مقالاتمقالات مختارة

الصيام في زمن كورونا والرد الهلالي

الصيام في زمن كورونا والرد الهلالي

بقلم د. أكرم كساب

عما قريب يطل علينا رمضان بأيامه المباركة ولياليه الطيبة، ولا شك أن للبعض أسئلة حول الصيام، خصوصا بعد ظهور أصوات نشاز تدعو الناس للإفطار ترخصا، وقد كان لــ (سعد الدين الهلالي رأيا صادما) حيث أغطى للناس رخصة الصوم لمجرد الخوف وسيكون الرد على هذا النحو إن شاء الله تعالى:

التغيرات التي تحصل للجسم وقت الصيام[1]:

يؤكد الأطباء على أن ما يحدث للصائم وكذلك صاحب الحمية ما يلي:

  1. ينتج طول مدة الصيام نقص في انتاج الانسولين من البنكرياس ويزداد مستوى الجلوكاجون للحفاظ على مستوى الجلكوز في الدم حتى يتم استهلاك كمية الجليكوجين المخزنة كمصدر للطاقة.
  2. وجبة السحور وجبة مهمة، ومهم تأخير وقت السحور حتى تقل فترة الكسل والخمول.
  3. أثبتت بعض البحوث العلمية، أن من فوائد الصيام:
    1. نقص مستوى الدهون الضارة في الدم مما يحسن وظائف القلب والدورة الدموية.
    2.  انخفاض معدل ضغط الدم.
    3.  زيادة في عدد كرات الدم الحمراء والصفائح الدموية وخلايا الدم البيضاء المناعية ومن ضمنها الخلايا الليمفاوية والتي لها تأثير دفاعي مباشر ضد الفيروسات (مثل فيروس كوفيد19) مما يحسن مستوى المناعة بشكل مباشر.
    4.  نقص منتجات الالتهاب مثل السيتوكاين والتي تلعب الدور الأساسي في تدهور حالة مرضى كوفيد19 وغيرها من الفيروسات الرئوية.

هل الصيام يزيد من فرص العدوى بفيروس كورونا؟

يؤكد الأطباء على التالي:

  1. لا يوجد بحث علمي أو حقيقة علمية واحدة ربطت بين الصيام المتقطع (صيام المسلمين الذي يتخلله سحور وفطور) وبين زيادة معدل الإصابة بالفيروسات.
  2. بالرغم من أهمية الماء للدورة الدموية إلا أن جسم الانسان يستطيع تعويض هذا النقص.
  3. العطش والذي ينتج عنه من جفاف الحلق لا يوحد دليل علمي على أنه يعدّ من أسباب انتقال هذا المرض.
  4.  لا يوجد أي دليل علمي على زيادة العدوى أو المضاعفات عند نقص شرب الماء في الصيام، خاصة أن الصيام في هذا العام قادم في وقت الجو معتدل.
  5. معروف أن انتقال (فيروس كورونا) يكون عن طريق الرزاز الواصل للإنسان عن طريق الفم أو الأنف أو العين، أو الملامسة، ولا علاقة للصوم هنا بهذا الطرق.
  6. الإنسان ينتج لعابه يوميا من لترين إلى ثلاثة، وهذا يعوض الإنسان عن العطش الناتج عن الصوم.
  7. بعض البحوث الطبية تؤكد على أن الصوم يفيد كثيرا من المرضى، وأن الصوم يعد فرصة كبيرة لدعم الصحة الجسدية والنفسية كذلك، وذلك لأن أجهزة وأعضاء الجسم المختلفة تأخذ فترة راحة ضرورية لتجديد نشاطها واستعادة وظائفها، كما أنها فرصة لتخلص الجسم من الرواسب الموجودة به، بالإضافة إلى تجديد الدورة الدموية.

أنواع المرض وعلاقة ذلك بالصيام:

أجمع العلماء إلى إباحة الفطر للمريض، وأنه عليه القضاء إذا تم شفاؤه، والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وإذا كان المرض هو كل ما أخرج المرء عن صحته وعافيته فإن المريض له أحوال ثلاثة مع الصيام:

  1. المرض اليسير الذي لا يتأثر المريض بالصيام ولا يؤخر الصيام الشفاء، ولا تحصل معه مشقة ولا ضرر؛ وهذا واجب على المريض الصوم.
  2. المرض الشديد وهو الذي يتأثر المريض إذا صام، ويؤخر الصيام الشفاء، وتحصل معه مشقة أو ضرر؛ وهذا يحرم على المرء الصوم فيه، والله يقول{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، هذا عموما أما في المسألة نفسها فالله يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
  3. مرض بين هذا وذاك، وهذا يستحب له الفطر ويكره له الصوم.

حكم صيام المصاب بــ (بكورونا):

أما المصاب بــ (كورونا) فله حالتان:

الحالة الأولى: حال إصابته، والمصاب لا صيام عليه، لما في الصوم من حصول مشقة أو تأخير شفاء أو حصول ضرر، وحيث إنه يحتاج إلى علاج، وطعام، وشراب، فإنه يحرم عليه الصوم، وإن صام كان آثما، لما في الصوم من إلحاق الضرر بالنفس، والله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمً }[النساء: 29]، فإن أتم الله عليه الشفاء وكان قادرا على الصوم فعليه القضاء قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].

الحالة الثانية: من كان في فترة نقاهة فهذا يخضع حكمه أولا لرأي الأطباء، فإن أقرّ الأطباء بأن الصوم يضر به وجب عليه الفطر، ويأثم إن صام، فإذا أتم الله شفاءه كان مع إخوانه الذين قال فيهم الله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]. وإن رأوا أنه لا بأس من صومه صام وابتغى الأجر من الله تعالى.

كبير السن والمريض مرضا مزمنا كيف يصومان في زمن (كورونا)؟

من المتعارف عليه الآن أن كبير السن (رجلا أو امرأة) تزداد خطورة إصابتهم بهذا الوباء (كورونا)، وقد قال الفقه كلمته في الرجل الكبير والمرأة العجوز وكذلك المريض مرضا مزمنا -أي لا أمل في الشفاء- حيث اعتبر الفقه وجود المشقة سببا من أسباب الفطر لهذه الأصناف، وهؤلاء جميعا يجوز لهم الفطر، وهذا ما أجمع عليه العلماء، حيث قرروا أن الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا عجزا عن الصوم، يجوز لهما الفطر ولا قضاء عليهما، ثم اختلفوا فيما عليهما إذا أفطرا، والجمهور على أنهما يطعمان عن كل يوم مسكينًا….[2]. وقد روى الدارقطني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]قَالَ: «وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ وَأُمِرَ أَنْ يُطْعِمَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُطِيقُهُ[3]».

فإن عجزا عن الإطعام فلا شيء عليه، ذلك أن الشريعة قائمة على اليسر والتيسير، قال تعالى:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78].

هل مجرد الخوف من الإصابة بــ (كورونا) يبيح الفطر؟

إذا أخذنا أقوال الأطباء بعين الاعتبار -وهذا هو الواجب- فإني أرى ما يلي:

  1. إذا لم يكن هناك أدنى سبب طبي يؤكد وجود علاقة بين الصيام واحتمالية الإصابة بــ (كورونا) فإن على المرء أن يصوم ما لم يكن لديه من الأسباب ما يبيح أو يوجب الفطر عليه.
  2. الخوف الحاصل لغير المريض لا اعتبار له، وعليه أن يصوم فإن وجد مشقة لا تطاق، فله الصوم ابتدأ والفطر إن لزم الأمر.

مراجعة الطبيب أمر واجب في وقت الصيام:

ونقطة مهمة ينبغي التنبيه عليها، أن ينبغي مراجعة الطبيب المتقن الثقة، وأرى أن الطبيب المسلم أولى في هذه المسألة إن وجد، لأن له دراية بطبيعة هذا الركن (الصيام)، ويكون رأي الطبيب هو المعول عليه، والعالم إنما يبني فتواه على قول الطبيب، ويكون لكل شخص موقف وحكم يختلف عن غيره؛ الذي قد يكون أخا أو صديقا أو زوجا، وهذه طبيعة القتوى التي تتغير بتغير الظروف والأحوال.

الهلالي وفتاويه الشاذة:

بقي أن أشير إلى ما قاله سعد الدين الهلالي على الهواء مباشرة في إحدى البرامج المتلفزة، وطريقة الهلالي في العرض طريقة تبلل الألاكار، وتعطي الأفراد العمل بما تشتهيه الأنفس.

مخالفات الهلالي:

وقد كان للهلالي مخالفات عدة طالت الشرع والطب، وبيانها كالتالي:

1.  مخالفته للطب وذوي التخصص فيه: حيث قال: (فإذا قال لك الطبيب: لا تخاف من الصيام ولا تفطر لأنه لا يضرك، ولا علاقة لكرونا بهذا، وأنت خائف فلا تقبل نصيحة الطبيب ارفضها، وأفطر طالما أنت خائف فأنت أدرى بنفسك من الطبيب). وهذا قول لم يقل بأحد، لم يقل أحد أن الإنسان أدرى بنفسه من ذوي التخصص، لقد اخترم الإسلام التخصص حين قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43] و[الأنبياء: 7]. وأهل الذكر هنا أهل التخصص في كل علم من العلوم وفنّ من الفنون.

ولهذا علمتنا الشريعة أن هناك مسائل شريعة محضة، وهذه يقول فيها العالم الفقيه قوله بالرجوع إلى ثوابت الشرع والدين، أما المسائل التي لها ارتباط بالطب أو الاقتصاد وكل ما يتعلق بحياة الناس؛ فلا بد أن يسمع العالم كلام أهل التخصص ويجمع في فتواه بين نصوص الشرع وواقع الحياة من خلال ما قاله المتخصصون.

2.  مخالفته للفقهاء: حيث لم يلتفت إلى أقوال الفقهاء والعلماء، الذين نظروا إلى حال الناس، وفرقوا بين صحيح ومريض، وبين مريض يرجى شفاؤه ومريض لا يرجى شفاؤه، ونظروا إلى المرض هل تحصل به المشقة أم لا؟ وما مقدار هذه المشقة، وراعوا طول العمر والمشقة التي تصاحبه، كل هذا ينظر إليه في الجواب عن الصيام في (كورونا) لكن الهلالي لم يراعي إلا حال الناس، وقد بينته سابقا فليراجع.

 

د. أكرم كساب


[1] قرأت بعض البحوث الطبية، وتواصلت مع عدد من الإخوة الأطباء هنا في أمريكا وفي بعض الدول العربية واستمعت إلى كلامهم كأطباء متخصصين وخصوصا في الأوبئة والأمراض المعدية.

[2] للمزيد يراجع: المجموع (6/ 258) والمغنى (3/ 79) وبداية المجتهد (1/ 447).

[3]   رواه الدارقطني في سننه (3/ 194).

 

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى