مقالاتمقالات المنتدى

الشورى الجماعية في حادثة السقيفة ومسألة مبايعة علي للخليفة الصديق رضي الله عنهما

روايات تاريخية ثابتة، وقيم سياسية رفيعة

الشورى الجماعية في حادثة السقيفة ومسألة مبايعة علي للخليفة الصديق رضي الله عنهما

روايات تاريخية ثابتة، وقيم سياسية رفيعة

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

أفرز ما دار في سقيفة بني ساعدة مجموعة من المبادأئ، منها: أن قيام الأمة لا تقام إلا بالاختيار، وأن البيعة هي أصل من أصول الاختيار وشرعية القيادة، وأن الخلافة لا يتولاها إلا الأصلب ديناً والأكفأ إدارة، فاختيار الخليفة رئيس الدولة وفق مقومات إسلامية، وشخصية، وأخلاقية، وأن الرئاسة لا تدخل ضمن مبدأ الوراثة النسبية أو القبلية، وأن إثارة (قريش) في سقيفة بني ساعدة باعتباره واقعاً يجب أخذه في الحسبان، ويجب اعتبار أي شيء مشابه ما لم يكن متعارضاً مع أصول الإسلام، وأن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة قام على قاعدة الأمن النفسي السائد بين المسلمين، حيث لا هرج ولا مرج، ولا تكذيب ولا مؤامرات، ولا نقض للاتفاق، ولكن تسليم للنصوص التي تحكمهم حيث المرجعية في الحوار إلى النصوص الشرعية.(الشجاع، 1999،ص256)

وقد استدل الدكتور توفيق الشاوي على بعض الأمثلة التي صدرت بالشورى الجماعية في سقيفة بني ساعدة، حيث قال:

أول ما قرره اجتماع يوم السقيفة هو أن «نظام الحكم ودستور الدولة» يقرر بالشورى الحرة تطبيقاً لمبدأ الشورى الذي نص عليه القران؛ ولذلك كان هذا المبدأ محل إجماع، وسند هذا الإجماع النصوص القرانية التي فرضت الشورى، أي: أن هذا الإجماع كشف وأكد أول أصل شرعي لنظام الحكم في الإسلام، وهو الشورى الملزمة، وهذا أول مبدأ دستوري تقرر بالإجماع بعد وفاة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ثم إن هذا الإجماع لم يكن إلا تأييداً وتطبيقاً لنصوص الكتاب والسنة التي أوجبت الشورى.

تقرر يوم السقيفة أيضاً أن اختيار رئيس الدولة أو الحكومة الإسلامية، وتحديد سلطاته يجب أن يتم بالشورى، أي: البيعة الحرة التي تمنحه تفويضاً ليتولى الولاية بالشروط والقيود التي يتضمنها عقد البيعة الاختيارية الحرة الدستور في النظم المعاصرة ـ وكان هذا ثاني المبادأئ الدستورية التي أقرها الإجماع، وكان قراراً إجماعياً كالقرار السابق.

تطبيقاً للمبدأين السابقين،قرر اجتماع السقيفة اختيار أبي بكر ليكون الخليفة الأول للدولة الإسلامية.(الشاوي، 1992،ص140)

ثم إن هذا الترشيح لم يَصِحَّ نهائياً إلا بعد أن تمت له البيعة العامة، أي: موافقة جمهور المسلمين في اليوم التالي بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قبوله لها بالشروط التي ألقاها. (الشاوي، 1992،ص142)

وردت أخبار كثيرة في شأن تأخُّر علي عن مبايعة الصديق، وكذا تأخُّر الزبير بن العوام، وجُلّ هذه الأخبار ليست بصحيحة، وقد جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن علياً والزبير رضي الله عنهما بايعا الصديق في أول الأمر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله ﷺ قام خطباء الأنصار.. فذكر بيعة السقيفة،(ابن كثير،1988،ج5،ص281) ثم قال: ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علي، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به. فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله ﷺ وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله ﷺ، فبايعه ثم لم ير الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمّة رسول الله ﷺ وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعاه.

ومما يدل على أهمية حديث أبي سعيد الخدري الصحيح: أن الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الجامع الصحيح الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد صحيح البخاري ذهب إلى شيخه الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب صحيح ابن خزيمة، فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث لا يساوي بدنة فقط، إنه يساوي بدرة مال.

وعلق على هذا الحديث ابن كثير رحمه الله فقال: هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه.(ابن كثير، 1988،ج5،ص239)

وفي رواية حبيب بن أبي ثابت، حيث قال: كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج علي إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء، وهو متعجِّل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر، ثم جلس، وبعث إلى ردائه فجاؤوه به، فلبسه فوق قميصه.

وقد سأل عمرو بن حريث سعيد بن زيد رضي الله عنه، فقال له: أشهِدْتَ وفاة رسول الله ﷺ ؟ قال: نعم، قال له: متى بويع أبو بكر؟ قال سعيد: يوم مات رسول الله ﷺ، كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة.

قال: هل خالف أحد أبا بكر؟

قال سعيد: لا. لم يخالف إلا مرتد، أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه. قال: هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته؟ قال سعيد: لا، لقد تتابع المهاجرون على بيعته.

وأمّا عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ فلم يفارق الصِّدِّيق في وقتٍ من الأوقات، ولم ينقطع عنه في جماعةٍ من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي

تدبير أمور المسلمين.

ويرى ابن كثيرٍ، وكثيرٌ من أهل العلم: أنَّ عليّاً جدَّد بيعته بعد ستَّة أشهرٍ من البيعة الأولى، أي بعد وفاة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وجاءت في

هذه البيعة رواياتٌ صحيحةٌ.

 

_______________________________________________________

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، الإنشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق، شخصيته وعصره، دار ابن كثير، 1424ه-2003م صص176-178

علي محمد الصلابي، التداول السلطة التنفيذية، دار ابن كثير، بيروت، 1435ه-2014،صص 80-82

أبو الفداء الحافظ بن كثير الدِّمشقي، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م

عبد الرحمن الشُّجاع، دراساتٌ في عهد النُّبوَّة والخلافة الرَّاشدة، د. دار الفكر المعاصر، الطبَّعة الأولى 1419هـ 1999م.

توفيق الشَّاوي، فقه الشُّورى والاستشارة، د. دار الوفاء بالمنصورة، الطَّبعة الثانية 1412هـ 1992م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى