شابهها من الاتهامات التي تخرجها من الدين، وهو كذلك شرط يبدو مستحيلاً، بسبب ما يتطلبه الدين من براءة ونظافة يد وإخلاص، وهي صفات قلما تتوافر في أهل السياسة، كما يثبت التاريخ كذلك !

مأزق الدين والسياسة :

وتجدر الإشارة أن أهل الدين القائلين بالجمع بين الدين والسياسة سوف يجدون أنفسهم في مأزق حين يجدون الدين يفرض عليهم ضوابط أخلاقية صارمة تعوقهم عن تنفيذ خططهم وتحقيق غاياتهم السياسية، ففي هذه الحال سيجدون أنفسهم مضطرين لتقليد السياسي الانتهازي؛ فيفعلون ما يفعله “فقهاء السلاطين” الذين لا يترددون في تأويل فاسد للدين، أو ممارسة الانتقائية من النصوص التي تناسب مواقفهم، فيقعون فيما وقع فيه اليهود من قبل الذين كانوا (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) سورة النساء 46 !

وفي المقابل .. في حال الجمع بين الدين والسياسة؛ سنجد السياسي المحترف يتخذ لنفسه واحداً من “فقهاء السلاطين” لكي يدبج له الفتاوى حسب الطلب، ويظهره بمظهر “الرئيس المؤمن” الحريص على الدين، فإن لم يجد السياسي من ينجده من فقهاء السلاطين، رمى الدين خلف ظهره ومضى ينفذ سياساته وخططه غير عابئ بدين ولا أخلاق !!

وهكذا نجد أن خلط الدين بالسياسة لا يندر أن يوقع السياسي والمتدين في مآزق عسيرة، وقد ينتج هذا الخلط خلطة قابلة للانفجار في أية لحظة، تدمر الدين والسياسة معاً !!!

وأغلب الظن أن هذا التخوف هو الذي ألجأ “حركة النهضة” ومن لف لفها إلى الفصل بين الديني والسياسي، وهو ما برر به الغنوشي الأسباب التي ألجأته إلى فصل الديني عن السياسي، وذلك في تصريح نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم 23 أيار/ مايو 2016 مـ – العدد 13691 ، قال فيه : ” نريد أن يكون النشاط الديني مستقلاً تمامًا عن النشاط السياسي. وإن هذا أمر جيد للسياسيين لأنهم لن يكونوا مستقبلاً متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية، وجيد أيضًا للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفًا من قبل السياسيين”!!

وخلاصة القول ..

لقد رصدنا حالة باهرة للجمع بين الدين والسياسة في فجر الإسلام وضحاه، ورصدناها كذلك في عصرنا الحاضر في تركيا وماليزيا .

وفي المقابل رصدنل – ومازلنا نرصد اليوم – حالات ناجحة للفصل بين الدين والسياسة في العديد من دول العالم، كما هي الحال مثلاً في معظم أوروبا واليابان وغيرها .

وهذا النجاح من حالات الجمع وحالات الفصل تثبت أن النجاح أو الفشل في هذه المسألة لا يتعلق بالجمع أو الفصل؛ وإنما يتوقف النجاح أو الفشل على الذين يمارسون الدين والسياسة، فإذا كانوا يتمتعون بضمير حي يرعى مصالح البلاد والعباد كانت النتيجة نجاحاً باهراً، وإن كانوا بلاضمير وقعت الكارثة !

• فهل معنى هذا أن نترك أمر البلاد والعباد للضمير ؟

• الجواب قطعاً : لا .. لا يصح أن يترك الأمر لضمير قد يكون حياً وقد لا يكون، بل لا بد من قانون يضبط الأمور ويحفظ الحقوق، وهذا لا يتحقق إلا في دولة المؤسسات التي يتحقق فيها الفصل بين السلطات الثلاث ( التنفيذية – التشريعية – القضائية ) ويكون فيها القانون فوق الجميع بلا تمييز، وهذا هو السر في النجاحات الباهرة التي حققتها البلدان التي ذكرناها، وليس السر في فصل الدين عن السياسة ولا في الجمع بينهما؛ وإنما في تحقيق دولة المؤسسات التي تحترم القانون .

ولا جدال بأن الذين يديرون هذه الدولة إذا كانوا على دين تكون الضمانة أكبر، إلا أن هذا المعيار غير قابل للقياس، ولهذا يبقى المقياس الحقيقي هو مدى الالتزام بالقانون دون تمييز ، وهذا هو المعيار الذي نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر بأن من أسباب هلاك الأمم اختلال هذا المعيار، وانظر كيف ضرب مثلاً بتطبيقه على أحب أولاده إليه وهي السيدة فاطمة رضي الله عنها، فقال : “أيها الناس، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” متفق عليه .

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى