مقالاتمقالات مختارة

الطاغوت الجديد – أ. د. ليلى محمد بلخير

الطاغوت الجديد – أ. د. ليلى محمد بلخير

إن الحديث عن الطاغوت في القرآن يأخذ منعرجا حاسما، في قدرته على ملامسة الراهن الاجتماعي، في أبعاد وتجليات مؤثرة، تحمل من الماضي البائد لتعود إلى الحاضر القريب.

ولو عدنا إلى حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لوجدناها حافلة بالمشاهد والألوان من المحن والابتلاءات والتي استمدت أطرها وفعالياتها المرجعية من قصص الأولين، وخاصة أولي العزم من الرسل عليهم السلام والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا يظهر الأنبياء الأصفياء، وهم رجال الله في موقع يتكرر فيه استقبال الأذى وتحمل الأوجاع المادية والمعنوية؟ لماذا يتم عرضهم في المركز الأضعف ماديا، والطواغيت تزداد قوة وبطشا كلما تقدم بنا الزمن؟ قال الله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الأحقاف ﴿٣٥﴾ في الآية دلالة الصبر في قصص أولي العزم، ليس ركون المستضعفين للفساد، ورضاهم بالانحراف، الطاغوت صورة مجازية وليس اسما واضح المعالم والصفات، له علاقة بالإكراهات والعراقيل، المادية والمعنوية، لا يلزم قالبا واحدا، ولا حدود له واضحة، قد يكون في البيت، كما يكون في المسجد، أو داخل كتاب، ليس بالسهولة ضبطه وفهم حركاته والخروج على سيطرته، أو بناء حدود جديدة بعيدة عن بطشه وطغيانه، موجود في كل مكان، في وسائل الإعلام وهي تمجد الأصنام والرموز الكاذبة المخادعة وتختل المشاهد بالتستر على الخونة و المرتزقة والتفنن في التضليل والتعتيم وقلب المفاهيم وزعزعة الثقة في القيم والمبادئ الأصيلة، كلما خفنا منه كلما ازداد عتوا  وبطشا، وكلما ملكنا أنفسنا من سطوته. انكمش وزال خطره.

 حتى داخل البيت وبين عناصر الأسرة، كثرت المظالم والشرور. وانكمش دور الأب وحضوره الروحي   والتربوي، وانشغل بأدوار أخرى تافهة ومضيعة، وأضحى الأمن والآمان غائبا، والعنف والقهر (البعبع) الذي يقض مهجع الصغار. الأمر الذي سمح بظهور طاغوت جديد مؤنث، وفق مواصفات عالمية. يتم الترويج فيها لمركزية الأنثى في كل مراحل حياتها، ونقض كل شكل من أشكال الأبوية، تتزوج بحثالة وبقرار المحكمة، وتخلع زوجها بقرار المحكمة، وبمباركة المجتمع أو سكوته، الأنثى في واقعنا الجديد، صنم جديد والكل يمجد هذا الصنم ويهرع لمرضاته، أنها منظومة الأنثى الجديدة، تصور البيت سجنا والأطفال قيدا والرجل ظلا باهتا يجدر دحره وكسره. حتى تعيش وتنتعش وتتربع على مركز الحياة، إنها الطاغوت الممجد الذي يمارس القهر على من حوليه ولا يهم الخسائر والضحايا من الأكباد الطرية البريئة، بل هي ظاهرة فساد، وكل يوم في تفاقم وازدياد ليس في الجزائر فقط بل في كل الديار العربية والعالم الإسلامي، أصبح الطلاق مزية والخلع موضة وأحدث صيحة، كالأزياء ومواد التجميل، تعصفها رياح التغيير والتبديل، يجب أن نعرف جيدا ما هو دورنا؟ حتى لا نشارك في تفخيم الطواغيت بخنوعنا، لا في السياسة و لا في الحياة الأسرية والاجتماعية، ولا نسكت ونحابي أي صنم أو طاغوت، لأننا في الحقيقة من صنعناه و أكسبنا فساده، الشرعية والواقعية. يجب أن نتوقف لحظة لنفهم ما يدور حولنا. و حتى لا نغبن بجيل منقطع لا يعرف أباه، جيل ممزق ضائع منبت ، لا يعرف حاضرا و لا مستقبلا لا سمح الله . ولكن من وراء هذا الطاغوت الجديد؟ ومن هم بطانته القائمين على فخامته وتفخيمه؟ سيكون شأن حديثنا القادم بحول الله.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى