بقلم محمد الأمين مقراوي الوغليسي
عندما سقطت دول آسيا الوسطى في قبضة الاحتلال الروسي سقطت الخلافة العثمانية، فقد كانت هذه المنطقة الواسعة، الحديقة الخلفية للخلافة العثمانية، وكانت تمثل خزانا بشريا هاما للجيوش العثمانية، وحائط سد منيع ضد الأطماع الروسية، فما هي أهمية دول آسيا الوسطى بالنسبة لتركيا؟ وماذا يمكن أن يقدم الأتراك لآسيا الوسطى في ظل الصعود التركي المشهود؟ سنحاول في هذه المقالة التعريج على عديد القضايا التي تمكننا من رسم صورة واضحة لمستقبل الصعود لتركي في آسيا الوسطى.
مدخل تاريخي عام:
تعرف آسيا الوسطى عند العرب تاريخيا بمنطقة “تركستان الكبرى”، وأيضا “بلاد ما وراء النّهر”، و”منطقة توران”، وقد دخلها الإسلام فعليا عام 86هـ، واستمرت الفتوحات بها إلى سنة97هـ.
كانت هذه المنطقة تعيش حياة مزدهرة، وعرفت تطوّرا عمرانيا مشهودا، بعد دخول الإسلام إليها، حتّى أصبحت منارة علمية، ومركز إشعاع حضاري امتد نفعه إلى باقي العالم، ويحفظ التاريخ لنا أسماء حواضر خالدة مثل: طشقند وبخارى وسمرقند ومرو، خيوة، كمدن ومراكز حضارية لعبت دورا هامّا في تطور الحضارة الإسلامية، ويكفي أن نذكر أنّ هذه المنطقة المغيّبة قد أنجبت للأمّة الإسلامية ثلة خالدة من العلماء والفقهاء والأطباء وعلماء في مختلف المجالات، نذكر منهم على سبيل المثال: الإمام البخاري، والغزالي والنّسائي والترمذي، والخوارزمي، والسّرخسي والسّمعاني، والدبوسي، والفارابي، وابن سينا، والبيروني، وغيرهم. ونشير هنا إلى أنّ اللغة العربية كانت لغة المسلمين، ولغة الثقافة والعلم والأدب والتخاطب، ومن أسباب إبداع هذه الأرض المسلمة وأبنائها.
جغرافية آسيا الوسطى:
تتمتع منطقة آسيا الوسطى بموقع استراتيجي وحيوي هام، فهي تقع بين روسيا والصين، وأفغانستان وإيران، وقريبة من تركيا، كما أنها محل اهتمام القوى العالمية والإقليمية الأخرى مثل أميركا، روسيا، الصين، إيران، والهند.
الموارد الطبيعية لآسيا الوسطى:
تتمتع دول آسيا الوسطى بثروات طاقوية هائلة، إذ يبلغ حجم الغاز الطبيعي فيها 34% من الاحتياطي العالمي، أمّا النّفط فتبلغ احتياطاته 27% من الاحتياط العالمي، بالإضافة إلى ثروات ضخمة من المياه العذبة والباطنية، واحتياطات هائلة من المعادن والقطن والفحم ما يجعلها أحد أغنى مناطق العالم بامتياز.
كما تملك قاعدة صناعية ثقيلة واستراتيجية ضخمة، خاصةّ أنّ هذه الأرض كانت قطبا زراعيا وصناعيا هامّا أيام السوفيات، مع وجود قاعدة علمية جد هامّة، حيث كانت هذه المنطقة ملتحمة في الصناعات مع الأيادي والعقول الصناعية والتقنية السوفييتية، ولا زالت تتوفر على كتلة هائلة من العلماء في مختلف المجالات، ممن استقروا فيها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، مع تميزها أيضا بمعدل عمر شبابي عالٍ.
هوية آسيا الوسطى:
تعتبر اللغة التركية اللغة الأم لخمس دول من دول آسيا الوسطى، وهي: كازخستان، أذربيجان، وأوزباكستان، قيرغيزستان، تركمانستان، ما عدا طاجكستان التي تتحدث الفارسية، كما تتشابه العادات والتقاليد في هذه الدول مع نظيرتها في تركيا، مع وجود رابط أقوى وهو الدين الإسلامي، الذي يوحد بين مشاعر شعوب هذه المنطقة والشعب التركي.
تركيا وعناصر القوة:
تمتلك تركيا كل عناصر الصعود الإقليمي، فمن الناحية الجغرافية تتربع تركيا مساحة قدرها 780.580 كلم2، ، أمّا من الناحية الديمغرافية فيبلع عدد سكانها حسب آخر إحصاء رسمي حوالي 75 مليون نسمة، أما من الناحية الاقتصادية فقد قفزت إلى المرتبة السابعة عالميا، بدخل قومي قدره 900 مليار دولار، كما تملك موارد طبيعية هامة، وتنوعا في التضاريس، بالإضافة إلى تمكنها من الحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي يضم 25 عرقية، وعقيدة وهوية ومهارات وموارد طبيعية.
تركيا والبعد الاستراتيجي:
لم يكن لتركيا بعد استراتيجي قبل مجيء حزب العدالة والتنمية، ما أسهم في غياب تركيا عن آسيا الوسطى وغيرها، ويرجع الدكتور معروف البخيت سبب ذلك إلى: ” تشتت عناصر القوة في الدولة فقد كانت السياسات التركية في تلك المرحلة في مواجهة القضايا الداخلية والاقليمية والدولية، حيث تشتت بين سياسة إدارة التنوع، أو سياسة إدارة المتناقضات”، وهذا ما يفسر تأخر ظهور استراتيجية تركية في دول آسيا الوسطى، التي شكلت عبر التاريخ العمق الاستراتيجي لها.
آسيا الوسطى والغياب التركي:
انفصلت هذه المنطقة مبكرا عن الخلافة العثمانية، ما جعلها ترزح طويلا تحت السيطرة الروسية، التي أزاحت الإسلام من المشهد الحياتي في هذه الدول، ونشرت الشيوعية المتوحشة، وحاربت كل الحركات التي حاولت استرجاع هوية المنطقة، الأمر الذي جعل الأتراك يبتعدون عن الاقتراب من تركستان الكبرى -آسيا الوسطى- تفاديا للصدام مع الروس، الذين يعتبرونها حديقة خلفية كبرى لهم، ومنطقة حيوية لمصالحهم.
واقع تركيا وآسيا الوسطى ما بعد الاتحاد السوفياتي:
بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وإعلان دول آسيا الوسطى استقلالها رسميا، حاول الأتراك إعادة الارتباط بهذه المنطقة، فظهرت الكثير من المبادرات والمشاريع، حيث جاء في تقرير لوزارة الخارجية التركية بعض تفاصيل هذه العودة: “لقد أصبحت تركيا رائدة لـ “قمم قادة الدول الناطقة بالتركية” التي بدأت بالانعقاد منذ عام 1992 ولغاية الآن، وذلك من أجل زيادة التضامن بين الدول الناطقة بالتركية، وخلق فرص تعاون جديدة بينها. وقد اكتسبت عملية تنظيم هذه القمم بنية مؤسساتية بالتوقيع على اتفاقية ناهتشيفان، المتعلقة بتأسيس مجلس تعاون بين الدول الناطقة بالتركية، والتي تم التوقيع عليها بتاريخ 3 تشرين الأول 2009. وقد تأسس المجلس المذكور في القمة العاشرة لقادة الدول الناطقة بالتركية، التي عقدت في إسطنبول في شهر أيلول 2010، حيث أقيم مقر الأمانة العامة للمجلس في إسطنبول، وباشر السفير المتقاعد خالد أكينجي مهامه أمينا عاما للمجلس.
كما تطورت العلاقات التركية مع جمهوريات آسيا الوسطى بشكل سريع، وقطعت أشواطا متقدمة على صعيد العلاقات التجارية والنقل والاتصالات. وقد بلغت قيمة القرض الذي منحته تركيا لدول المنطقة عبر مصرف أكسيم بنك حوالي 1 مليار دولار أمريكي. كما تم إنشاء رئاسة إدارة التعاون والتنمية التركية (تيكا) من أجل تقديم المساعدات التقنية لجمهوريات آسيا الوسطى.
ومن ناحية أخرى، وصل حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول المنطقة إلى حدود 6.5 مليار دولار أمريكي، وتجاوز مجموع استثمارات الشركات التركية في المنطقة 4.7 مليار دولار أمريكي في عام 2010. أما قيمة المشاريع التي نفذتها شركات التعهدات التركية في المنطقة فقد وصلت إلى حدود 30 مليار دولار أمريكي، وهناك حوالي 2000 شركة تركية تعمل في المنطقة.
كما تطورت العلاقات في المجالات الثقافية والتعليمية بشكل متسارع. ففي عام 1993 تم إنشاء منظمة الثقافة التركية الدولية توركصوي.
وقد قامت تركيا أيضا بتنفيذ برنامج منح شامل لطلاب دول آسيا الوسطى تحت عنوان “مشروع الطلاب الكبير”. وتوجد مدارس تركية تتبع لوزارات التربية الوطنية في جمهوريات آسيا الوسطى، تقوم مؤسسات خاصة بتشغيلها. وتوجد في مدينة تركستان القرغيزية جامعة الشيخ أحمد ياساوي الدولية التركية القرغيزية، وتوجد في العاصمة القرغيزية بيشكاك جامعة ماناس التركية القرغيزية”.
ويبين هذا التقرير حجم الدور التركي في هذه المنطقة رغم العوائق الكثيرة، ومن جهة أخرى يثبت التقرير قابلية إعادة ربط تركيا بآسيا الوسطى، من خلال مضاعفة التواجد المؤسساتي الرسمي والاقتصادي والمالي والثقافي في هذه المنطقة، ورفع الدعم المقدم لها، بصورة تسمح بمشاهدة صعود تركي في المنطقة.
ماذا يمكن لآسيا الوسطى أن تقدم لتركيا؟
يمكن لتركيا الاستفادة من علاقاتها مع آسيا الوسطى في عدة مجالات، لكن أهم مجال يمكن أن تستفيد منه تركيا هو بلا شك مجال الطاقة، بسبب معاناتها من تبعيتها لروسيا في مجال الطاقة، وقد بينت الأزمة التي نشبت بين تركيا وروسيا شتاء 2015، ذلك بوضوح، حيث تستورد تركيا 60 بالمئة من الغاز والنفط من روسيا؛ لذلك فإن تركيا قد تجد الحل النهائي الذي يخلصها من التبعية الطاقوية لروسيا، من خلال الاستفادة من الطاقة التي تزخر بها دول آسيا الوسطى، فأذربيجان على سبيل المثال قادرة على جعل تركيا مستقلة عن روسيا في هذا القطاع، وقد أدرك الأتراك ذلك، وسارعوا إلى إنشاء مشروع (تاناب) ومشروع (تاب) الذي يتوقع أن يتم في عام 2018، الذي “سيضع تركيا في موقع استراتيجي مهم إقليميًا لتوزيع الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، حيث سيوصل الغاز من أذربيجان مارًا بتركيا إلى اليونان وبلغاريا ليصل إلى أوروبا بتكلفة تقدر بـ 45 -47 مليار دولار، ومن المتوقع أن تبدأ إمدادات الغاز الأذري إلى أوروبا عام 2020 بحجم 10 مليارات متر مكعب و6 مليار متر مكعب إلى مناطق غرب ما يجعل إمكانيات”.
إنّ التحرر التركي على صعيد قطاع الطاقة، سوف يساهم في جعل تركيا أكثر قوة وحرية في إدارة عديد الملفات الدولية، بعد أن تكون قد تخلصت من أوراق ابتزاز ظلّت تشكل سلاحا استراتيجيا في يد أعدائها.
إن الصعود التركي لا يمكن أن يتحقق بالصورة المأمولة ويصل إلى العالمية، إلا من خلال الالتحام مع عمقها الاستراتيجي في آسيا الوسطى، تقول الباحثة حنان أبو سكين: “إنّ أهمية منطقة آسيا الوسطى تكمن باعتبارها تمثل المتغير الجيو ــ سياسي اللازم الذي يمثل مفتاح السيطرة على العالم، فالتمركز في آسيا الوسطى يتيح الإطلالة الأكثر سهولة والأقل تكلفة نحو العمق الحيوي الروسي باتجاه الشمال، والعمق الحيوي الصيني باتجاه الجنوب الشرقي، علاوة على العمق الحيوي لشبه القارة الهندية باتجاه الجنوب والعمق الحيوي الإيراني باتجاه الجنوب الغربي، والعمق الحيوي لكامل منطقة بحر قزوين باتجاه الغرب، علاوة على أن السيطرة على موارد آسيا الوسطى تتيح التحكم في إمدادات النفط والغاز والمعادن والموارد الزراعية إلى روسيا والصين وشبه القارة الهندية ودول الاتحاد الأوروبي. والسيطرة على ممرات آسيا الوسطى تتيح السيطرة على الممرات البرية والجوية التي تربط بين شبه القارة الهندية وروسيا والصين”.
المخاطر التي تواجه الصعود التركي في آسيا الوسطى:
صحيح أن أداء المؤسسات التركية الداعمة لدول آسيا الوسطى لم يكن في المستوى المأمول، غير أنّ هذا لا يعد السبب الوحيد لبطء ميلاد مفهوم استراتيجي موحد بين تركيا ودول آسيا الوسطى، فهناك أسباب أخرى هامة جدا وخطيرة تشكل عوائق في التقدم التركي بالمنطقة، نذكر منها:
-الخوف الذي تبديه هذه الدول من الدور التركي، إذ تعتقد أن تركيا تحاول ممارسة الوصاية عليها باسم الأخ الكبير، خاصة في ظل حزب العدالة والتنمية.
-وجود تنافس دولي كبير على المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وازداد بعد أحداث 11 من شهر سبتمبر2001م، فالصراع بين روسيا وأمريكا على الثروات الطاقوية فيها معروف، دون أن ننسى الصين التي تتابع باهتمام وحرص بالغ تطورات التنافس الدولي على المنطقة.
-كما نجد في دائرة الحريصين على الاستفادة من المنطقة إيران، التي تسعى للسيطرة عليها من بوابة بحر قزوين، ومن بوابة فارسية طاجكستان، على مشاريع الطاقة، وهنا نذكر ما حدث بين تركيا وأذربيجان في أواخر القرن العشرين، عندما اقتربت تركيا من دول آسيا الوسطى –أشرنا إليه سابقا- اعتبرت إيران ذلك تهديدا لها ولمصالحها، بل إن الإيرانيين اعتبروا ما تقوم به تركيا تهديدا وجوديا للثقافة الفارسية في طاجكستان وغيرها؛ لذلك يظلّ التهديد الإيراني قويا، وسترفض إيران أي تقارب بين تركيا ودول تركمانستان الكبرى.
-تعود جذور الحكام المسيطرين على آسيا الوسطى إلى الحقبة الشيوعية، وقد عرفوا بعدائهم الشديد للإسلام؛ لهذا أعلنوا صراحة رفضهم عودة الإسلام والثقافة الإسلامية إلى شعوبهم، يقول رئيس قيرغيزيا السابق كرمان بك باكييف -تم خلعه في انقلاب2010م-: “إنني ضد التعصب، وهناك احتمال أن تصبح جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية دولاً إسلامية، وأتعهد بأن لا يحدث ذلك”، وقال رئيس كازاخستان سلطان نزارباييف: “نريد تطيق نظام السوق الحر، والنموذج الوحيد الذي أمامنا هو النموذج التركي، ولا أعتقد أن الإسلام له فرص كبيرة، وإن علمانية تركيا تمثل نموذجا لنا”، أما الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف -توفي قبل أسابيع- فقد صرّح بعدوانه للإسلام كعادته: “إنني أعلن أمام العالم بأسره أنّ بلادي سوف تسير قدما في الطريق التركي ولن نحيد عنه”، فالنّخب السياسية الحاكمة في تركستان الكبرى تصرح بشكل علني عداوتها لكل المشاريع الإسلامية التي تريد إعادة الإسلام لشعوب المنطقة، ويصرون على استحضار النموذج الأتاتوركي؛ لذلك تبقى هذه النخب أكبر عقبة في وجه الصعود التركي بالمنطقة فيظل قيادة حزب العدالة والتنمية.
-تعاني دول آسيا الوسطى من فراغ روحي كبير، فعندما استقلت جمهوريات آسيا الوسطى عن الاتحاد السوفيتي عام 1991م، اصطدمت بعوامل أيديولوجية معقدة أعاقتها عن مسيرة النهوض الحضاري، منها: التركة السوفيتية الشيوعية الشمولية ومنظومتها، الصراع الهويّاتي والعرقي والاثني بين القومية التركية والقومية الفارسية، وضعف الحركة الإسلامية.
-الضعف الاقتصادي لآسيا الوسطى أحد أكبر معوقات التكامل بين تركيا وآسيا الوسطى، فقطاع الصناعة يعاني من الترهل والتخلف، والصناعات الثقيلة ورثت عن السوفيات عدم الجودة، أما الجاني الزراعي فيبقى بعيدا جدا عن المأمول، أما الجانب المالي فيعاني من النهب والتبذير، بسبب سيطرة النخب الحاكمة وأفرادها على الموارد المالية وعوائد تجارة النفط، وعدم تسخيرها لبناء اقتصاد قوي، كما أن النخب الحاكمة بسياساتها المرتبطة بروسيا تطرد كل فرص الاستثمارات، واعتمادها على بعض الموارد كمورد أحادي مثل النفط والقطن.
-الرفض الروسي القاطع لرؤية تركيا تلعب دوراي هذه المنطقة، ونذكر هنا ما قاله بوتين عن تركيا في نوفمبر2015م، عن اتهامه أردوغان بمحاولة أسلمة تركيا، فكيف يقبل بأسلمة آسيا الوسطى؛ لأجل ذلك رفضت روسيا رفضا واضحا دخول آسيا الوسطى في معاهدات وتحالفات إقليمية وعالمية تشكل تهديدا لروسيا حسب تفسيرات الروس؛ لأجل ذلك قامت روسيا بعقد معاهدات ثنائية تحكمت بواسطتها في خيرات المنطقة، فمثلا لا يمكن لهذه الدول أن تبيع مواردها الطاقوية من خلال صفقات كبرى إلا بموافقة روسيا،، كما تريد تأمين وضمان تحكمها في نفط وغاز بحر قزوين، وصد الزحف الغربي نحو الطاقة في آسيا الوسطى؛ لإفشال الخطة الغربية التي تريد تأمين الطاقة لأوروبا وفكها من التبعية لروسيا، ونفس الأمر بالنسبة لتركيا، فالروس يرفضون التمدد التركي البطيء في المنطقة وحتى على الحدود مع إيران حليفة روسيا.
-طغيان العنصر الشبابي على مسلمي تركستان الكبرى يخيف روسيا، ويجعلها تتربص من هذه الثروة البشرية المخيفة، مع ما يتميز به هذا الشباب من قوة بدنية وروح معنوية عالية، ترى روسيا أن تمكن الإسلام فيها سيشكل خطرا وجوديا على روسيا؛ لذلك تصرّ روسيا على احتوائها، وترفض النشاط الثقافي التركي فيها، وقد أشارت تقارير روسية كثيرة من خطورة التغلغل الإسلامي التركي، وأدرجت روسيا بعض الجمعيات الخيرية والثقافية التركية ضمن قائمة الحركات الإرهابية.
هل تساهم تركيا في نهضة الإسلام بآسيا الوسطى؟
كان عدد الناطقين بالروسية -روس بجنسيات دول آسيا الوسطى- الذين يعيشون في آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي حوالي: 11 مليون روسي يعيش أغلبهم في كازاخستان، وقيرغيزستان، وقد صار عددهم اليوم حوالي ثلاثة ملايين فقط حسب آخر إحصاء روسي –إحصاء2012م-؛ وقد كان لهذه الجالية الروسية الضخمة دور كبير في إبعاد المسلمين عن دينهم، فقد كانت معظم الوظائف الهامة في هذه الدول للروس، وقد ساهموا في التضييق على المسلمين، وقد تغير الحال اليوم وصارت هذه الشعوب أحادية العرق، تكاد تكون تركية خالصة، ما يسهل لتركيا لعب دور كبير في إعادة المنطقة لهويتها الإسلامية، خاصة أن العودة إلى الالتزام بالإسلام في أوساط الكثير من أفراد الشعب أمر ظاهر وملحوظ، حيث تفشل الأنظمة الشمولية يوما بعد آخر في صده.
تركيا أمل شعوب آسيا الوسطى:
لقد سقطت كل الاحتمالات التي كانت ترى أن آسيا الوسطى ستتحالف مع روسيا لإعادة إحياء القيصرية الروسية، وفشل الاحتمال الذي كان يرى أنها سترتبط مع أوروبا، وانحسر الدور الأمريكي عن آسيا الوسطى في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وازدادت قوة تركيا، وازداد حضورها في هذه المنطقة، ما يجعلها الآن أمام فرصة تاريخية كبرى لإعادة تركمانستان الكبرى، إلى الجسد الإسلامي، وعودتها هامة جدا للمسلمين، خاصة أنها مثلت في تاريخها الخزان العسكري للأمة الإسلامية، وهي أرض خيرات وثروات هائلة، بالإضافة إلى قابليتها للعب دور حضاري وعلمي وثقافي كبير، يساهم بشكل فعّال في النهضة الحضارية للمسلمين كما لعبته في الماضي.
وقد أدرك الغرب والروس خطورة الصعود التركي في المنطقة، وكان ذلك أحد أكبر أسباب الانقلاب ضد تركيا، فالغرب الذي دخل في صراع شديد مع روسيا في السنوات الأخيرة، عدل عن فكرة إسقاط النظام الروسي؛ لأن الخبراء الغربيين قدموا بحوثا ودراسات تشير إلى أنه في حال سقطت روسيا وتفككت، فإنّ المستقبل سيكون للجمهوريات الإسلامية السابقة، وأن الدور التركي سيكون العامل الحاسم في عودة الإسلام إلى هذه المنطقة، كما ذهبت البحوث والتقارير الروسية إلى نفس الفكرة، وهذا يؤكد بالفعل على أن الدور التركي في آسيا الوسطى أهم من أي دور آخر في العالم.
وتمثل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع إلى أوزباكستان حدثا استثنائيا، تلقته شعوب آسيا الوسطى بفرح وسرور بالغين، خاصة أنها أول زيارة لرئيس تركي إلى أوزباكستان منذ 16 سنة، وجلبت هذه الزيارة انتباه الكثير من الخبراء والساسة، خاصّة أن أوزباكستان تمثل القلب النابض لآسيا الوسطى، ومفتاح المنطقة الأساسي والأهم على الإطلاق.
أخيراً هذا هو المأمول من تركيا:
إن المطلوب من تركيا مضاعفة الارتباط الثقافي واللغوي بجمهوريات آسيا الوسطى؛ من أجل إحياء الشعور الإسلامي، الذي سيكون خطوة أولى وكبرى لعودة شعوب المنطقة إلى الإسلام، ونركز على مضاعفة الجهد الثقافي الديني؛ لأن اللعب على ورقة العرقية قد يفجر ورقة القوميات الصغيرة والاستقلال الذاتي.
————————————————————
المراجع:
– تركستان بين الدّب الروسي والتنين الصيني، الإسكندرية، دار الدعوة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1993.
-الطّرازي: نصر الله مبشر، تركستان ماضيها وحاضرها، القاهر، مكتبة الآداب للطباعة والتوزيع والنّشر، ط2010.
-بارتولد، تاريخ التّرك في آسيا الوسطى، نرجمه إلى العربية، أحمد السعيد، سليمان، القاهرة، الهيئة المصرية الهامّة للكتاب، ط1996.
-سلطان: سعيد أحمد، محنة المسلمين في آسيا الوسطى والقوقاز، القاهرة، ط2005.
-النّمر: عبد المنعم، إسلام لا شيوعية، القاهرة، دار غريب للطباعة، سنة1997.
http://www.mfa.gov.tr.ar.mfa
وزارة الخارجية التركية
حنان أبو سكين الصراع على النفوذ يحتدم في آسيا الوسطى – العرب
http://www.alarab.co.uk/?id=25380
آسيا الوسطى تبحث عن هوية جديدة-إيغور ليبوفسكي أستاذًا للدراسات الآسيوية في الجامعات الأميركية