مقالاتمقالات مختارة

الصيام موجبات وبراهين

الصيام موجبات وبراهين

بقلم الشيخ قاسم بن علي قعبان العصيمي

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183، 184]

معنى الصيام:

–      الصيام لغة: الإمساك والكف عن الشيء.

 والصيام شرعا: الإمساك عن المباح من شهوتَي البطن والفرج وما يقوم مقامهما، بنية العبادة لله تعالى، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

 والصيام المشروع له مراتب: فمنه الفرض والواجب كصيام شهر رمضان وقضائه، وصيام الكفارات، وصيام النذر، ومنه صيام مؤكد الاستحباب كصيام عاشوراء مع تاسوعاء، وصوم يوم عرفة لغير الحاج، ومنه صيام مستحب كصيام ست من شوال وأيام عشر ذي الحجة إلا العاشر، ثم صوم النافلة كثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم الإثنين.  

أهمية الصيام:

–      مما يبين أهمية الصيام في الدين أن الله جعله فرضا على الأمم السابقة كما فرضه على هذه الأمة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] 

–      ولأهمية الصيام في الإسلام جعل الله صوم نهار شهر رمضان من أركان الإسلام الذي تجتمع الأمة على صومه في وقت واحد. كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) ( 1 ) 

–      ومما يبين أهمية الصيام أن الله فرض علينا الصوم ليوم عاشوراء أولا، قبل أن يُنسخ بصوم شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، ثم ليس صوم رمضان مرة واحدة في العمر بل كل عام، فقد علق الله تعالى الصيام بشهود شهر رمضان والشهر يعود ونشهده كل عام، فقال تبارك وتعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]

–      أن الشريعة جعلت الصيام كفارة في أحوال متعددة مثل حنث اليمين، وكفارة قتل الخطأ وكفارة الظهار، وفدية إزالة الأذى بحلق الشعر للمحرم، وجعلت الصيام بدلا عن ذبح الهدي لمن لم يجد، ورغبت الشريعة في صيام النوافل للقادر في سائر العام إلا أيام العيد.

–      وما يبين أهمية الصيام أنه خُصص له باب في الجنة يُسمى باب الريان، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة )  فقال أبو بكر رضي الله عنه بأبي وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ . قال ( نعم وأرجو أن تكون منهم ) ( 2 )     

مقارنات:

–      هل يستويان: صائم بالنهار يؤدي الواجبات ويترك المنهيات ويكثر من الصالحات، وينفع الناس، وهو في الليل يصلى التراويح ويتلو القرآن ويدعو ويستغفر.

هل يستوي هذا مع صائم بالنهار أغلب وقته في النوم، وإن قام لا يمسك عن الحرام في معاملاته، وهو في الليل عاكف على مشاهدة ما لا يحل في التلفاز أو الهاتف الجوال، فلا يتزود بصلاة نافلة ولا يتلو القرآن ولا يستغفر بالأسحار، ولا ينفع الناس؟!!  

موجبات الصيام (لماذا الصيام؟):

–      نصوم لأن الذي فرض علينا صيام شهر رمضان هو الله، فنحن نصومه عبودية لله تعالى، ونعلم مع ذلك أن الله تعالى بفرضه للصيام لم يرد منا إلا اليسر والرشد، فرخص للمريض والمسافر والكبير في الفطر، وجعل الصوم شهرا في السنة، وجعله في النهار فقط وكل هذا من اليسر، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة: 185] وأخبر سبحانه أن الاستجابة له بالإيمان والعمل الصالح سبيل إلى الرشد فقال تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186].

–      نصوم للحصول على التقوى التي فيها النجاة من نار جهنم، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71، 72] وقد جعل الله الصيام سبيلا إلى التقوى، فالصيام يردع عن الشهوات، ويقيد العبد عن فعل المنكرات، قال الله تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

–      نصوم لأن الصوم سبيل إلى تعظيم الله تعالى وشكره، فهو الذي رضيه وشرعه وهدانا إليه، فيجب شكره بالقلب واللسان والجوارح على هدايته ونعمته، قال الله تبارك وتعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]، ومن تعظيم الله تعظيم شعائره كتعظيم الصوم ومراقبة الله فيه، وتعظيم شهر رمضان، وتعظيم الاعتكاف، ولذا ختم الله تعالى آيات الصوم بقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [البقرة: 187]

–      نصوم لأن جزاء الصوم عظيم عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد روى النسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن أبي أُمامة قال : أنشأ رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا فأتيته فقلت : يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة قال : ( اللهم سلمهم وغنمهم ) فغزونا فسلمنا وغنمنا حتى ذكر ذلك ثلاث مرات قال : ثم أتيته فقلت : يا رسول الله إني أتيتك تترى ثلاث مرات أسألك أن تدعو لي بالشهادة فقلت : ( اللهم سلمهم وغنمهم ) فسلمنا وغنمنا يا رسول الله فمرني بعمل أدخل به الجنة فقال : (عليك بالصوم فإنه لا مثل له ) قال : فكان أبو أُمامة لا يُرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف، فإذا رأوا الدخان نهارا عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف. ( 3 ) 

الصيام لوازم وبراهين (العمل):

–      أن نصوم إيمانا (اعتقادا وقولا وعملا) إقرارا: بقلوبنا بفرض الصوم من الله، وقولا: بترك قول الزور وهو كل باطل، وعملا: بترك المفطرات وما يقدح في الصوم. قال تعالى بعد أمره لنا بالصوم: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] فجعل الله الصوم إيمانا، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). ( 4 )  

–      أن نصوم لله تعالى مخلصين محتسبين الأجر على الله، ومبيتين النية من الليل في الفرض، قال الله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة: 186] أي وحدي لا شريك لي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جُنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولَخلوف فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك). ( 5 ) وفي الحديث السابق في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).  

–      أن نصوم راغبين محبين فرحين، لأن الله هدانا لطاعته وهو الذي يعيننا على أدائها، وهو الذي يتقبلها، ولأن الصوم يُقرب من الله والمحب يفرح بالقرب، وقد قال الله تعالى في وسط آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أَجزي به … وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه). ( 6 )

–      أن نصوم متقين لله تعالى، وذلك بأن نفعل الواجبات طاعة الله وأن نترك الحرام خوفا من الله، ولا نترخص إلا بعذر شرعي، وأن يؤثّر فينا الصوم فيجعلنا نستصحب التقوى سائر العام، فنراقب الله تعالى في حياتنا كلها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وقال الله تعالى مبينا حقيقة التقوى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [آل عمران: 133 – 136]

–      أن نتحرى دخول أول الشهر ونهاية آخره بالنسبة لصوم رمضان، وأن نتحرى بداية اليوم للإمساك وآخره للفطر، ونستشعر من خلال ذلك أن الإسلام قد قصد إلى الاجتماع والوحدة بين الأمة في صوم رمضان، كما قصد إلى تربية الأمة على الانضباط والالتزام. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]

–      أن يصبر الصائم على الامتناع عن الشهوة المباحة من الأكل والشرب والجماع، ويصبر عن الحرام كالخيانة، وأن يصبر على الأذى إن ابتلي به، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) ( 7 )

فالصوم صبر مع يسر صبر على الطاعة وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله، فيحتمل الصائم أقدار الله المؤلمة بلا تسخط، فجمع الصوم مقامات الصبر، والصبر يُحسس الصائم بحرمان الفقير فيُشفق عليه ويعينه ويدخل عليه السرور، وقد قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] فالصوم يعين على عزائم الأمور، ويكون سببا في الأجر الوفير كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]

–      أن يكثر الصائم من تلاوة القرآن وتدبره، والانتفاع بهديه، فالصيام والقرآن قرينان؛ فإن كان صيام المسلم في شهر رمضان فيتأكد في حقه الإكثار من تلاوة القرآن، لأن هذا شهر القرآن فقد ابتدئ نزوله فيه، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، وكان جبريل عليه السلام يدارس الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ولذا كان بعض السلف يتفرغون في هذا الشهر للقرآن.

–      أن يكثر الصائم من الطاعات ويكون في رمضان ولا سيما في العشر الأواخر أشد إكثارا، فيستحب الإكثار من الصدقة في رمضان، كما يتأكد قيام الليل، وذكر الله تعالى، ولا يُفوّت الصائمُ صلاةَ الضحى لما لها من فضل، ويستحب أن يعجل الفطر ويؤخر السحور ويعتكف إن استطاع، قال الله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المزمل: 20]

–      أن يكثر الصائم من الدعاء، لإن الله تعالى قد رغبنا في الدعاء وسط آيات الصوم في سورة البقرة فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]

–      أن نتحرى ليلة القدر في شهر رمضان ونخصها بمزيد من العبادات والدعاء، لأنها ليلة سلام وبركة، وليلة ذات قدر عظيم عند الله، وفيها تُكتب أقدار كل عام جديد، والعبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، قال الله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [الدخان: 1 – 6]. وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) ( 8 )  

وفي صحيح مسلم كان ابن عمر رضي الله عنها يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التمسوها في العشر الأواخر (يعني ليلة القدر) فإن ضَعُفَ أحدُكم أو عجَز فلا يُغلبنّ على السبع البواقي. ( 9 )

الخلاصة:

–      أن الصيام شرعا: هو الإمساك عن المباح من شهوتَي البطن والفرج وما يقوم مقامهما، بنية العبادة لله تعالى، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وله مراتب منه الواجب ومنه المستحب.

–      أننا نصوم عبودية لله تعالى راجين من الله دخول الجنة من باب الريان.

–      أن نصوم إيمانا واحتسابا، (اعتقادا وقولا وعملا) إقرارا: بقلوبنا بفرض الصوم من الله، وقولا: بترك قول الزور وهو كل باطل، وعملا: بترك المفطرات وما يقدح في الصوم. محتسبين الثواب من الله وحده، لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)

–      أن نتحرى الإكثار من الأعمال الصالحة كالصدقة وتلاوة القرآن والدعاء وقيام الليل لا سيما في ليالي العشر الأخيرة لعلنا نوفق في ليلة هي خير من ألف شهر، كما قال تعالى: وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: 1 – 5]

–      اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

كتبه/ د. قاسم بن علي قعبان العصيمي  

————————————————

(1 ) صحيح البخاري (1/ 12) برقم: (8) واللفظ له، صحيح مسلم (1/ 45) برقم: (16).

( 2 ) صحيح البخاري (2/ 671) برقم: (1798) صحيح مسلم (2/ 711) برقم (1027).

( 3 ) سنن النسائي (4/ 165) برقم: (2220) وقال الشيخ الألباني صحيح، وانظر الصحيحة (1937) ومسند أحمد بن حنبل (5/ 249) برقم: (22203) وقال: الأرنؤوط إسناده على شرط صحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة (3/ 194) برقم: (1893) بلفظ: لا عدل له، وصحيح ابن حبان بتحقيق الأرناؤوط (8/ 211) برقم: (3425) قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

( 4 ) صحيح البخاري (2/ 709) برقم: (1910) صحيح مسلم (1/ 523) برقم: (760).

( 5 ) صحيح البخاري (6/ 2723) برقم: (7054) صحيح مسلم (2/ 806) برقم: (1151).

( 6 ) صحيح البخاري (6/ 2723) برقم: (7054) صحيح مسلم (2/ 806) برقم: (1151).

( 7 ) صحيح البخاري (2/ 673) برقم: (1805) صحيح مسلم (2/ 806) برقم: (1151).

( 8 ) صحيح البخاري (2/ 710) برقم: (1913).

( 9 ) صحيح مسلم (2/ 822) برقم: (1165).

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى