الطيران والتلفاز والفضاء في رحلة الإسراء والمعراج
بقلم مسعود صبري
كان الطيران حلما يراود الإنسان منذ الأزل، فهو قديم قدم وجود الإنسان، وعبر الحقب التاريخية للإنسان، حاول الطيران أو اختراع شيء يطير في الهواء، سواء في ذلك المحاولات الصينية القديمة في نهايات القرن الخامس الميلادي وبدايات القرن السادس الميلادي، ثم محاولة عباس بن فرناس في القرن التاسع الميلاد، ثم المحاولات الأوربية منذ القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، وصولا إلى الأخوان رايت ( أورفيل، وويلبر) من أمريكا اللذان ينسب إليهما اختراع أول طائرة والقيام بأول تجربة طيران ناجحة، وذلك عن طريق آلة أثقل من الهواء، وكان ذلك في 17 ديسمبر 1903م، أي في بدايات القرن العشرين، ثم تنبه العالم بعدها إلى أهمية الطيران وتوسيع نطاقه واستعماله، وانتشاره إلى اليوم كأفضل وسيلة تنقل الناس بين المدن البعيدة، أو بين الدول، أو حتى بين القارات.
وإن كانت أول محاولة للطيران في تاريخ البشرية كان في أوائل القرن العشرين، إلا أن أحدا لم ينتبه إلى أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان أول إنسان يستطيع الانتقال عبر الهواء، فقد صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، مخترقا الغلاف الجوي.
فقد طار النبي صلى الله عليه وسلم أولا من مكة بالحجاز إلى المسجد الأقصى بفلسطين في مسافة تقدر بما يقارب 1500 كيلو متر، عبر دابة الأنبياء، التي هي البراق، وهو كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، دابة أبيض، طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فهو سريع جدا، له لجام، وسراج، كانت تركبه الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو يشير إلى تطوير وسائل النقل في الزمن الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فلم يستطع أحد قبل محمد صلى الله عليه وسلم أن يسير كل هذه المسافة في وقت قصير جدا.
بل جاء في وصفه – كما جاء بسند صحيح- ” وكان البراق كلما صعد عقبةً استوت رجلاه مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه”. يعني أنه كان عنده قدرة على الطيران وتخطي الهضاب والأماكن العالية، حتى أوصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، فربطه هناك.
والحكمة من ركوب البراق ما قاله الإمام بحرق الشافعي في كتابه: حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار (ص: 225):
” الحكمة في ركوب البراق مع قدرة الله تعالى على طيّ المسافة له إكرامه بما جرت به العادة مع خرقها، إذ الملوك يبعثون لمن استدعوه بمركوب”.
فإرسال البراق إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- كان تكريما له.
صعود الفضاء
ثم كان الصعود إلى السماء الدنيا، حيث أخذ جبريل – عليه السلام- بيدي النبي صلى الله عليه وسلم – حتى وصل به إلى السماء الدنيا، وبهذا، كان النبي صلى الله عليه وسلم أول من طار في الهواء، وصعد الفضاء، فلما وصل إلى السماء الدنيا، وقف جبريل عليه السلام، ومعه النبي صلى الله عليه وسلم عند بابها يستأذن خازن السماء الدنيا وحارسها، وهذا يدل على أن للسموات أبوابا، وعليها حراس من الملائكة، وهذا ما قد أثبته العلم الحديث، ولهذا كانت رحلة المعراج من بيت المقدس وليس من مكة المكرمة، كما هو الشأن الآن من أن المكوك الفضائي الروسي لا يصعد من روسيا، وإنما من كازاخستان رغم التكلفة المادية العالية جدا.
وكذلك الشأن في برنامج الفضاء الأوروبي، فهم إذا أرادوا الصعود للفضاء فإنهم يذهبون إلى الأرجنتين جويانا الفرنسية، وذلك لأن أوربا كلها ليس فيها باب إلى السماء.
وكذلك فإن أمريكا تذهب إلى جزيرة (مريت) بالمحيط الأطلسي حتى تصعد إلى الفضاء، رغم وجود صحراء ( نيفادا) وهي لا تهطل فيها الأمر، وليس فيها غيوم، لكنهم لا يستطيعون، فأمريكا أيضا ليس فيها باب إلى السماء.
وقد عبر القرآن الكريم عن تلك المعجزة العلمية في كثير من الآيات، كقوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14، 15]، وقوله سبحانه: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا } [النبأ: 19].
وظل النبي صلى الله عليه وسلم يصعد سماء سماء مع جبريل، حتى وصل إلى السماء السابعة، حتى بلغ سدرة المنتهى..
هوي النجوم
وهذا هو الصعود إلى الفضاء، فإذا كان الإنسان لم يصعد إلى الفضاء إلا في عام 1960م، وهو الروسي يوري جاجارين، فإن محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم- كان أول إنسان يصعد إلى الفضاء إلى حد لن يصل إليه كائن بشري على الإطلاق، وهو ما تشير إليه بعض آيات في سورة ( النجم)، وتسميتها بالنجم تحمل دلالات عظيمة للمسلمين وإشارة إلى علم الفلك والفضاء، وحملت الآيات في طياتها معان علمية عظيمة، لكن المسلمين لم ينتبهوا لها، حتى جاء العلم الحديث واكتشفها.
فأول حقيقية تحملها تلك السورة التي تتحدث عن رحلة المعراج، أن النجوم تهوى، وهي حقيقة أثبتها العلم الحديث بعدما كان شائعا أن النجوم لا تهوى، وكان البعض يرى أن هذا خطأ في القرآن، الذي قال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1]، ثم يكتشف العلم أن النجوم تهوى عند منطقة الثقب الأسود، فهي تدخل فيه ولا ترجع.
ثم تشير السورة إلى الأفق الأعلى الذي لم يصل إليه الإنسان بعد، وذلك في قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى . ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى . وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى } [النجم: 5 – 7]، فالعلم الحديث بكل ما أوتي لم يصل إلى السماء الثانية حتى السابعة.
الثقوب السوداء
ثم تقص السورة الحقيقة العلمية فيما يتعلق بنظرية الثقب الأسود، في قوله تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14]، وقد كان معروفا إلى عهد قريب نظرية اللامنتهى، يعني أن النجوم التي تدخل في منطقة الثقب الأسود لا ترجع وهذه المنطقة ليس لها منتهى، فأبان القرآن الكريم عن خطأ تلك النظرية، وأن هذه المنطقة لها منتهى، وأنها تدخلنا إلى عالم آخر، وهو ما أشار إليه بعض العلماء الغربيين.
وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى كما في صحيح مسلم: ” إليها ينتهي ما يعرج من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهى ما يهبط من فوقها فيقبض منها”.
وأبان القرآن أن هذه المنطقة هي البوابة إلى الجنة، كما قال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى . عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 14، 15].
والثقوب السوداء تخلق قوة جاذبية هائلة تعمل مثل مكنسة كونية لا ترى، عندما تتحرك تبتلع كل ما تصادفه في طريقها، حتى الضوء لا يستطيع الهروب منها.
وهذه الثقوب وصفت بثلاثة أمور: أنها لا ترى، وأن جاذبيتها فائقة تعمل مثل المكنسة، وأنها تسير وتتحرك باستمرار.
وهذا الوصف للثقوب السوداء، هو ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ . الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 15، 16].
لقد حمل القرآن الكريم في طياته عديدا من الحقائق العلمية الفائقة، إلا أن المسلمين لم ينتبهوا لها بالقدر الكافي، رغم دعوة القرآن للمسلمين بالتفكر في هذا الكون، كما قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 20]..
لقد حوت رحلة الإسراء والمعراج على عديد من المعجزات التي وافقت كثيرا من المخترعات الحديثة، كاختراع الطائرة، والصعود إلى الفضاء.
البث التلفزيوني
وإذا كانت بريطانيا هي أول من استعملت خدمة البث التلفزيوني عام 1936م من خلال إذاعة ” بي بي سي” ، فإن أول بث تلفزيوني في التاريخ كان أيضا من نصيب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج، وأخبر بها قريشا، استهزأت به، وطلبت منه دليلا على ذلك، فهي تسافر إلى بيت المقدس في شهر وترجع في شهر، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي جمع الله له الأنبياء ليصلي بهم إماما لينشغل بتفاصيل بيت المقدس، فلما طلب من الكفار الدليل على أن يصف بيت المقدس، أصابه هم وحزن كبيران، لكن كانت المعجزة، فيما يشبه البث التلفزيوني، فجاءه جبريل عليه السلام، ورفع له المسجد الأقصى يصفه ويجيبهم عن كل ما يجيبون، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:” فلقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به”.
لقد كان هذا المشهد إشارة إلى اختراع عظيم وهو البث التلفزيوني، فكان أول من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، فهو في مكة، لكنه يرى بيت المقدس ويصفه كما هو…
لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج مليئة بالمعجزات، والتي أشبهت اليوم كثيرا من الاختراعات المعاصرة، بل تعدتها بما لا يقدر عليه بشر..
ولعل التفتيش في ثنايا القرآن والأحاديث النبوية ربما يكشف لنا اكتشافات واختراعات أخرى، لو نظر إليها علماء المسلمين بعين النظر والاعتبار، وأن يساهموا- كما كانوا- في تقدم البشرية نحو مزيد من التقدم والحضارة.
(المصدر: إسلام أونلاين)