الشيخ سيد قطب وقضية التكفير
بقلم راجي سلطاني
رُمي الشيخ سيد قطب بواحدة من أشد ما يُرمى بها عالم أو شيخ أو مفكر في الإسلام، وتلك التهمة هي تهمة التكفير.
و#التكفير هو من أخطر ما حدث للفكر الإسلامي المعاصر، إذ عليه استباح الناس دماء بعضهم، وماجت البلاد العربية والإسلامية بموجات من العنف والتفجير، حتى أصبح الالتزام بالإسلام فكراً ومظهراً من البعض باعثاً على الخوف والارتياب من عموم الناس من ذلك البعض، وقد تمثل ذلك أكثر ما تمثل في بلاد الغرب، ورأينا مشاهد لناس مفزوعين لمجرد رؤية رجل ملتح أو امرأة منتقبة، بل وأنتجت العديد من البرامج والأفلام والمسلسلات الساخرة من هذه الظاهرة.
وأصبح الناس في الغرب والشرق يخافون من الإسلام ومعتنقيه أكثر مما يخافون من أي شيء.
ونستطيع أن نقول إن الغرب والشرق قد اجتمعا جميعاً على الخوف من الإسلام…كفكرة تنتشر بين الناس انتشاراً مفزعاً يُخشى معها على المعتقدات والأفكار المحلية والخاصة لمختلف البلدان، وكباعث على التكفير والتفجير والإرهاب.
انتسب أكثر التكفيريين للشيخ سيد قطب، وأخذوا عن كتاباته عن غير فهم ووعي لما رمى إليه الشيخ وأصّل له.
وأصبح الجميع يرون أن الشيخ سيد هو شيخ التكفير في العصر الحديث، وأعجبُ العجب أن يُتهم الشيخ سيد وفكره بهذه التهمة من أبناء الحركة الإسلامية السياسية التي ينتمي إليها الشيخ سيد، والتي كان هو واحداً من أبرز مؤسّسيها ومنظّريها.
أعجبُ العجب أن يُتهم الشيخ سيد وفكره بهذه التهمة من أبناء الحركة الإسلامية السياسية التي ينتمي إليها الشيخ سيد، والتي كان هو واحداً من أبرز مؤسّسيها ومنظّريها
فنادى بعض من انشقوا عن جماعة الإخوان المسلمين إلى أن تتخلص الجماعة من فكر التكفير ومن الفكر الخاص الذي بذره فيها الشيخ سيد قطب ورعاه تلامذته من أبناء التنظيم الخاص الذين يسيطرون على الجماعة الآن -على حسب رأيهم-.
ونادى هؤلاء بضرورة العودة لميراث الشيخ حسن البنا المؤسس الأول، وادعى بعضهم أن الشيخين (البنا وقطب) شيخان مختلفان في المنطلقات والمنهجية والأسس، وأن الجماعة الآن لم تعد جماعة حسن البنا، ولكنها أصبحت جماعة سيد قطب.
هكذا رأى هؤلاء، ولا عجب فيما رأوه، فلقد كان خروجهم على التنظيم هو المس الشيطاني الذي مسهم جميعاً، فقلب حالهم رأساً على عقب، وقلب رؤاهم وتصوراتهم كذلك، فأصبحوا من أشد المهاجمين لما كانوا يدافعون عنه بالأمس، ومن أشد الداعمين لما كانوا أعداءه من قريب.
وأصبح لسان حالهم، فلينهدم المعبد على من فيه طالما خرجنا منه وأُخرجنا.
وادعى البعض أن كتاب دعاة لا قضاة الذي كتبه قادة الإخوان المسلمين في سجون عبد الناصر، ونُسب بعد ذلك للشيخ حسن الهضيبي المرشد العام حينها، ادعوا أن ذلك الكتاب قد كُتب خصيصاً للرد على أفكار سيد قطب التي كانت قد انتشرت بين شباب الإخوان في السجون.
وذلك ليس صحيحاً مطلقاً، ولم يذكره كتّاب الكتاب في ثناياه ولم ينبّهوا عليه.
والمقطوع به أن هذا الكتاب كان للرد على أفكار التكفير التي انتشرت بين شباب الإخوان في السجون من كثرة ما تعرضوا له من تعذيب وحشي ممنهج، والذي أدى لتساؤلاتهم: هل هؤلاء الذين يفعلون بنا ذلك مسلمون؟!
بل إن هناك شهادة تاريخية شهد بها تلامذة الشيخ سيد قطب ومرافقوه في السجن في أيامه الأخيرة أمثال (الدكتور محمد بديع المرشد العام الحالي، والدكتور محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام الحالي، والدكتور رشاد البيومي نائب المرشد العام الحالي).
فقد ذكر هؤلاء_ وكانوا ملازمين للشيخ في السجن في أثناء انتشار فكرة التكفير_ أنهم سألوا الشيخ سيد مباشرة عن رأيه في مسألة التكفير، فرفضها الشيخ بقوة وأنكرها.
هناك شهادة تاريخية شهد بها تلامذة الشيخ سيد قطب ومرافقوه في السجن في أيامه الأخيرة حيث إنهم سألوا الشيخ سيد مباشرة عن رأيه في مسألة التكفير، فرفضها الشيخ بقوة وأنكرها
وجاءت أغرب الرؤى وأدهشها في قضية (الشيخ سيد قطب والتكفير) من الدكتور يوسف القرضاوي، حيث ذهب الدكتور يوسف إلى ما ذهب البعض إليه من أن فكر سيد قطب كان فكراً تكفيرياً، وقطع الشيخ يوسف بذلك كتابة وخطابة.
ولما رد عليه الكثيرون من أبناء الحركة الإسلامية وأنكروا عليه ما ذهب إليه، وذكروا له شهادة من عاصر الشيخ سيد قطب وسأله في المسألة مباشرة، قال الدكتور يوسف: حاكموني في المسألة إلى ما كتبه الشيخ سيد قطب، لا إلى ما يُحكى عنه شفاهة.
وعمدة ما يعتمد عليه من يتهمون الشيخ سيد بتهمة التكفير كتابه (معالم في الطريق).
ولقد قرأت الكتاب ودرسته وذاكرته فما خلصت منه إلى ما خلص إليه البعض في مسألة كون الشيخ سيد تكفيرياً.
ولكن ما رأيته في الكتاب أن الشيخ سيد قد عالج في كتابه مسألة الإيمان والكفر الخاصة بالمجتمعات وأنظمتها الحاكمة، وهي مسألة غير مسألة إيمان الأفراد والأعيان بذواتهم.
فإيمان الفرد إنما يُقطع به بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، على أن لا يُنكر معلوماً من الدين بالضرورة، وهذا ما عليه أغلب عموم المسلمين، وهو ما لم يتعرض له الشيخ سيد قطب ولم يقصد إليه.
إنما كان حديثه كله عن إيمان المجتمعات والأنظمة والدول، فالمجتمعات لا يكون إيمانها إلا بما أوجبه الله عليها لكي تكون مجتمعات مؤمنة، من تحكيم لشرع الله والسير على منهجه وهداه.
فإيمان الأفراد يكون بالإقرار بالشهادة وإيمان المجتمعات يكون بالإقرار بالشريعة .
وبذلك يرى الشيخ سيد أننا في بلادنا الإسلامية المعاصرة أصبحنا نعيش في (مجتمعات كافرة أفرادها مؤمنون).
وهذه الجملة السابقة بين القوسين هي خلاصة فكرة الشيخ سيد قطب كما رأيتها في كتاباته.
إيمان أفراد وإيمان مجتمعات، وكفر أفراد وكفر مجتمعات.
ولقد كان الشيخ سيد مفكراً أديباً شاعراً أكثر من كونه عالماً فقيهاً، والمجاز في الكلام عند الأدباء والشعراء حاضرٌ كثيرُ الاستخدام.
والكفر من الألفاظ التي تعطي معاني كثيرة غير المعنى الذي يتبادر للذهن لأول وهلة، والذي هو الكفر المخرج من ملة الإسلام الموجب للجحيم في الآخرة.
فمن معاني الكفر الإنكار والجحود، وهو ما قصده الشيخ سيد قطب بحديثه عن كفر المجتمعات.
فقد أنكرت المجتمعات في عمومها منهجية الإسلام وحاكمية الإسلام، وبهذا الإنكار ينسحب على هذه المجتمعات في عمومها وصف المجتمعات الكافرة، غير أن ذلك لا ينسحب على الأفراد؛ كل فرد على حدة، فلا نستطيع أن نقول أن كل فرد في هذه المجتمعات كافر، وإنما الذي عليه الاعتقاد أن إيمانَ عموم المسلمين كأفراد إيمانٌ لا ريب فيه، وهذا هو ما كان يعتقده الشيخ سيد قطب، وما قطع به مرافقوه في السجون في شهادتهم التاريخية.
ولقد ذكر الأستاذ محمد قطب في شهادته على أخيه السيد في قضية التكفير ما نصه: (لقد سمعته أكثر من مرة يقول: إن الحكم على الناس يستلزم وجود قرينة لا تقبل الشك، وهذا أمر ليس في أيدينا، ولذا فنحن لا نتعرض لقضية الحكم على الناس، فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة، دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليها).
كما أننا لا بد هنا أن نشير إلى أن هناك فرق كبير بين الحكم بالكفر والمعاقبة عليه والأخذ به، فإن الحكم على الناس بالكفر إن قطع به أحدٌ لا يعني أن يُستحل به دمهم ومالهم كما يذهب الغلاة الظلاميون الجاهلون ، وفي هذا المعنى تحديدا يقول الشيخ سيد قطب في ظلاله (إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان، التي يثبت له بها وصف “إنسان”. فالذي يسلب إنسانًا حرية الاعتقاد، إنما يسلبه إنسانيته ابتداء، ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة، والأمن من الأذى والفتنة، وإلا فهي حرية بالاسم لا مدلول لها في واقع الحياة. والإسلام_وهو أرقى تصور للوجود وللحياة، وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مراء_هو الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين، وهو الذي يبيّن لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين).
(المصدر: موقع بصائر)