تقارير وإضاءات

الصهيونية واستعراض التوحش: بين قص ف المعمداني وعدوان الفصح

الصهيونية واستعراض التوحش: بين قصف المعمداني وعدوان الفصح

 تقرير حصري بقلم : الأستاذ زياد ابحيص ( خاص بالمنتدى )

يتزامن عيد الفصح العبري عادة مع أحد الشعانين المسيحي نظراً لاعتماد كلا المناسبتين على الشهر القمري، وأحد الشعانين هو آخر يوم أحد في الصوم الكبير قبل حلول عيد الفصح المسيحي في الأحد التالي…

لم تدخر الصهيونية جهداً لتستثمر هذا التقاطع كمناسبة لاستعراض إيمانها بإلغاء كل ما يخالفها وكل من يخالفها، فاختارت ليلة أحد الشعانين تحديداً لتقصف المستشفى المعمداني في #غزة والذي يتبع للكنيسة الأنجليكانية وهي من الكنائس البروتستانتية المنتشرة في الغرب والولايات المتحدة، لتقول لنا وللعالم أن لا حدود لقدرتها على القتل، ولا قيود على إجرامها، فهي تستطيع ضرب المؤسسة المسيحية الأقرب للغرب في ليلة واحدة من أقدس مناسباتها، كشكل من إثبات التفوق المطلق…

وليس بعيداً عن ذلك فقد جاءت إراقة هذا الدم بهذه الطريقة الاستثنائية في إجرامها احتفاءً بفصحها العبري، بتقديم الدم الفلسطيني قرباناً، تحديداً في المناسبة التاريخية التي لطالما حامت حولها الروايات أنها لم تكن لتكتمل دون خلط فطير الفصح بدم طفل من “الأغيار”، وهذا ما حصل بالضبط بالأمس في #المستشفى_المعمداني، فكرست الصهيونية عملياً وبيدها تهمة لطالما عمل يهود العالم على نفيها…فكأنها بهذه المفارقة تكرس حقيقة ساطعة بأن الصهيونية شر مطلق، من أي زاوية نظرت لها.

لا تنتهي تجليات الإلغاء هنا، ففي يوم أحد الشعانين فُرضت قوات الاحتلال على المسيحيين القيود ذاتها التي فرضتها على المسلمين في رمضان بمنع دخول المصلين من الضفة الغربية إلى #القدس، وإغلاق مداخل البلدة القديمة والتضييق على الوصول إلى كنيسة القيامة، وقد جاء جزء وازن من هذه الإجراءات نتيجة لحصار المسجد #الأقصى والاستفراد به لتسهيل اقتحامه…

هذه كلها ليست إلا الافتتاحية، فبدءاً من الغد وعلى مدى أسبوع كامل سيبدأ متطرفو الصهاينة الذين يحتفون بالفصح العبري –وبالتزامن مع اقتحامهم للأقصى وعدوانهم عليه- سيبدؤون بالاعتداء على المسيحيين الذين يمرون بـ “درب الآلام”، بالبصق والشتم والضرب وإحراق الكنائس والأديرة كما في كل عام، فهم يعتبرون هذه الأذية مدخلاً لرضى الرب والتقرب إليه، لا لأنهم يظنون أنهم بذلك يدعون أولئك المسيحيين لاعتناق اليهودية باعتبارها الإيمان الصحيح -فاليهودية ديانة مغلقة يندر أن تستقبل المتحولين إليها- بل لأن أذيتهم …مجرد الأذية هي ما يرضي الرب!

ولا يمسي بعيداً عن التفكير هنا بأن من يؤمن بهكذا فكرة يُلبس التشفي والثأر الغرائزي من مخالفيه بلبوس “مرضاة الرب”؛ هو في المحصلة ليس إلا عابداً لذاته مقدساً لأهوائها، وهذه الصهيونية في أبهى تجلياتها…عبادة الجماعة الصهيونية لذاتها…خليط عجيب من الدين والقومية وأفكار التفوق العرقي المطلق.

طبعاً من سيبادرون غداً وعلى مدى الأيام القادمة للاعتداء على المسيحيين في البلدة القديمة وفي جوارها من الكنائس والأديرة هم في معظمهم أتباع منظمة “لاهافا”، منظمة الدعوة للنقاء العرقي اليهودي ومنع الزواج المختلط وطرد المسيحيين من فلسطين، والتي كان إيتمار بن جفير وزير الأمن القومي المسؤول اليوم عن شرطة الاحتلال أحد مؤسسيها بل ورئيسها الأول.

هذه الممارسات التي كانت الصهيونية تحاول التبرؤ منها بوصفها “حالة متطرفة” على هامشها باتت اليوم هي قوى مركز الصهيونية، وهكذا باتت الصهيونية أكثر اتساقاً مع ذاتها… فقد بات مضمونها وشكلها متطابقان، وانتفى عنها القناع العلماني الأوروبي الذي كانت ترتديه في العقود الأولى من عمر كيانها، وبتنا نراها ويراها العالم كما هي، أيديولوجيا لا يصلح معها إلا إفناؤها باعتبارها شراً مطلقاً علينا وعلى البشرية بأسرها، بل وشراً مطلقاً على اليهودية بذاتها إذ تعيد إنتاج عزلتها.

إقرأ أيضا:سمحاويات … علمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى