بقلم د. سلطان العميري.
هل يمكن أن يصاب الشباب العاملون للإسلام بالتعلق المذموم ؟
الجواب المباشر والصريح على هذا السؤال : نعم بكل تأكيد .
والمراد بالتعلق أن يكون الشاب مرتبطا بشخص ما , يقبل آراءه من غير تفكير , ويدافع عنه في كل محفل , ويرى مجرد الانتقاد له إعلانا للخصومة معه والعداء له , وتراه مرتبطا به في آرائه ومواقفه .
لكل صنف من الناس تعلق مخصوص يرتبط بهم , والتعلق الشائع بين الشباب العامل للإسلام هو التعلق بالشيوخ والقادة والمربين .
فترى بعض الشباب يرتبط بشيخ ما , فيقبل كل أفكاره , ويتبناها من غير تفكير ولا تأمل , ويرى أقواله دائما مقدمة على أقوال غيره من المشايخ وطلبة العلم , ويرى أي نقد يوجه لشيء من أقوال إعلانا للخصومة مع شيخه وإظهارا للعداء له .
فتراه ينفر من كل من نقد شيخه أو تعرض له بشيء من الاعتراض والمناقضة , ويتخذه خصما له , سواء أظهر ذلك أو لم يظهره , ويقبل على كل من يمدح شيخه أو يثني عليه ؛ لأجل ذلك المدح والثناء.
وهذه إشكالية عميقة أضرت بحال كثير من الشباب العامل للإسلام , فأحدثت بينهم خصومات ونزاعات لا حد لها .
وجعلت كثيرا منهم يرتمي في أحضان التقليد المذموم , الذي لا يزيد العقول إلا ترهلا ولا يزيد الفكر إلا ضعفا وتحجرا , ولا تزيد نفوس الشباب إلا تعنتا .
إن من أهم ما يحتاجه الشباب المسلم العامل للإسلام أن يربي نفسه على التأمل والتفكر فيما يختاره من أفكار ومواقفه , ويدرب نفسه على منهجية التعامل مع الشيوخ الذين يتربى على أيديهم ويستفيد منهم .
ومن أكثر الشباب الذين يحتاجون إلى هذا النوع من التربية الشباب الذين يعلمون في المجالات الميدانية الواقعية : كالعمل في ساحات الجهاد والعمل في ساحات الدعوة ومواجهة الناس والعمل في ساحات الفكر والجدل مع المخالفين .
لأن هذه الساحات تتطلب قدرا كبيرا من المرونة والفقه العملي , وتقدير المصالح والمفاسد الوقتية في كثير من الأحيان , ويكثر فيها الخلاف النزاع بين الباحثين والمنظرين , ويتعذر أن يكون رأي شخص واحد مقدما فيها في كل الأحوال والظروف .
فإذا عطل الشاب عقله وربط مواقفه بشيخ معين لا يخرج عنه سيحدث إشكالات كثيرة في عمله وتعاطيه مع الواقع .
إن المحزن حقا أن ترى كثيرا من الشباب العامل في تلك المجالات الحيوية الواقعية مجرد نسخة من شيخ له ربما يكون قاصرا في تصوراته وآرائه .
ولا يعني الكلام السابق أن ينعزل الشاب بنفسه انعزالا تاما ويستقل بذاته عن الشيوخ وطلبة العلم الذين هم أخبر منه في الحياة والعلم والمعرفة , وغاية ما يعني أن يضبط نفسه في التعامل مع أولئك بطريقة صحيحة نافعة .