الطاغوت الناعم
بقلم أ. د. ليلى محمد بلخير
تتوجه استراتيجيات الخطاب العالمي الجديد، نحو تعزيز ما يسمى الرأسمالية الناعمة، أي تمكين المرأة وجعلها مهيمنة على مراكز القوة والسيطرة وصنع القرار في الإدارة والسياسة والأدب والفكر والاقتصاد، طبعا تتمركز حول نفسها ، عاملة مستنفرة ، تهدر أنوثتها في الانتاج ، وفي الاعلانات و الترويج للسلع ،ثم تصرف ما جنته في التسوق . إنه منطق الاستهلاك بلا معنى أو هدف سوى اشباع نهم وهمي في الاستقلال والحرية والاستمتاع باللحظة ، و من أجل التفاخر بالإنجاز الفردي ،و ترميم الأنوثة المهدرة .
وأصبح طابع النعومة مثل السيل الكاسر يأخذ كل شئ ، ولا يترك شيئا ، الادارة الناعمة ، والجامعة الناعمة ، والاقتصاد الناعم والكتابة الناعمة ،والزمن الناعم والمكان الناعم ،والعالم كله عائم في حالة من السيولة والتشظي والشتات والتبعثر ، تحضر أحاديث شفط الدهون واللياقة وبهارج الأزياء ومواد الزينة جنبا إلى جنب مع قضايا الفكر والثقافة والسياسة وفي صلب البرامج الدينية .
ويفضح كتاب نقض مركزية المركز من تأليف مجموعة من الباحثات ، أهداف السياسة النسوية في إطار كوني شامل ،حوار عابر للقارات وهادم للخصوصيات الأخلاقية والقيم والدين ، وكل أشكال النظم والمؤسسات كأنها أوعية اضطهاد وانتقاص من المرأة ،ويجعل من الأطروحات الأكاديمية في مجالات المعرفة والفكر ، تصنع الفارق في قيادة وتشكيل الرأي العام وتسطير القوانين والمنظومات والاتفاقيات والمؤتمرات الدولية ،وسائل الإعلام ،بمساعدة أذرع كثيرة ممتدة في جسم المجتمع ، كالجمعيات المهتمة بالشأن النسوي ، والناشطات في مجال حقوق الانسان وأهم مدخل للتأثير هو شعار( التنمية والنساء من أجل حقبة جديدة ) ، وبطبيعة الحال هناك أجندات مضمرة من وراء هذه الجملة ( عالم نسوي خالص ) وبذلك شكلت بطانة الطاغوت الناعم ،وجعلـته مركزا للكون وجعلت التنمية مطية لتمكين المرأة من مراكز صنع القرار ، ليكون الصدام بينها وبين طبيعتها الأنثوية في ظل عولمة المعايير الأخلاقية ،وهكذا انقلبت الموازين والقيم ، وتعامل الرجل مع المرأة معاملة مخلخلة وهشة تحكمها ازدواجية سافرة ومفارقات عجيبة ، من جهة يدفعها دفعا لخوض غمار أصعب المهام وأجلها رتبة ، ومن جهة أخرى يحاسبها حسابا عسيرا على التقصير في مهام المنزل وتربية الأطفال ، ويجعلها تدور مثل الثور في الساقية لتحقيق الانجاز الفردي والتفوق والعبقرية الأنثوية ،يمجدها ويطحنها في مهام متعددة تفوق قدرتها وطبيعتها ، وتصاب بالإحباط والدمار وينتفض الطاغوت الناعم ويحطم البيت على من فيه في لحظة طيش ومكاشفة .
وفي الحقيقة بطانة الطاغوت الناعم متعددة المشارب والأبعاد ، وليس من السهولة ضبطها وتوصيفها، يتجاذبها مساران اثنان، ماله علاقة بثقافتنا وهويتنا ، وما فيه من انتقاص وتحقير للمرأة ، بنشر فهوم مغلوطة لنصوص قرآنية على أنها الدين ولا شئ بعدها ، وماله علاقة بالثقافة الوافدة من سجالات واستراتيجيات ظاهرها تمجيد للأنثى ،وباطنها تدمير لطبيعتها وهدر للبذور النفيسة ، والمطلوب منا أن نفكك البنيات المعقدة في الخطابين ، ونواجه التضليل والخداع بالوعي الحقيقي ، ونتحرر من أشكال الهيمنة والاستبداد في الداخل والخارج ، و نتعلم الحكمة وسبل الرشاد ، ولا ننقاد إلا لرب العباد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذا المقال ضمن سلسلة مقالات حول: ” القرآن والحياة”.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)