الشيخ محمد الحسن ولد الدَّدَو: «التطبيع» اندماج كامل في المشروع الصهيوني
أجرى الحوار شيخن البان
قال الشيخ محمد الحسن ولد الدَّدَو، رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا: إن التكييف الشرعي والأخلاقي للتطبيع مع الكيان الصهيوني أنه غدر وخيانة، ومؤازرة للأعداء على أهل الإيمان، وخذلان للمستضعفين من المسلمين، وتنازل عن مقدسات المسلمين وأملاكهم، وهزيمة وفرار من الزحف، ومشاركة في الظلم والعدوان واحتلال الأراضي الإسلامية المباركة، مؤكداً أن التطبيع الحاصل اليوم من طرف بعض الدول الإسلامية يمثل اندماجاً كاملاً في المشروع الصهيوني، ومشاركة له في عمله وتنسيقاً أمنياً معه، بهدف قتل الشعب الفلسطيني المُرابط على أكناف المسجد الأقصى وبيت المقدس.
وأضاف الشيخ الددو، في حوار لـ«المجتمع»، أن التطبيع خيانة ومنكر يجب تغييره وإنكاره وبيان حكمه وخطره وأثره للمسلمين عامة، وخاصة حكاماً ومحكومين، موضحاً أنه من الضروري اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى تبيانُ الحكم الشرعي من التطبيع للدول العربية والإسلامية التي لم تُطَبِّع، والتأكيد على أنه لا يحل لها أن تُقْدِمَ على ما أقدمتْ عليه بعض الدول التي طبَّعت مع الكيان الصهيوني، وأصبحت شريكة وموالية ومساعدة له في تحقيق أهدافه المتمثلة في اضطهاد الفلسطينيين وتدنيس واغتصاب الأراضي الفلسطينية والمقدسات الإسلامية.
يأتي حوار «المجتمع» مع العلامة الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي بعد إصدار 200 عالمٍ موريتاني، في 31 يناير الماضي، فتوى تُحرِّم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد خلصت الفتوى الموريتانية -التي وقّعها أغلب علماء موريتانيا وعلى رأسهم العلامة الشيخ محمد الحسن الددو- إلى أن «العلاقة مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين والمحتل لبيت المقدس وأكنافه حرام لا تجوز بحال»، وذلك لأسباب عديدة، منها أن التطبيع يُمثّل تخلّياً عن فريضة الجهاد، وتدنيساً للمسجد الأقصى المبارك، وتحالفاً مع العدو الصهيوني الغاصب، وخذلاناً لإخواننا المسلمين في فلسطين، ومشاركة في قتلهم وموافقة على استمرار اضطهادهم من قبل الصهاينة الغاصبين.
أشكر لـ”المجتمع” أداءها المتميز ودفاعها عن الإسلام والقضايا العادلة خلال عقود من الزمن
وقّعتم، أخيراً، على فتوى موريتانية تُحرِّم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ما أهداف هذه الفتوى؟ ولماذا جاءت الآن تحديداً؟
– في البداية، أشكركم وأشكر لمجلة «المجتمع» أداءها المتميز وفضلها الكبير طيلة عقود من الزمن، دأبتْ خلالها على نشر الوعي والدفاع عن الإسلام، ونصرة الحق والقضايا العادلة، ونشر كلام أهل العلم والفكر والصدق.
أما بخصوص السؤال، فالجواب أن الفتوى هدفها واحد دائماً، وهو بيان الحق للناس، وهي واجبة على العلماء، وبالأخص في هذا الوقت الذي سارع فيه الكثير من حكامنا في البلاد الإسلامية إلى التطبيع مع الصهاينة، لذا لا بد من بيان الحكم الشرعي، ولا يحل السكوت على المنكر، فقد صحّ عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من رأى منكم منكراً فلْيغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، والتطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة ومنكر، فيجب تغييره وإنكاره، ويجب بيان حكمه لمن لم يقع فيه بَعْدُ ليحذر ذلك، فنحن نخاف على الدول التي لم تُطبِّع، فنبيّن لها الحكم الشرعي، وأنه لا يحل لها أن تُقْدِمَ على ما أَقدمتْ عليه الدول التي طَبَّعتْ مع الكيان الصهيوني.
ما التكييف الشرعي والأخلاقي للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
التكييف الشرعي والأخلاقي لـ»التطبيع» أنه غدر وخيانة وتنازل عن المقدسات الإسلامية
– التكييف الشرعي والأخلاقي للتطبيع مع الكيان الصهيوني أنه غدر وخيانة، ومظاهرة للأعداء على أهل الإيمان، وخذلان للمستضعفين من المسلمين، وتنازل عن مقدسات المسلمين وأملاكهم، وهزيمة وفرار من الزحف، ومشاركة في الظلم والعدوان، والتطبيع الحاصل اليوم اندماج كامل في المشروع الصهيوني ومشاركة له في عمله وتنسيق أمني معه.
ما الدور الذي ينبغي أن يقوم به علماء المسلمين من أجل مقاومة التطبيع وتحرير أرض فلسطين؟
– يجب على العلماء أن يُبيّنوا للناس الحكم وألا يكتموه، وأن يُظهروا الحق، وأن يكونوا قوّامين بالقسط شهداء لله، وأن يصبروا على ما يصيبهم في سبيل ذلك، وأن يثبتوا على الحق، وألا يخضعوا لابتزاز ولا لاستفزاز، ويجب عليهم كذلك ما يجب على غيرهم من المسلمين، فالعلماء فيهم الفقراء والأغنياء، وفيهم من لديه وسيلة لإيصال صوته وفيهم من ليس كذلك، وبالتالي فكلٌّ على حسب ما يجب عليه، وحسب ما يستطيع.
كيف تنظرون إلى “صفقة القرن”؟ وما تأثيرها على حاضر ومستقبل المسلمين؟
– ما تسمى بـ«صفقة القرن» ليست صفقة في الواقع، إنما هي اغتصاب وسرقة ونهب لأرض المسلمين ومقدساتهم وممتلكاتهم وإعطاء ذلك لمن لا يستحقه، فالمُعطِي غير
ما يسمَّى «صفقة القرن» اغتصاب وسرقة ونهب لأرض المسلمين وممتلكاتهم
مالك، والمُعطَى له لا يستحق، ومن يأخذ رشوة على ذلك من حكام المسلمين إنما يتقاضى رشوة مقابل دينه وشرفه، فهو يبيع دينه وشرفه، ويكون خائناً بما يرجو أخذه من مال، ولكن الواقع أنه لا ينال خيراً من ذلك، فالكيان الصهيوني ما نال منه أحد قطّ خيراً، والخبر الصحيح في ذلك عند الذين ذهبوا إلى أوسلو من الفلسطينيين وطبَّعوا وعقدوا العقود مع الكيان الصهيوني، ولكنهم لم يحصلوا إلا على «خفي حنين».
ينظر البعض إلى “التطبيع” على أنه بمثابة عقد “صلح” بين طرفين، كيف تفسرون ذلك؟ وهل هناك علاقة بين التطبيع والصلح؟
– لا علاقة بين التطبيع والصلح، وتفسير ذلك أنه غفلة أو تجاهل للحال، فالصلح معناه أن تكون هناك حرب قائمة بين المسلمين ومن سواهم، فيقع الصلح بينهم لمدة معينة (هدنة)، كما عقد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع قريش في الحديبية، فقريش غير محتلّين لأرض إسلامية آنذاك، بل في ديارهم، وعقد معهم النبي صلى الله عليه وسلم هدنة محددةَ الأجلِ بعشر سنين، ولكنهم نقضوا العهد بعد سنة وأشهر، ومن المعلوم أن المطبِّعين الآن ليست بينهم وبين الكيان الصهيوني حرب، فالحرب عهدها قديم إذ كانت عام 1973م، وقد مضى عليها وقت كثير، وبالتالي فإن الحرب الآن ليست قائمة حتى يُقال: «نعقد الصلح»، ولا مصالحة على التنازل عن المقدسات أو الأرض أو العرض، فهذا تنازل عن الدين ولا يحلُّ الصلح عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والصلحُّ جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحَلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً».
شاركت دول إسلامية في التطبيع، هل يمثل ذلك إقراراً بالموافقة على احتلال فلسطين من طرف الصهاينة؟
المشاركة في التطبيع مؤازرة للعدو الصهيوني على قتل الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه
– نعم، لا شك أنه خيانة ومؤازرة ومظاهرة للعدو الصهيوني على قتل الشعب الفلسطيني، واحتلال المقدسات والأرض المباركة، وتَتْبير ما فيها جميعاً، ومن وافق على ذلك فهو شريك للصهاينة وقد هادَ إليهم ووالاهم.
على المستوى الشخصي، ما الذي يمكن أن يقوم به الفرد المسلم للوقوف في وجه التطبيع مع الصهاينة؟
– الجواب أن ذلك بحسب حال الفرد، فإذا كان الفرد حاكماً فيجب عليه أن يتخذ القرار المناسب برفض التطبيع والسعي إلى تحرير المقدسات بكل ما يملكه من جيشٍ وقوةٍ وضغطٍ ودبلوماسيةٍ وغير ذلك، وإذا كان تاجراً أو غنياً عليه أن يبذل ماله، وإذا كان إعلامياً عليه أن ينشر الوعي في صفوف الأمة ويحذر من التطبيع ويُبين خطره وضرره وأثره، وهكذا بحسب حاله ومستواه.
هل من كلمة أخيرة؟
– نعم، على المسلمين جميعاً أن ينطلقوا في كل تصرفاتهم من شرع الله، وألا ينبذوا هذا الشرع وراء ظهورهم، فإن من أعرض عن شرع الله تعالى سيذهب الله به ويأتي بمن هو خير منه، فالله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54).
(المصدر: مجلة المجتمع)