مقالاتمقالات مختارة

الصراع في إفريقيا.. مؤشرات لغياب الشمس الفرنسية

الصراع في إفريقيا.. مؤشرات لغياب الشمس الفرنسية

بقلم حسن الرشيدي

«الأفارقة بحاجة إلى الاستعمار لمائة عام أخرى»!

كان هذا قول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في خطاب له أثناء حملته الانتخابية عام 2016م عندما كان مرشحاً رئاسياً قبل أن يتم انتخابه بالفعل ويصل البيت الأبيض في مطلع عام 2017م، ويواصل ترامب في هذا الخطاب هجومه على الأفارقة فيقول: «إنهم لا يعرفون شيئاً عن القيادة والاستقلال… إنهم مثال للكسل والغباء والشره للطعام والهوس بالجنس والعنف».

هذا الكلام الذي قاله ترامب ليس حديثاً مُنبَتّاً أو شاذاً، بل يعبِّر عمَّا يشعر به الغرب عموماً تجاه أصحاب البشرة السوداء في إفريقيا، وأن هذا الجنس يجب عليه أن يظل عبيداً وخدَّاماً لهم.

وبالرغم من انتهاء عصر العبيد والاستعمار، إلا أن التوجهات التنافسية بين القوى العالمية ما زالت تتطلع إلى إفريقيا الغنية بثرواتها، ولا يعترف الساسة والإستراتيجيون في الغرب في قرارة أنفسهم بأن شعوب هذه القارة تستحق أن تحيا في حرية، وتختار من يحكمها وتتمتع بثرواتها وما تحتويه أراضيها من كنوز وخيرات.

ومع بداية القرن الواحد والعشرين دخل التنافس العالمي على ثروات القارة منعطفاً جديداً، بدخول الصين وروسيا وغيرهما من القوى إلى حلبة هذا السباق.

ولكن في الشهور الأخيرة تصاعد الصراع الدولي على إفريقيا إلى مستوىً غير مسبوق، فيما ظهر أنه تراجع للنفوذ الفرنسي القديم والتاريخي، وتقدُّم روســـي يحـاول أن يـــرث هــذا النفــوذ، وعودة أمريكية بعد أن شغلتها أولويــات أكثر إلحاحاً، مع ملامــح ظاهرة لصعــود نخــب إفريقيــة تتطلــع إلــى استقــلال حقيقي.

وفي هذا المقال سنتناول الدور الفرنسي في إفريقيا، لكون فرنسا من أقدم اللاعبين في القارة السمراء؛ إذ نرصد ما بدا أنه تخبط في إستراتيجياتها وتراجع لنفوذها القديم هناك.

الشمس الفرنسية:

تاريخياً بدأ النفوذ الفرنسي في إفريقيا في أعقاب هزائم نابليون بونابرت في القرن 18، وإن كان بعض الباحثين يُرجع ذلك التدخل إلى القرن السادس عشر، ولكن تغلغل النفوذ الفرنسي في إفريقيا أخذ منحىً جدِّيّاً بعد هزيمة فرنسا أمام القوات البروسية في معركة سيدان عام 1871م، وفقدانها مقاطعتي الألزاس واللورين، وتردِّيها إلى حالة ضعف تخالف فكرة العظمة التي كانت تتباهى بها، الأمر الذي دفع قادتها في تلك الفترة، إلى البحث عن حلول تعيد إليها مجدها المفقود، فكان التوسع الاستعماري هو الملاذ، وإن رأى فيه معظمهم آنذاك مجرد مستوطنات ذات صبغة تجارية، للاستيلاء على خيرات البلدان الضعيفة.

وفي النهاية استطاعت فرنسا أن تفرض سيطرتها على أكثر من عشرين دولة إفريقية بين شمالي وغربي ووسط قارة إفريقيا، واستمرت في حكم 35% من مساحة القارة مدة 300 عام بحكم قمعي ووحشي راح ضحيته أكثر من مليوني إفريقي.

فنفوذ الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية ما بين عامي 1534 و1980م، امتد إلى أربع دول مغاربية هي (الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا)، كما ظلت مستعمِرة عدداً من الدول في غرب ووسط إفريقيا، وهي: السنغال، وبوركينا فاسو، وبنين، وغينيا، وساحل العاج، ومالي، والنيجر، وتوغو، وتشاد، وجمهورية الكونغو، والغابون، والكاميرون، وإفريقيا الوسطى، فضلاً عن جيوب كثيرة محسوبة جغرافياً على المحيط الهندي مثل: جزر القمر، ومدغشقر، وموريشيوش، ومايوت، ولارينيون، وسيشل، وأرخبيل زنجبار في تنزانيا، وجيبوتي.

ويظن كثيرون أن الحقبة الاستعمارية الفرنسية قد ولَّت ولم يتبقَ منها أثر، ولكن الحقيقة المرَّة أن الحقبة الاستعمارية ما زالت موجودة ولكن بأشكال مختلفة من خلال الإمبراطوريات الاقتصادية والشركات الأمنية، والأنظمة الديكتاتورية التي لا تتردد في استدعاء القوى الأجنبية وعلى رأسها القوات الفرنسية لضمان البقاء في السلطة.

صحيح خرجت فرنسا من إفريقيا، ولكن بعد أن وقَّعت مع كل دولة من مستعمراتها اتفاقيات بعضها معلن وبعضها سري تضع مصالح فرنسا أولاً وقبل كل شيء.

والخلاصة: أن فرنسا في غزوها لإفريقيا قد حددت لنفسها هدفين رئيسيين: أولاً استغلال الأفارقة كعبيد وسرقة ثروات هذه القارة، ثم توظيف تلك العوامل في ترسيخ الدولة الفرنسية على أنها دولة كبرى لها نفوذها وترتيبها في سلم النظام الدولي وهذا ما يؤكده الرؤساء الفرنسيون المتتابعون:

فهذا الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران يقول: دون إفريقيا فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين، ويؤكد على هذا المعنى الرئيس الفرنسي جاك شيراك حين يصرح بأنه: دون إفريقيا فرنسا سوف تنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث.

وبانتهاء عصر العبيد المباشر تركَّز الهدف الفرنسي على تعزيز نهب القارة وبقاء تدفق الأموال القادمة منها إلى خزينة الدولة الفرنسية.

وتنوعت إستراتيجية فرنسا لتحقيق هذه الأهداف كما الآتي:

أولاً: إستراتيجية ثقافية

تقوم هذه الإستراتيجية على إيجاد نُخَب متشبعة بالثقافة الفرنسية وإيصال هذه النخب للحكم سواء بطريقة ديمقراطية أم بانقلابات عسكرية لتبقي ولاء النظم السياسية في مستعمراتها السابقة لها وضمان دورانها في الفلك الفرنسي.

وكانت منظمة الفرنكفونية هي الأداة الرئيسة في هذه الإستراتيجية، والفرنكفونية هي رابطة تضم الدول والشعوب التي تتحدث الفرنسية لغة رسمية أو حتى لغة إضافية، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في القرن التاسع عشر، وقد صاغه عالِم الجغرافيا الاجتماعية الفرنسي أونيزيم ريكلو الذي يعتبره الكثيرون منظِّر الفرنكفونية باعتبارها أداة لتثبيت الاحتلال الفرنسي لمستعمراتها؛ إذ كتب الرجل: «إذا امتزجت لغة بشعب، فكل العناصر العرقية لذلك الشعب تغدو رهينة تلك اللغة»، فاللغة عند هذا المفكر هي عماد الإمبراطوريات، والعروة الوثقى للحضارات. ومن أقواله: «لن تظل اللغة الفرنسية حبيسة في ركن من العالم، بل ستصبح لغة مئات الملايين من البشر من شتى الأصول من أبناء يافث وسام وحام ويأجوج ومأجوج وأسلاف آخرين مجهولين»، وبدت النزعة العنصرية البغيضة في كلامه عندما كتب: «الفرنكفونيون الذين نقبلهم هم كل الذين أبدوا استعداداً للبقاء أو المشاركة في لغتنا، أولئك الذين نحن أسيادهم».

ومنذ ذلك الوقت صار تدريس اللغة الفرنسية إجبارياً في كل المستعمرات، وكانت تدرَّس لأطفال النخب وزعماء القبائل المحلية بصفة خاصة، وهو ما أوجد نخبة حافظت بعد الاستقلال الشكلي لهذه الدول على اللغة الفرنسية لغةً رسمية.

وتطور الشكل المؤسسي للفرنكفونية إلى الوضع الحالي حين تم تأسيس المنظمة رسمياً عام 1970م، ولعل أبلغ وصف لها هو الشرح الذي ذكره الكاتب المصري محمد حسنين هيكل حين كتب أن الفرنكفونية تيار غريب طارئ، ظهر فجأة على ساحة المنطقـة باعتباره مشروعاً طارئاً باسم الفرنكفونية، وهو مشروع منظمة غريبة لا تعبِّر بالنسبة لإفريقيا عن هوية ولا أمن ولا مصلحة ولا أمل؛ بل قامت على إنشائه الدولة الفرنسية بسلطتها، وتوجهه الدولة الفرنسية بأدواتها، وتديره الدولة الفرنسية بأجهزتها.

ويقول الكاتب الكونغولي آلان موبانكو: «نحن نعلم بأن المرشحين للمواقع الأساسية في المنظمة الفرانكفونية يكونون أقرب لتولي السلطة في الدول الأعضاء، ومعظمهم قامعون لشعوبهم وفاسدون، وفي المحصلة سنجد هيئة تتكون من شخصيات تحاول أن ترضي من ساعدهم للوصول إلى مناصبهم»، ويقر الكاتب بأن «الفرنكفونية وسيلة هيمنة خصوصاً حين نجد أن فرنسا ظلت تحتكر الحلول لمعظم مشاكل الشعوب الفرنكفونية».

لقد وصل التغلغل الفرنسي الثقافي والسيطرة على عقول الإفريقيين إلى درجة أن رئيس أول مؤتمر لعموم إفريقيا عام 1919م، وعضو الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) عن السنغال بليز دياني، قد صرح «نحن سكان المستعمرات نودُّ البقاء ضمن ممتلكات فرنسا في إفريقيا. لأنها أعطتنا كل أنواع الحرية، وعاملتنا كأطفالها دون أي تمييز. لا أحد منا يريد من فرنسا أن تترك إفريقيا للأفارقة فقط، كما يودُّ البعض».

وتقول ناتالي يامب، المستشارة لحزب الحرية والديمقراطية لجمهورية ساحل العاج: «بعد ستين عاماً لم تنل الدول الإفريقية الفرنكفونية استقلالاً حقيقياً ولا حرية»، وتضيف: أن الأمر يبدأ من المدارس التي تقرَّر مناهجها في فرنسا.

ثانياً: إستراتيجية عسكرية

أخذت هذه الإستراتيجية عدة أشكال بدءاً من الاحتلال العسكري المباشر، ثم بعد زوال عصر الاحتلال المباشر لأنه مكْلِف، اعتمدت على تسليح جيوش هذه الدول وإيصال النخب المتفرنسة – أي المتشبعة بالتربية والثقافة الفرنسية – أو العسكريين الطموحين إلى قيادة هذه الجيوش، لتشتعل الحروب الأهلية داخل الوطن الواحد، ويستعين أحد الأطراف المتحاربة بفرنسا ويقدم لها فروض الولاء والتعهد باستمرار.

وتاريخياً أسست فرنسا علاقتها بمستعمراتها على الدم والقتل، ووَفْقاً لتقرير مركز روبرت شومان للأبحاث الذي أصدره عام 2011م بخصوص خسائر الحرب العالمية الأولى، فإن 71 ألف جندي إفريقي في صفوف الجيش الفرنسي لقوا مصرعهم، معظمهم من المغرب والسنغال والجزائر وتونس ومدغشقر، ويشتهر في التاريخ العربي أنه حتى إعلان الجزائر استقلالها عام 1962م، سقط في حرب الاستقلال تلك أكثر من مليون شهيد على يد القوات الفرنسية.

وحتى المذبحة الإفريقية الأشهر التي جرت في رواندا حيث قتل 800 ألف شخص عام 1994م، فقد وثَّقت منظمة هيومن رايتس ووتش الدور الفرنسي في هذه المذابح. ووَفْقَ تقرير لهذه المنظمة فإن الجنود الفرنسيين في رواندا لم يأخذوا بعين الاعتبار المعلومات الاستخباراتية التي وردت إليهم بخصوص التحضيرات لإبادة جماعية، وأنهم غادروا المنطقة، بينما شارك عدد منهم في تلك المجازر. ووَفْقاً لتقرير آخر صادر عن هيئة الأبحاث الرواندية عام 2008م، فإن فرنسا كانت على علم مسبق بالمجازر التي ستقع في البلاد، وأنها قدمت الأسلحة والمعلومات المخابراتية للمتطرفين في هذا الإطار، حتى المحكمة الدستورية العليا بفرنسا في عام 2017م رفضت طلباً قدَّمه باحث يُجري أبحاثاً حول مجازر رواندا، للوصول إلى الوثائق المتعلقة بفترة وقوع تلك المجازر والموجودة لدى أرشيف رئاسة الجمهورية الفرنسية.

ومن التدخلات الفرنسية الحديثة ما حصل في ساحل العاج عام 2011م، حين تدخلت الطائرات الفرنسية لتقصف مطار أبيدجان عاصمة ساحل العاج لتنتصر لأحد المتنازعين على الحكم في تلك الدولة الإفريقية التي تعج بالثروات.

وفي إحصائية حديثة، فإن فرنسا نفَّذت في العقدين الماضيين تدخلات عسكرية نشطة في كلٍّ من جيبوتي ومالي وإفريقيا الوسطى وتشاد، فضلاً عن أن قواتها موجودة بحكم الواقع في العديد من البلدان كالسنغال وبوركينا فاسو والكونغو والغابون وغيرها.

ثالثاً: إستراتيجية اقتصادية

لقد استخدمت فرنسا دولاً مثل السنغال وساحل العاج وبنين لسنوات طويلة مركزاً لتجارة العبيد، كما نهبت كافة موارد المنطقة، لذلك تهيمن فرنسا على أهم الأصول الاقتصادية الكبرى الموجودة في معظم مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وتتحكم الشركات الفرنسية أيضاً بجميع الخدمات الرئيسية مثل المياه والكهرباء والهاتف والنقل والموانئ والبنوك الكبيرة، وينطبق الشيء نفسه على التجارة والبناء والزراعة، وأحدث الإحصائيات تقول: إن إيراد الخزانة الفرنسية حوالي 500 مليار دولار من الأرباح والعوائد السنوية القادمة من إفريقيا.

كل هذا بفضل تمكن فرنسا من وضع يدها على النظام النقدي في هذه الدول؛ إذ تواصل بلدان القارة السوداء التعامل بعملة الفرنك الإفريقي وهو مربوط باليورو، الذي تتم طباعته وتحديد قوته الشرائية من قبل باريس، ويجري تداول الفرنك الإفريقي في 12 دولة كانت سابقاً مستعمرات فرنسية، بالإضافة إلى غينيا بيساو (مستعمرة برتغالية سابقة) وغينيا الاستوائية (مستعمرة إسبانية سابقة)، وينقسم الفرنك المتداول إلى نوعين: فرنك وسط إفريقيا، وفرنك غرب إفريقيا، ويؤكد الباحث يان تايلور المتخصص في العلوم السياسية: أن الخطوة الأولى للاستقلال الحقيقي في إفريقيا هي دفن الفرنك الإفريقي.

لقد أنشأت فرنسا ما تُعرَف بجمعية المالية الإفريقية، التي تجبر البنك المركزي لكل دولة إفريقية على الاحتفاظ بنسبة 85% على الأقل من احتياطاتها من العملات الأجنبية في حساب تجاري في البنك المركزي الفرنسي التابع لبنك الرقابة المالية الفرنسي، ولا تملك الدول الإفريقية حق الوصول إلى هذه الأموال واستغلالها. ذلك أن فرنسا تسمح لها بالوصول إلى 15% فقط من الأموال في السنة. وإذا كانت الدولة الإفريقية التي تسير في الفلك الفرنسي بحاجة إلى المزيد منها، فعليها اقتراض أموال إضافية من الخزانة الفرنسية، وفي الوقت نفسه تحتفظ فرنسا بالاحتياطات الوطنية لـ 14 دولة إفريقية منذ عام 1961م، وهي: بنين، وبوركينا فاسو، وغينيا، بيساو، وساحل العاج، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو، والكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، والكونغو برازافيل، وغينيا الاستوائية، وغابون.

بلغة الأرقام ومع منتصف العام الماضي فإن الوجود الفرنسي الاقتصادي في القارة يبلغ: 1100 شركة كبرى، و 2100 شركة صغرى وثالث أكبر محفظة استثمارية بعد بريطانيا والولايات المتحدة.

مرحلة الأفول:

لم يستسلم كثير من الأفارقة للنفوذ الفرنسي وسياسة استحلاب الموارد الإفريقية، فمنذ عصر الاستقلال المزيف في أواخر الستينيات من القرن الماضي قامت حركات تحررية في مناطق النفوذ الفرنكفوني محاولةً كسر الأغلال الفرنسية.

وعلى سبيل المثال: هناك الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري الذي سعى إلى استقلال حقيقي عن فرنسا وقال جملته الشهيرة: «نحن نفضل أن نعيش بحريتنا على أن نعيش عبيداً بترف»، وهناك أيضاً سيلفانوس أوليمبيو أول رئيس منتخب لجمهورية توجو، الذي رفض التوقيع على اتفاقية استمرارية الاستعمار التي تقدمت بها فرنسا، فأوقف التعامل بعملة الفرنك الإفريقي، وقام بصك عملة جديدة وبعد ثلاثة أيام من البدء في طباعة العملة الجديدة، قامت مجموعة من الجنود المدعومين من فرنسا بقتل أول رئيس منتخب، حيث قُتِل على يد عضو سابق في الفيلق الأجنبي الفرنسي برتبة رقيب.

وخلال الخمسين عاماً الأخيرة حدث ما يقرب من 67 انقلاباً في 26 دولة إفريقية، 16 منها كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي، وهو ما يعني أن 61٪ من الانقلابات حدثت في إفريقيا الناطقة بالفرنسية.

لقد بدت الإستراتيجيات الفرنسية السابقة سواء بالتغلغل الثقافي أم بالتدخلات العسكرية أم بالهيمنة الاقتصادية غير مجدية؛ وهو ما أصاب النفوذ الفرنسي في إفريقيا بمقتل وبدا متراجعاً، فقد استيقظت الشعوب الإفريقية وازداد وعي الشباب بتاريخ فرنسا الاستغلالي والدموي مع هذه الشعوب.

ويرصد تقرير أعدته المحطة التليفزيونية الألمانية دويتشه فله أنه منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين يَعِدُ كثير من السياسيين الأفارقة شعوبهم بالابتعاد عن النفوذ الفرنسي والتخلص منه.

يقول خبير الجغرافيا السياسية الفرنسي ميشيل غالي والمتخصص في المسائل الإفريقية: «هناك صحوة للنخب والجاليات الإفريقية المقيمة خارج بلدانها الأصلية، فهؤلاء الأفارقة الحاصلين على تكوين أكاديميٍّ عالٍ، والذين بينهم من يعمل ويقيم في فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح لهم دور محوري في بث الوعي في صفوف مواطنيهم، وحثهم على أخذ مصيرهم بزمام أيديهم، مع كل ما توفره التكنولوجيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي من دعم في هذا الصدد».

وما لم يقله الخبير الفرنسي أن الشباب الذي يعيش داخل البلدان الإفريقية الفرنكفونية محروم من الحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا، وبعضهم يسلك وأسرته طريق الهجرة غير الشرعية وقد يغرق في البحر، في وقت يشهد الشباب التلاعب في نتائج الانتخابات وهو ما يدفعه للثورة على النخب الحاكمة المرتبطة بفرنسا، لقد أصبح الأفارقة أكثر وعياً وقدرة على استيعاب موازين القوى والأطماع الخارجية المحدقة بهم.

حاولت فرنسا استدراك الأمر وصياغة إستراتيجية جديدة تحتفظ بها بنفوذها في الدول الإفريقية الفرنكفونية وتغلفها بتصريحات تحمل اعتذاراً للشعوب الإفريقية وما جرى لها من مذابح ومظالم في الحقبة الاستعمارية الفرنسية. فقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الفرنسية الإفريقية، قائلاً: إن الاستعمار كان خطأً فادحاً، وذلك أثناء زيارته لساحل العاج، وأضاف ماكرون أن إفريقيا قارة فتية من حيث عددُ سكانها، داعياً جيل الشباب الإفريقي لإقامة علاقات صداقة جديدة مع بلاده.

ولكن بحسب البروفيسور يان تايلور المتخصص بالسياسية الإفريقية في جامعة سانت أندروز في أسكوتلندا فإن: الوعود بفتح صفحة جديدة بين فرنسا ومستعمراتها لا يعدو كونه كلاماً في كلام ومجرد طقس فالساسة في فرنسا يَعِدُون بالتغيُّر، لكن بعد استلامهم مهامهم سرعان ما يلاحظ الرؤساء الفرنسيون أن المصالح السياسية والاقتصادية لبلادهم في القارة السمراء كبيرة وأن ليس هناك مصلحة حقيقة لدى الفرنسيين بأي تغيير.

شمس فرنسا آخذة في الأفول والشعوب الإفريقية ستتخلص إما آجلاً وإما عاجلاً من الإرث الفرنسي البغيض.

المصدر: مجلة البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى