بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد
القرآن الكريم كلام الله تعالى، ولن يتأتى لنا فهم كلام الله أو تتشرب نفوسنا بركاته وخيراته وفتوحاته إلا إذا اقتربنا من قائله سبحانه وتعالى؛ فننظر إلى كلام الله عز وجل من الملكوت الأعلى، عندئذ نستطيع أن نفهم مرادات الله من كلامه، ومقاصده من تشريعه، وغايته مما يحلل أو يحرم.
والطريق الموصلة إلى معرفة الله تعالى كثيرة ومتعددة، وليست محصورة في عدد معين، ويمكنني أن أقسم هذه الطرق إلى طريقين:
الأول: طريق الكتاب المنظور؛ ذلك لأننا إذا أمعنا النظر في هذا الكون الواسع الفسيح، لوجدنا أن كل شيء فيه دليلٌ واضح على وجود الله، وطريق إلى معرفته سبحانه، وإذا تجاوزت نظرتنا النظرة المادية الظاهرية للأشياء، تلتها نظرة ثاقبة وفاحصة تصل إلى بواطن الأشياء؛ إذ إن هناك فرقًا بين النظرة المادية التي تنظر إلى الطبيعة بما هي عليه ولا تتخذها وسيلة إلى معرفة الله تعالى، وبين النظرة الإلهية الثاقبة التي تتجاوز المعرفة الظاهرية للطبيعة، وتصل إلى المعرفة الباطنية؛ أي معرفة المبدأ والخالق، وذلك عن طريق الإمعان في النُّظم والسُّنن الموجودة في هذا الكون، والدالة على وجود خالق لها.
إذًا فطرق معرفة الله تكون بعدد الظواهر الطبيعية، ابتداءً من الذرة، وانتهاءً بالمجرة؛ لذا فإننا نجد رجالًا لدعوة ودعاة التوحيد يركزون في معرفته سبحانه على دعوة الناس إلى النظر في الكون، والإمعان في النُّظم والسُّنن الموجودة فيه.
والجدير بالذكر أن طريقة القرآن الكريم في الدعوة إلى معرفة الله تعالى هي هكذا، وفيما يلي نذكر بعض النماذج على حسب المثال:
1- ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101].
2- ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].
3- ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾ [العنكبوت: 20].
4- ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].
5- ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾ [الطارق: 5].
6- ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 – 20].
7- ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].
إلى غيرها من الآيات الكثيرة التي تدعو إلى التفكر والتدبر في الأشياء؛ بُغْية الوصول إلى معرفة الله تعالى.
الطريق الثاني: كتاب الله المسطور: وهو القرآن الكريم؛ فهو دليل التعامل مع كتاب الله المنظور “الكون”، وكتاب الله المنظور هو برهان الإيمان بكتاب الله المسطور؛ فكِلا الكتابينِ لا غِنى عنهما في الوصول إلى ربِّ العالَمين، وبلوغ سعادة الدارَين.
في القرآن الكريم يتعرف المؤمن على أسماء الله وصفاته، وهي مدخل كبير إلى معرفة الله، لا يسُدُّه غيره؛ فيرى العزة والحكمة، ويرى القوة والقهر والكبرياء، ويرى الهيمنة والعلم والإحاطة، ويرى الرحمة واللُّطف والخبرة، كل هذا يراه المؤمن، فيزداد إيمانه بالله، وقربه منه تعالى.
هذه المعرفة وذلك القرب من الله تعالى يؤهل المؤمن لفهم كتاب الله، وقراءته قراءة مبنيَّة على الدليل والبرهان، ومؤسَّسة على الفَهم والبصيرة.
وفي القرآن الكريم يطالع المؤمن صفات الله تعالى؛ صفات الجلال، وصفات الكمال، ويلمس نِعَمَ الله وآياتِه في الأنفس والآفاق.
وفي القرآن الكريم يرى المؤمن يدَ الله ـ تعالى ـ تتحرك هنا وهناك، تعمل بالقدَر والتصريف والتداول والتغيير هنا وهناك.
وفي القرآن الكريم يرى قصص السابقين، ومصارع الغابرين، وكيف أجرى الله فيهم سُننَه؛ الإهلاك لمن كفر، والنجاة لمن آمَن وصدَّق.
وفي القرآن الكريم يرى مشاهد يوم القيامة؛ مشاهد الجنة، ومشاهد النار، مشاهد الحساب والجزاء، ومشاهد البعث والنشور.
إلى غير ذلك من صور قرآنية تؤدي إلى معرفة الله تعالى، وتُثمِر في النفس خشيةَ الحق جل جلاله، والقربَ منه.
هذان طريقان أساسيان في التعرف على الله تعالى، وسببان رئيسان مؤديان إلى القرب منه، وبغيرهما لن يستطيع المؤمن التعرف على الله، فضلًا عن القرب منه.
المصدر: شبكة الألوكة.