إعداد أحمد عبدالله نجم
“سلاطين الدولة العثمانية حملوا راية الدفاع عن القدس دون تفريط أو مهادنة”، هذا ما أكده أكاديمي مصري في بحثه الذي تناول جهود العثمانين (1299-1923) في مواجهة الاستيطان اليهودي على أرض فلسطين.
بحث الأكاديمي المصري أحمد عبد الله نجم، بعنوان “جهود الدولة العثمانية في مواجهة الاستيطان اليهودي في فلسطين حتى الحرب العالمية الأولى من خلال الوثائق العثمانية”، ألقاه لأول مرة في مؤتمر دولي بالأردن، صيف 2017.
وفي حديث للأناضول، أوضح “نجم”، وهو أستاذ للغة التركية بجامعة عين شمس بالقاهرة (حكومية)، أنه اعتمد في بحثه على وثائق من الأرشيف العثماني (تؤرخ لفترة الدولة العثمانية).
وقال نجم إن الدولة العثمانية اتخذت 3 طرق لمواجهة ذلك؛ تتمثل بإصدار قوانين لمنع الاستيطان، وجعل القدس تابعة مباشرة للسلطان العثماني، واستقدام بعض المسلمين للإقامة في فلسطين.
وأكد أن “فلسطين لم تسقط في أيدي اليهود إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية (عام 1924)”.
وفيما يتعلق بجهود العثمانيين في منع هجرة اليهود إلى فلسطين، أشار نجم إلى أن عدد اليهود في فلسطين عام 1919 بلغ نحو 10 آلاف، في حين وصل إلى 650 ألفًا في 1948.
ومنذ صدور “وعد بلفور” في 1917، وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني من 1918 حتى 1948، حيث تم تقديم التسهيلات اللازمة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبدأ تدفقهم بالآلاف.
وأوضح نجم، أن مجموع الأراضي الفلسطينية التي كان يملكها اليهود في 1918، بلغ 650 ألف دونم (919.3 متر مربع أيام الدولة العثمانية)، بنسبة 2 بالمائة من إجمالي المساحة البالغة 26 مليون دونم (الدونم= ألف متر مربع).
وأضاف أنها ارتفعت إلى 8 بالمائة، أي نحو 650 ألف دونم حتى 1948.
ولفت الباحث، إلى جهود السلطان العثماني عبد المجيد الأول (1839 – 1861)، ضد محاولات الاستيطان اليهودي بفلسطين.
وقال: “السلطان عبد المجيد الأول، أرسل لمتصرفية القدس (إدارة مستقلة تتبع السلطان مباشرة) يأمرها، بضرورة استعادة قطعة أرض بالقدس، اشتراها طبيب يهودي بريطاني، وبيعها لأي مواطن من الدولة العثمانية”.
لكن وعلى الرغم من ذلك، لفت الأكاديمي المصري، إلى أن فترة السلطان عبد المجيد الأول “شهدت تحايلا من اليهود للاستيطان”.
وتمثل ذلك التحايل في قيام عدد من رجال الأعمال الكبار من يهود أوروبا، ببناء عدد من المستشفيات ودور الأيتام، يتم لاحقا إسكان اليهود فيها، قبل أن تتحول إلى نواة لمستوطنة.
وبذلك ارتفع عدد سكان اليهود من 9 آلاف نسمة في 1840، إلى 24 ألفا في 1882، بحسب البحث.
وهذا الأمر دفع السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، بحسب “نجم”؛ إلى إصدار قانون في مارس/ آذار 1883، يحرم بيع الأشياء غير المنقولة في الدولة العثمانية لليهود الأجانب.
كما اقتصر حق شراء الأملاك على اليهود العثمانيين، واشترط أن يحصل الأجانب الذين غيروا جنسياتهم على إذن من الحكومة العثمانية قبل شراء الأراضي.
كما ذكر البحث أن السلطان عبد الحميد، أصدر قرارًا في 1884، بمنع الهجرة اليهودية مع السماح للأجانب منهم بزيارة فلسطين، على ألا تتجاوز إقامتهم فيها ثلاثة أشهر.
وتابع نجم: “ثم تلاه قرار يمنع بموجبه دخول اليهود الأجانب إلى فلسطين، بغض النظر عن الجنسية التي يحملونها، ما لم يقدموا ضمانًا بمغادرة فلسطين خلال شهر”.
وفي يوليو/ تموز 1891، أصدر السلطان أمرا برفض الرجاء المقدم من 440 من اليهود المهاجرين؛ للسماح لهم بالاستيطان في حيفا، وعدم قبول طلبهم بأن يكونوا من “رعايا الدولة العلية العثمانية”.
ومنع السلطان العثماني، طبقا للباحث، توطين اليهود وتجميعهم بجوار القدس، خوفًا من تشكيل حكومة يهودية بها، وللتأكيد على أن أراضي الدولة العثمانية لا يجوز أن تكون ملجأ لليهود المطرودين من أوروبا.
كما أن الدولة أصدرت أمرًا إلى متصرفية القدس، في يناير/ كانون الثاني 1892، أكدت فيه على عدم السماح لليهود القادمين للقدس بغرض الإقامة، وأنها لن تسمح بمدة تزيد عن الشهر لليهود القادمين بغرض الزيارة.
وأشار نجم، إلى أنه بالرغم من محاولات السلطان عبد الحميد الثاني، من صد الاستيطان الاسرائيلي، فإنها لم تتوقف، لاسيما أن الفلسطينيين اشتكوا عبر خطابات ورسائل، إلى الدولة العثمانية لوقف ذلك.
وعن كيفية شراء اليهود للأراضي الفلسطينية، أشار نجم، إلى تقرير تم إرساله إلى الدولة العثمانية في 1893، يكشف عن أن البيع كان يتم عن طريق وسطاء أجانب من غير اليهود.
ولفت التقرير، بحسب نجم، إلى أنهم استطاعوا من خلال ذلك الأسلوب تأسيس مستعمرة يهودية على سواحل حيفا، تتكون من 140 منزلًا.
وأوضح نجم، “أن هذه الشكاوى دفعت السلطان عبد الحميد، في أكتوبر/ تشرين الأول 1895، إلى إصدار أمر يتعلق بعدم السماح ببيع الأراضي والعقارات الموجودة ضمن ولايتي سوريا وبيروت (كانتا تابعتين للدولة العثمانية)، ومتصرفية القدس لليهود الأجانب”.
وتابع: “صدرت أيضا لائحة في عام 1900، لتشديد الرقابة على الهجرة؛ تضمن وضع حركة دخول اليهود والأجانب من وإلى فلسطين، تحت رقابة القصر السلطاني مباشرة”.
وتضمنت اللائحة أيضا، وفق الباحث، إبعاد كل من تجاوز إقامته المدة المقررة، إما عن طريق الشرطة أو عن طريق القنصل المختص.
نجم، أشار إلى أن “السلطان عبد الحميد، أصدر أيضا قرارًا بتوظيف جيش في فلسطين يرتبط به شخصيًا، كما أسس خطًا للسكك الحديدية، ونقل قسمًا من مسلمي القوقاز والبلقان ووطنهم في فلسطين”.
السلطان العثماني، أصدر كذلك فرمانًا (قرارا) يحظر بيع الأراضي والأملاك العثمانية كلها بما فيها فلسطين إلى اليهود، كما كلف “الخزانة الخاصة” بشراء أية أراض يضطر أصحابها لبيعها.
وفي يناير 1914، أصدرمجلس الوكلاء (أحد هيئات البرلمان العثماني)، قرارا يقضي بالحفاظ على الإجراءات المتبعة في الفترات السابقة، والخاصة بمنع اليهود من شراء أراض بفلسطين، ووضع الراغبين منهم تحت المراقبة.
وخلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، استشعرت الدولة العثمانية الخطر من وجود اليهود، فأصدرت قرارا بعدم قبول اليهود من رعايا الدول الأجنبية التي تحارب الدولة العثمانية والمقيمين في فلسطين.
ولفت البحث الأكاديمي، أن سياسة الخلافة العثمانية ظلت كذلك حتى بعد سقوط السلطان عبد الحميد الثاني.
وبعد نحو قرن من الجهود العثمانية، تصدرت تركيا كتيبة الرافضين للقرار الأمريكي الصادر نهاية 2017، بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وأجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومسؤولو الدولة التركية، تحركات على كافة الأصعدة، تنديدًا بالقرار الأمريكي غير المسبوق، في حشد الرافضين له.
ودعت تركيا قمة منظمة التعاون الإسلامي، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطينية.
ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية، عاصمة لدولتهم المأمولة، استناداً إلى قرارات المجتمع الدولي، التي لا تعترف بكل ما ترتب على احتلال إسرائيل للمدينة، في 1967، ثم ضمها إليها في 1980، وإعلانها القدس الشرقية والغربية “عاصمة موحدة وأبدية” لها.
(المصدر: وكالة الأناضول)