بقلم مخلص برزق
كانوا من القوة بمكان أن يظنوا أن حصونهم مانعتهم من المسلمين، وفي الجانب المقابل لم يخطر ببال المسلمين المحاصرين لهم أن أولئك يمكن أن يخرجوا من ديارهم وأرضهم وجناتهم وبساتينهم أبداً..
توصيف دقيق جداً أتت به آية الحشر (ماظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله). لكن الله أصابهم في مقتل عندما نفذ سهم الرعب إلى قلوبهم فانهارت معه كل حصونهم الداخلية والخارجية، وتداعت كل مقاومتهم فاستسلموا صاغرين.
كان من أهم العوامل التي أسهمت بشكل مباشر في زعزعة يهود بني النضير المتحصنين بجدرانهم تلك الحرائق التي أشعلها المسلمين في نخيلهم فاحترقت قلوبهم والتهبت جوانحهم ألماً وأسفا عليها، فهم الأشد عبادة للمال والأكثر كنزاً للذهب والفضة، الأحرص على حياة والأكثر جزعاً على فوات شيء منها..
كان من شأنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أحكم حصاره عليهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا: زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح، أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر وقطع النخيل؟ وهل وجدت فيما زعمت أنه أنـزل عليك الفساد في الأرض؟ فشقّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادًا، واختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم: بل اقطعوا، فأنـزل الله تبارك وتعالى: “مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ” الآية. تصديقًا لمن نهى عن قطعه وتحليلا لمن قطعه، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى، فالجميع بإذنه ومشيئته وقدره ورضاه، وفيه نكاية بالعدو وخزي لهم.
وأحفاد يهود خيبر وبني النضير اليوم يظنون أنهم قد استحوذوا على أرض فلسطين، وأن جدارهم العنصري الفاصل وجدرانهم من الدول الحامية لهم، مع وعد ترامب وتنسيق عباس الأمني، كل ذلك سوف يمنعهم من الانهيار المدوي لكيانهم الزائل، ومواجهة مصيرهم المحتوم، وفي المقابل فإن الكثير من الدول العربية والإسلامية باتت تتعامل مع وجود كيانهم الباطل على أنه أمر واقع قائم لا مفر من التعامل معه والإقرار بوجوده، والتكيف مع بقائه!!
وهنا انبرى أبطال غزة الذين أبدعوا في مسيرات عودتهم لتلقين أحفاد بني النضير ومن والاهم من الأعراب المتصهينين دروساً عظيمة كان من أجملها محاكاتها لغزوة بني النضير واستلهام ذلك السلاح النبوي الفتاك ليخزوا به الفاسقين، ويحرقوا به قلوب اليهود المغتصبين لأرضنا، المدنسين لمقدساتنا، القتلة المجرمين الذين لم تهتز لهم شعرة وهم يمارسون ملهاتهم الإجرامية باقتناص الأبرياء على تخوم غزة الجريحة المحاصرة.
بدا ذلك السلاح لأول وهلة مزيجاً من مشهد سيريالي يقاوم فيه الكف المخرز، وحقيقة تجسد مقلاع داود يصرع جالوت، وجذوة من نار محمد صلى الله عليه وسلم التي أحرقت نخيل بني النضير بإذن من رب السماوات والأرض.. ترتفع فيها الطائرات الورقية الحارقة في سماء الوطن المدنس بالغرباء لتنقض على أحراشهم وحقولهم التي سلبوها في لحظة سبات للأمة، تهوي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة لتهوي معها قلوب المحتلين، فتراهم يقلبون أكفهم على ما أنفقوا فيها وهي خاوية على عروشها وقد أصبحت كالصريم..
وهناك على حدود غزة وخلف دخان الإطارات المشتعلة يكبر الأطفال ابتهاجاً بمنظر اللهب المتصاعد في الآفاق، فقائل: “ارم سعد”، وقائل:”ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى”. وصوت قراءة ندي ينبعث من خيمة من خيام العودة يتلو آية “ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين”.
(المصدر: هيئة علماء فلسطين في الخارج)