مقالاتمقالات المنتدى

الصيام مفاتيح وفتوحات

الصيام مفاتيح وفتوحات

 

بقلم د. سلمان السعودي (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… وبعد.

رمضانَ محطةٌ للتزودِ مِنْ أجلِ أنْ يَستَكملَ العبدُ رحلتَهُ في الدّنيا بِهِمَّةٍ وعزِيمَةٍ وقُوةٍ على وتيرةٍ تتوافقُ والمرحلةِ التي وصل إليها، فكلُ مرحلةٍ من عمرِ الإنسانِ تحتاجُ إلى تكييفٍ روحيٍ يتلاءمُ معها، لأنَّهُ يكون في حالةٍ هو أقرب فيها من محطةِ النهايةِ التي كتبَ اللهُ لهُ، فإنْ فَعَلَ فهو في خيرٍ عظيمٍ، فإنَّ على بُوابةِ المحطةِ الأخيرةِ التي سوفَ ينزلُ فيها الإنسانُ من قطارِ العمرِ قائمةٌ بالمسموحاتِ والممنوعاتِ، فكلُ ما كان منْ عينِ الدنيا، غيرُ مسموحٍ الدخول به قطعيا، فالمال؛ والجاه؛ والسلطان، وكل زينةٍ منْ الدنيا يتركها العبد على بابِ هذهِ المحطة، ويدخلُ بدونها، فيا لحظِ منْ قرأ الإرشادات التي كُتِبَتْ في الصفحة الأولى في كتاب حياتِهِ ثم التزم بها.

ولعلم الله الأزلي بحال الإنسان، وأنه قاصر عن الالتزام التام بالأوامر والنواهي، ويعتريه التقصير والزلل، جعل الله تعالى له مواسمَ ليتزود فيها ويشحن طاقته ليواصل مسيرته نحو الدار الآخرة، وقد تخلَّصَ من أدران الحياة الدنيا، فالإنسان مجبولٌ على حب الشهوات، ورغبةِ الزينات والانغماس في الملهيات، ومن هذه المواسم: “شهر رمضان المبارك” الذي يُغلّق فيه الله أبواب النيران، ويفتح فيه أبواب الجنان، ويُصَفِّد الشياطين ليحجزهم عن الإنسان، ويضاعف فيه الأجور، ويمحو فيه السيئات، ويرقق فيه قلوب العباد حيث يغشاهم الله برحمته من أول ليلة من رمضان، وذلك بفتح أبواب الجنان، وإغلاق أبواب النيران، وتصفيد الشياطين التي تغوي الإنسان جاء في الحديث:  عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: “أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، و تُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ” ( صحيح الجامع )  وعليه لا بد للإنسان من مراعات هذه الأمور:

أولا: رمضان شهر استشعار لقيمة النعم الموجودة بين أيدينا.

عندما يُحرم الإنسان من الطعام والشراب والمباحات في نهار رمضان، ويشعر بالجوع والعطش، لا بد وأن يستشعر بهذه النعم التي أنعم الله تعالى عليه على مدار العام، كيف كان يتمتع ويتلذذ بأنعم الله تعالى وغيره من الناس قد حرم منها، سواء كانوا على أسرة المرض وقد منعوا من الطعام والشراب، أو فقراء معدومين لا يملكون هذه النعم، كم هو رحيم الله بعباده حيث أنعم عليهم بنعمة الصحة، ونعمة العطاء {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}.

ثانيا: رمضان شهر تقوية القلوب بالتقوى.

المتدبر لآية الصيام يقف على حقيقة مقصدها، لأن النصوص بمقاصدها، فالمقصد من الصيام هو الحصول على التقوي التي تقوي القلوب، وتثبت فيها اليقين والطمأنينة، {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ( سورة الرعد: 28)، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (سورة البقرة:183)، والتقوى هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

ثالثا: الصيام دورة مراقبة ذاتية.

بما ان الصيام عبادة سرية لا يعلم حقيقتها وصدق فاعلها إلا الله تعالى، فهو يعتبر دورة تدريبية للمراقبة الذاتية في كل أفعال وأقوال الإنسان، وهناك توجيه من النبي ﷺ بذلك حيث يقول في الحديث الذي يرويه أبو هريرة حين سأل جبريل عليه السلام النبي ﷺ عن الإحسان فقال: “أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ” ( رواه البخاري)، فلا بد من استشعار مراقبة الله تعالى في الخلوات.

رابعا: الصيام امتناع اختياري.

نعم الصيام امتناع اختياري، فالإنسان مخير بين أن يطيع الله تعالى وينال الأجر، أو أن يعصي الله تعالى ويقع عليه الوزر، قال تعالى: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن } ( سورة البلد: 10) وقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }  (سورة الإنسان:3)

خامسا: أن الصحابة والتابعين حين وقفوا على حقيقة الصيام أصبحوا عبادا ففتحوا قلوب العباد، ومجاهدين ففتحوا البلاد.

نعم هذا هو حال السلف الأول رضوان الله عليهم، تعلموا في مدرسة محمد ﷺ، ورسخوا العقيدة في قلوبهم بتطبيق الأوامر والابتعاد عن النواهي، وبهذا عرفوا كيف يفتحون قلوب العباد لاستقبال كلمة التوحيد وغرس الإيمان فيها، ومن ثم كانوا مجاهدين في سبيل الدعوة إلى الله فعرفوا ما عليهم من واجبات ففتحوا البلاد في رمضان والتي كانت من  جهادهم وفتوحاتهم غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، وغزوة تبوك، وفتح الأندلس 92ه، وبلاط الشهداء 114ه، وعين جالوت 658ه، وحرب أكتوبر في رمضان 1973م، (والعصف المأكول، والبنيان المرصوص، وسيف القدس على غزة).

سادسا: الصيام يؤدي إلى التوازن بين الجسد والروح.

إن لكل من الجسد والروح غذاء، فغذاء الجسد الطعام والشراب، وغذاء الروح العبادة، وجاء الصوم ليوازن بين الجسد والروح في الغذاء والعطاء، فقد أثبت الطب بأن الصوم أحد معالجات الجسد، لنقائه من السموم التي خزنت فيه عبر الأطعمة المتنوعة، كما التخلص من الدهون الزائدة في الجسم من الإفراط بالطعام والتغذية، كما ان الصون يغذي الروح ويرتقي بها لتسمو فسافس الأمور التر تقلل من المروءة نهايك عن امتناع الروح عما نهى الله عنه من المعاصي والذنوب.

والمتدبر لآيات الصيام الخمس، يجد أنها تحث الإنسان على الاستمرار في هذه الطاعة ومقاصدها وهو تحقيق الشخصية المسلمة المتزنة، فهذه الآيات كل منها تنتهي بفعل مضارع، والفعل المضارع يفيد الاستمرار ( تتقون – تعلمون – تشكرون – يرشدون – يعلمون ).

سابعا: رمضان شهر القرآن.

قال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ( سورة البقرة: 185 ).

و للقرآن ختمات ست:

الختمة الأولى: ختمة السماع: يقول النبي ﷺ: “أحب أن أسمعه من غيري “.

الثانية: ختمة تلاوة: قال تعالى: { ورتل القرآن ترتيلا } وقال ﷺ في الحديث: “يقال لصاحب القرآن رتل وارتق كما كنت ترتل في الحياة الدنيا، “

الثالثة: ختمة تدبر: قال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ } (سورة ص:29)

الرابعة: ختمة حفظ: قال تعالى: بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } (سورة العنكبوت:49)

الخامسة: ختمة تطبيق: قال تعالى: { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ } (سورة القيامة: 18)

السادسة: ختمة تبليغ: قال تعالى: { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } (سورة ق:45) وعن عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ قال: ” بلغوا عني ولو آية” ( صحيح البخاري).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى