الطريق الطّــويل إلى النَّهضة الإسلامية نِــداءُ (بيغوفيتش) وآماله
بقلم عدنان بن صالح
توطئة.. نصوصٌ صامِدة لأزمنة متجدِّدة:
ينطبِق على بعض النَّصوص الثَّرة ما يمكن نَعْتُه بــ”النُّصوص الصامِدة”، تلك النصوص التي تُقرَأ كلَّ مرَّة فتتجدَّدُ وتتمدّد وتصمُد، وتَصْلُح جُملةُ الرؤى المبثوثة فيها نماذِجَ تفسيرية لثوابِت ومتغيِّرات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري للأمة العربية الإسلامية.
وكُــتُب المفكُّر البوسني المتميّز (علي عِزَّت بيغوفيتش) تندرِج ضمن هذا الصِّنف، لما تُقدِّمه من قراءات جادَّة لوقائع التاريخ ولـمُتون الفِكر الإنساني، ولما تَـبْذُله من جُهْدٍ للتأسيس لنسَقٍ من الأفكار والمفاهيم والتصوّرات إزاء الدين والحياة والناس والأفراد، ومِن محاوَلاتها القيِّمة إعطاءَ مضمون ثالث للرؤية الحضارية للإسلام، مضمون يتجاوَزُ الرؤية التي تنظر إلى الإسلام باعتباره ديناً فحسب، دين خمول وكَسَلٍ وانتهاء صلاحية، والرؤية التي تنظر إليه إسلاماً مُسالِماً وديعاً زاهِداً.
ففي “الإسلام بين الشرق والغرب” و”هروبي إلى الحرية” و”عوائق النهضة الإسلامية”؛ رؤى وتصورات ومُقاربات ولَفيفُ نَظَرٍ وفِكْر تجِد امتِدادها في المرحلة الشبابية للكاتب، وأفكارٌ أوْدَت به في السّجون غَداة قيام الحكم الشيوعي في يوغوسلافيا، وهي أفكاره التي ظَلَّ يحيا من أجْلِها، وبقِيَ حريصاً على تبليغها، وإعادة النَّظر فيها، وتوسيع مجالِ أفكاره لتصِل إلى دُول وشعوب العالم الإسلامي، والعالم الغربي أيضاً.
وفي “البيان الإسلامي” -الذي أثاَر زوبعة في الإعلام الغربي بسببٍ من تحْرِيضٍ غير أخلاقِي ولا مُبَرَّر قام به المتطرِّفون الشيوعيون، فاتَّهموا صاحِبه بالتأسيس للأصولية في قَلب أوربا، وتأليب المسلمين ضدّ المعسكر الاشتراكي- تتجلّى مهاراتُ ومَقْدُرات مُفكِّرٍ لا يشكّ اثنان في تميُّزهِ وموهبته وبراعته. إنه صَرخته/ندائه ودعوته التي صدَحَ بِها مِن قَلْبِ منطَقة أُحْصِرَ فيها الإسلام وحوصِرَ المسلمون للاقتناع بأحكام وتعاليم الدين، والإيمان بالإسلام دينَ قوّةٍ وثقافةٍ وحضارةٍ وسياسةٍ وعَطاءٍ وبناءٍ، دعوة للمجتمع والقادة والأفْراد لأداء رسالَتِهم المنوطَة بهم، لاستِئناف الدَّور والمهمّة الحضارية، للنزول إلى ساحة الأداءً معاً على طريق النهضة الإسلامية الطويل والشاق.
و”البيان” على صِغَر حجْمِه، عريقٌ في أصْلِ مَبناه وقاصِدٌ في معناه، مُتراصَّةٌ قضاياه، ومتماسِكَةٌ مضامينه. والعودةُ إلى ما كَتَب (ع.ع.بيغوفيتش) وهذا النصّ بالخصوص؛ هي عَودة وجودية، بمعنى انطلاقها مِن الواقع العَيْني للأمّة والعالم العربي الذي يصيرُ اليوم إلى مزيدٍ مِن التفكك والتجزئة وتسلُّطِ الغرب والشرق وأوربا علينا، نَهْشاً للخيرات والثروات الوطنية وتدخُّلًا في القضايا الداخلية وسَلْباً لقوامة السُّلطة العربية. وتشهد مناطِق أخرى ما عاشَته البوسنة سابِقًا، مِن تشريدٍ وظُلمٍ وانتهاكٍ للسيادةِ وحَرْبٍ طائفية ممقوتة وتحايُلٍ دولي.
(المصدر: مركز نماء للبحوث والدراسات)