عرض أ. إسامة شحادة
صدرت هذه الدراسة مؤخرا عن مركز حقائق للبحوث والدراسات في 175 صفحة من القطع المتوسط، وهي تتناول لبّ الأزمة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين سنة 2003م، وهي أزمة اضطهاد وإقصاء السنة العرب في العراق من قبل الحكومة الشيعية الطائفية، وتركز الدراسة على الفترة بين 2014-2016.
وترتكز الدراسة في بيان مدى بشاعة الظلم والاضطهاد الواقع على العراقيين العرب السنة ومدى ضخامة الجرائم الطائفية التي تعرضوا لها على وثائق المنظمات الحقوقية الدولية وآراء نخبة من الساسة الأميركيين، وذلك باعتبارهم محايدين ليست لهم مصالح طائفية كما تردد الماكنة الإعلامية الشيعية العراقية والإيرانية ضد كل محاولة عراقية سنية لفضح الجرائم الإرهابية المرتكبة ضدهم.
في التمهيد للدراسة تم لفت النظر لبعض الحقائق حول مأساة العرب السنة في العراق، من خلال كشف التناقض السائد في كثير من المقالات والتحليلات بخصوص العراق، والتي تؤكد على البعد الطائفي السني لحكم حزب البعث برغم أن حزب البعث هو حزب علماني يحوي من الشيعة في عضويته ما يقارب السنة أو يفوقهم، بينما يتم رفض وصم الحكم الشيعي للعراق من قبل أحزاب شيعية دينية بالطائفية برغم كل تصرفاتها الطائفية التي وصلت لحد أداء قسم الانضمام للجيش بصيغة شيعية طائفية وعند مقام شيعي!
كما نبه التمهيد على إغفال كثير من وسائل الإعلام لجرائم داعش بحق العرب السنة والتركيز فقط على جرائمها بحق الشيعة والمسيحيين واليزيديين، حيث جرائم داعش بحق السنة أكثر وأوسع ضررا، فداعش لا تقتل السني على هويته كما تفعل المليشيات الشيعية إلاّ أنها تقتل السنة على مخالفتهم لآرائها وأوامرها من جهة وهذا هو سبب جرائمها بحق العلماء والخطباء والقادة وفصائل المقاومة السنية، ومن جهة أخرى فإن داعش تجبر السنة على خوض معاركها الفاشلة مع كافة القوى ثم تنسحب من مناطقهم بعد تجريدهم من سلاحهم وقادتهم وتتركهم لقمة سائغة للمليشيات الشيعية الطائفية والإرهابية.
وأيضا لقد تم بناء العراق الجديد على أسس طائفية مقصودة بتسليم الحكم للشيعة من قبل أمريكا، وقد أفرز ذلك سياسات طائفية دائمة ترتكز على قمع المكوّن السني بحجة محاربة التطرف والإرهاب المتمثل في داعش، لكن الحكومة الطائفية تحارب داعش وتحارب المكون السني بأكمله باعتباره حاضنا وداعما ومؤيدا لداعش، وفي نفس الوقت تتغاضى عن كل الجرائم بحق السنة من قبل أجهزتها ومليشياتها مما يجبر بعض السنة على القبول بداعش، وبذلك تتواصل مأساة السنة بين ظلم وإجرام داعش، وظلم وإجرام الحكومة التي تدفعهم لحضن داعش، ثم تتخلى عنهم داعش ليواجهوا إجرام المليشيات الطائفية! والغرب يقف متفرجا على هذه المأساة لأن من يزعم محاربة داعش هو من يقتل السنة وهم المليشيات الشيعية، وفي النهاية فالخاسر الوحيد والضحية لكل ذلك هم الأبرياء من العرب السنة!
في القسم الأول من هذه الدراسة تم استعراض أبرز معالم المأساة السنية في الفترة من 2014-2016 كما يلي:
1- تدمير المناطق السنية: فقد تم توظيف محاربة داعش سنة 2014 لتدمير مناطق السنة، حيث أكدت تقارير منظمة العفو الدولية أن القوات الحكومية وميلشيا الحشد الشيعي ارتكبت جرائم حرب.
ففي مدن محافظة صلاح الدين وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش إحراق وتفجير 1425 من المنازل في تكريت وما حولها دون حاجة عسكرية لذلك! وفي ناحية آمرلي تقول هيومن رايتس ووتش إن تدمير المباني في 47 قرية ذات أغلبية سنية كان منهجيا ومدفوعا لتغيير التركيبة السكانية السنية، حيث نهبت ودمرت المنازل والمحال والمساجد والمباني العامة، وأن ما يزيد عن 3800 مبنى قد تم تدميره نتيجة لذلك.
وفي محافظة ديالى تم هدم عدد من المساجد ونهب المنازل وتدميرها بحسب تقارير بعثة الأمم المتحدة. كما رصدت البعثة تدمير قرية شمسية العربية في محافظة كركوك من القوات الحكومية، أما مدينة الرمادي فقد عبر مراسل وكالة رويتر عن حالها بأنها أصبحت مدينة أشباح شبه مدمرة، فقد دمرت المباني وهجّر أهلها! أما منسقة عمليات الأمم المتحدة في العراق فقد اعتبرت الرمادي أسوأ مكان في العراق تعرض للتدمير، وفي تحليل بعثة الأمم المتحدة هدم 64 جسرا ومعظم شبكة الكهرباء، وبحسب صور الأقمار الصناعية فهناك 2000 منزل مدمّر تماما و5700 مبنى متضرر.
وفي الفلوجة تم استخدام القنابل البرميلية كما هو الحال في سوريا، وقد تسبب ذلك بالكثير من التدمير والقتلى، كما تم توثيق استهداف مستشفى الفلوجة أكثر من 16 مرة في تقرير هيومن رايتس ووتش.
2- الإعدامات الجماعية: حيث ارتكبت الميلشيات الشيعية العديد من المجازر بحق العرب السنة بين عامي 2014-2015، وقد وثقت المنظمات الحقوقية الدولية عددا من هذه المجازر على النحو التالي:
مجزرة سوق مويلحة في الحلّة، حيث قتل 53 شخصا، كانت أيديهم مقيدة ومصابين بطلق في الرأس.
مجزرة قرية الكراغول بمحافظة صلاح الدين، حيث قتل 14 شخصا واختطف 33 آخرون.
مجزرة قرية بروانة بمحافظة ديالى، حيث قتل بين 56-70 شخصا.
مجزرة جامع مصعب بن عمير بمحافظة ديالى، حيث قتل 34 شخصا وهم يؤدون صلاة الجمعة في المسجد.
مجزرة في بعقوبة بمحافظة ديالى، حيث خطف وأعدم 15 شخصا، وعلّقوا على أعمدة الكهرباء.
كما أن الحكومة ومليشياتها قامت بإعدامات جماعية كثيرة لسجناء سنة عرب بدون حق، بحسب تقارير هيومن رايتس ووتش.
3- تعذيب المعتقلين: إن تعذيب السجناء العرب السنة هو نهج ثابت للحكومات الشيعية ومليشياتها بهدف طرد السنة وتهجيرهم لخارج العراق، وقد فضحت عدة تقارير دولية تلك الممارسات كالضرب وسوء الخدمات والتكدس والاعتداءات الجنسية، خاصة على النساء، حيث هناك ما يزيد عن 5000 سجينة سنيّة، وعدم توفر محامين في المحاكمات، وغياب العدالة في القضاء وتفشي الرشوة.
4- التهجير: ترصد الدراسة أن التهجير كان محدودا في عام 2003، ثم تصاعد مع حكومة الجعفري في 2005 وبرزت آنذاك فرق الموت، وبعد تفجير سامراء عام 2006 تولى جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر تهجير سنة بغداد والبصرة وديالى، في الفترة 2009-2013، فهاجر كثير من العرب السنة إلى إقليم كردستان بسبب الضغوط الحكومية عليهم بتهم الإرهاب، ومع سيطرة داعش على الفلوجة عام 2014 بدأت موجة هجرة سنية جديدة من كل منطقة تسيطر عليها داعش.
وعند كل مواجهة مع داعش تحدث هجرة للسنة عن مناطقهم، وبعد رحيل داعش أيضا يتعرض من تبقى من السنة للتهجير من قبل المليشيات الشيعية التي تتعمد التدمير والنهب والخطف والقتل، فبحسب دراسة المنظمة الدولية للهجرة تم تهجير 3,2 مليون سني من محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين بين 1/2014- 9/2015.
5- التغيير الديمغرافي: لم تكتف المليشيات الشيعية بتدمير البلدات السنية وتهجير أهلها بالقصف الأعمى، بل تمنعهم أيضا من العودة لمنازلهم بعد رحيل داعش عن مناطقهم بحجة أنهم مؤيدون لداعش، ووثقت تقارير المنظمات الدولية ذلك في ديالى وصلاح الدين وحزام بغداد.
6- اضطهاد سنة بغداد: حيث وثقت تقارير لهيومن رايتس ووتش ما يتعرض له السنة في بغداد من مداهمة واعتقال تعسفي وإهانات على الحواجز وخطف، مما اضطر بعض السنة لتغيير أسمائهم لأسماء مقبولة عند الشيعة وتغيير أماكن سكنهم.
وفي القسم الثاني تناولت الدراسة آراء بعض الساسة الأمريكيين حول سبب هذه المأساة وأنها نتيجة خطئهم بدعم الشيعة على السنة عموما، وتأييد المالكي خصوصا في سياساته الطائفية، بحجة محاربة الإرهاب، ورأوا أن المليشيات الشيعية أصبحت الخطر الأكبر في المنطقة، وأن الحل لهذه المعضلة هو بدعم المكون السني ضد التطرف الشيعي والتطرف الداعشي، ليكون مستقلا وقادرا على حماية نفسه مما يوقف الأطماع الإيرانية.
في النهاية؛ إن مأساة سنة العراق ممكن أن تتكرر في عدد من التجمعات السنية في دول أخرى طالما أنها تفتقد لقيادة واعية للأخطار الإيرانية والأخطار المتطرفة الداعشية، وواعية لخلل السياسات الغربية والأمريكية، إن أهل السنة مستهدفون في وجودهم وقوتهم ووحدتهم، وعليهم التعاون فيما بينهم ودفع الأخطار والأطماع عنهم بحكمة وقوة.
(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)