إعداد آلاء يوسف
عناوين كثيرة تصدرت حملات وتحقيقات صحفية ـ سطرت بأقلام عربية، ابتلع كاتبوها الطٌعم “الإسرائيلي”، الذي دأبت السياسة الصهيونية على اصطياد الرأي العام العربي به، توقيتاً وتوجيهاً، عبر ما تنشره وسائل إعلامها من أخبار تتهافت عليها الصحافة العربية.
ورغم وجود شبه اتفاق من قبل المتابعين على أن ذلك التناول الإعلامي قارب الحقيقة في بعض جوانب الأزمات السياسية المثارة؛ إلا أن انسياق المعالجات العربية خلف الأبواق الصهيونية، المتميزة بالسبق والانفراد في نشر نوعية الأخبار المثيرة للرأي العام العربي، لا بد أن يُعاد النظر إليه بشكل آخر.
غياب المبدأ
لا شك أن ما عانته العديد من البلدان العربية خلال السنوات الماضية، من غليان وغضب سياسي مستمر، أفرز بعض التيارات السياسية التي استغلت حالة الاحتقان السياسي، لإثبات فشل الأنظمة، من خلال بث بعض الأخبار غير الموثوقة حتى لو كان المصدر صهيونياً يعتبرنا جميعاً أعداء له.
تتمثل آفة بعض التيارات في مهاجمتها المستميتة للأنظمة، دون أن تظهر مبدأ واضحاً ذا ثبات؛ إذ تجد الخبر المثير للغضب الشعبي ضد الحكومات هو الهدف الأول أياً كان مصدره
وتتمثل آفة بعض التيارات في مهاجمتها المستميتة للأنظمة، دون أن تظهر مبدأ واضحاً ذا ثبات؛ إذ تجد الخبر المثير للغضب الشعبي ضد الحكومات هو الهدف الأول أياً كان مصدره؛ وفي ظل ممارسة إعلامية دولية احترافية وإمكانيات تمويلية وفيرة، يصبح لتلك الرؤية رواج واسع، وبريق جاذب لوسائل الإعلام المحلية الخاصة، لا سيما المعارِضة منها.
ويظل السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الواقع المظلم، هو: لماذا يستمر البعض في تأثيره على قطاع واسع من الرأي العام، رغم ما بدى للبعض من سوءاته؟
ضريبة القمع
قد نتلمس إجابة ذلك السؤال في ظل حالة القمع الممارس من قِبل بعض الحكومات، وتضييقها على أي صوت إعلامي معارض؛ إذ لا يبقى أمام الجمهور خيار لمعرفة الرأي الآخر سوى تلك الأبواق الإعلامية،
كما غيب التضييق السياسي الخانق الذي تعيشه البلدان العربية، المنابر الإعلامية المعبرة عن تيارات المعارضة الحقيقية؛ باستثناء بعض المحاولات التي استطاعت أن تعبر عن رأيها، بإمكانيات مهنية ومادية ضيقة لا تكفي لخلق صوت واضح يؤثر على الرأي العام، أو بمحاولات بث من خارج البلاد قد يوحي ببعدها عن مطحنة السياسة الداخلية.
لقد غيب التضييق السياسي الخانق الذي تعيشه البلدان العربية، المنابر الإعلامية المعبرة عن تيارات المعارضة الحقيقية
وفي ظل تعقيدات الوضع الإعلامي العربي، نجد أنفسنا أمام حقيقة نجاح الإعلام الصهيوني في اختراق الرأي العام العربي والإسلامي بإثارته وتأجيجه، عبر سلاسل من الأبواق الإعلامية.
بل إن العديد من وسائل الإعلام، التي طال التزامها بالمبادئ الإسلامية، سقطت في الفخ ذاته، مخالفة الهدي القرآني بالتبين عن مصدر الأنباء {يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، وهو ما كبّد قطاعاً واسعاً من التيارات الإسلامية المعتدلة ثمناً سياسياً واجتماعياً باهظًا.
ولا يستطيع أيٌ منا رفع اللوم عن المعارضة الحقيقية وأذرعها الإعلامية على سقوطها في ذلك الفخ المحكم، لا سيما وأنها في كثير من الأحيان تمثل تيارًا نخبويًا فكريًا؛ إلا أن المتهم الحقيقي في تردي أوضاع الإعلام العربي واختراقه بذلك الشكل المرعب، هي الأنظمة التي دأبت على الانحسار في “نظرية الرصاصة الإعلامية”، متعمدة تغييب العديد من الحقائق عن الرأي العام، بحجة الحفاظ على هدوئه واستتباب وضعه الأمني.
المتهم الحقيقي في تردي أوضاع الإعلام العربي واختراقه هي الأنظمة التي دأبت على الانحسار في “نظرية الرصاصة الإعلامية”، متعمدة تغييب العديد من الحقائق عن الرأي العام، بحجة الحفاظ على هدوئه واستتباب وضعه الأمني
وهم السيطرة
ولا يمكن رؤية الممارسات القمعية من قبل بعض الأنظمة، في ظل التطور التكنولوجي الحالي، والتدفق اللانهائي من المعلومات، إلا أنها حالة من اللامنطقية، تسفر في النهاية عن فقدان الثقة بين الرأي العام والحكومات، ما يجعل تصور السيطرة على الرأي العام نوعًا من الوهم.
فمحاصرة المعلومة أو الخبر في ظل وجود شبكات التواصل الاجتماعي يعتبر عبثاً محضاً، وتوسيعاً للفجوة بين الحكومات ومعارضيها من الشعب، لا سيما في ظل انتشار أخبار سجن واعتقال المصورين والإعلاميين، لمجرد سيرهم على غير خطى النظام، وهو ما يعيد الرأي العام لنقطة انعدام الثقة من جديد والقابلية لتقبل أي معلومة دون التمعن في مصدرها.
ويزيد من تعقيد الموقف، ذلك الصمت التام، الذي تختاره بعض الأنظمة، إزاء ما تبثه وسائل الإعلام الصهيونية ـ الرسمية والخاصة ـ وأعوانها، خصوصاً وأن معظم ما يبث يدور حول توطيد علاقات تلك الأنظمة مع الكيان، والتخطيط لمزيد من التعاون معه على كافة الأصعدة، وهو ما يستقرئه الرأي العام في كثير من الأحيان كعلامة موافقة، أو علامة ضعف للموقف العربي.
وتأتي الصور التي تبث لبعض قادة المنطقة في زيارات رسمية للكيان الصهيوني، فضلًا عن ما تتضمنه خطاباتهم الرسمية من عبارات تكشف عن تقاربهم الواضح مع الاحتلال، لتزيد الأوضاع سوءاً، وشكوكًا في الحكومات بشكل يمثل تهديدًا حقيقيًا عليها وعلى الرأي العام بشكل يزيد من فرص التسلل إليه عبر سلاح المعلومات.
وينبغي التنويه إلى أنه بعد الثورات التي اجتاحت المنطقة، فإن المواطن العربي أصبح أكثر وعيًا وحساسية تجاه النتائج السلبية، التي لا يمكن إخفاؤها عبر البيانات الرسمية، والخطابات الحكومية، ولذلك فإن مواجهة الرأي العام بالحقائق بشفافية، ربما يخلق حالة من الثقة بين الشعوب وحكوماتها، تضيق السبيل أمام محاولات الاختراق المختلفة.
رؤية واقعية
ومع الإقرار بما يلوح في الواقع من قتامة، فإن تنويره قد يبدأ من محاولة استقرائه بشكل أكثر واقعية وصدق مع الذات؛ لأننا نواجه رؤية صهيونية خالصة، عولجت ونُشرت وتفشت بأقلام عربية، قد يصدق على بعضها اتهامات الانتهازية والمصلحة، بينما سقط بعضها الآخر ضحية لمطرقة القمع النظامي، وسندان البث الإعلامي “الإسرائيلي”.
وتظل النتيجة الجلية المؤلمة، رغم اختلاف الرؤى والتحليلات، هي أن الرأي العربي قد تزلزل بقلم عربي؛ لذلك، وفي ضوء ما تقدم، يمكننا القول:
إن الإعلام الصهيوني، باعتباره جزء لا يتجزأ من الدولة الصهيونية، قد حقق نجاحًا واضحًا؛ إذ إن ممارساته تسري بانسيابية متوافقة ومتكاملة مع استراتيجية توسعية من الطراز الأول.
وفي الوقت ذاته، فإن ما يعانيه الرأي العام العربي والإسلامي من تشتت واضح، يُعد ثمنًا مكافئًا ونتيجة متوقعة للخصومة المحتدمة بين الأنظمة والمعارضة السياسية بوسائلها الإعلامية المختلفة، بشكل يعكس الواقع الموحش في المنطقة.
إن ما يعانيه الرأي العام العربي والإسلامي من تشتت واضح، يُعد ثمنًا مكافئًا ونتيجة متوقعة للخصومة المحتدمة بين الأنظمة والمعارضة السياسية بوسائلها الإعلامية المختلفة، بشكل يعكس الواقع الموحش في المنطقة
وهذا ما يجعلنا نؤكد أن المجتمعات العربية والإسلامية تحتاج لإعادة هيكلة للرؤية الإعلامية، في إطار الاستراتيجيات الكلية لأوطانها، وهو ما لن يتحقق في ظل تضاد الأهداف والمصالح، فضلًا عن ضرورة التعامل مع التيار المعارض باعتباره ظاهرة طبيعية في الممارسات السياسية، وأن رفضه في مجال الإعلام هو محاربة للذات.
كما أن الإعلام المعارض بحاجة لمعالجة موضوعية وحرفية، ليستطيع مجابهة ذلك الكم من التضييق والتغييب المتعمد، لينجح في دوره التنويري للرأي العام؛ إذ إن إشعال نيران التأجيج لا تحقق أي مصلحة مرجوة في أي اتجاه.
ونؤكد في الختام أن على الإعلام العربي المعارض مسؤولية الالتزام بالموضوعية وتقديم مصلحة الوطن على الخصومات السياسية، وعلى الإعلام الرسمي واجب مراعاة الشفافية في إطار المسؤولية الاجتماعية؛ إذ إن دوره يتمثل في مد الرأي العام بالمعلومات الحقيقية، والتعبير عن توجهاته واحتياجاته، لا أن يكون بوقا لصوت النظام، معاديا لمن عارضه من أبناء الوطن.
(المصدر: موقع بصائر)