مقالاتمقالات مختارة

الشر: المعضلة الإلحادية!

الشر: المعضلة الإلحادية!

أيوب أبسومي

يكاد يكون موضوع الشر الحجةَ الوحيدة التي يختبئ خلف أستارها الكثير من الملحدين، معترضين بها على صفات الكمال الإلهي، ثم قافزين بعد ذلك على حاجز الصفات إلى إنكار حقيقة الوجود! هذه الحجة اليتيمة، اعتبرها الألماني جورج بوخنر “صخرة الإلحاد”، وقد كان تناول كثير من المسلمين لهذه القضية تناولاً ذا نَفَسٍ تبريري، بإدخال الفكرة (الإلحادية) إلى داخل النصوص الشرعية والمعطيات العقلية لإقناع الملحد بأنه ليس هناك أي شر مجاني، وأن وجوده إنما هو لغاية وحكمة، وهذا وإن كنا نراه حقا بناءً على مقدمات أولية وأصول استدلالية، لكن، هل تساءلنا يوما عن مصدر النظرة الإلحادية في موضوع الشر؟ هل هناك بناء نَسَقي يحكم باعتبارِه الملحدُ بأنّ هذا الفعل شر وذاك خير؟ ما هي الاختلالات التي تعتري النظرة الإلحادية للشر؟ أو بعبارة أخرى أكثر وضوحا: هل حجة الشر فكرة إلحادية أصلا، وهل لهم الحق في الاستدلال بها والاختباء وراء لوازمها؟

أول ما يمكن تقريره في محاولة تناول قضية الشر أمران:

أولهما أنه لا يمكن الحديث عن موصوف قبل إثبات وجوده، ولذلك، فإن وصف أفعال الله بالشر تقتضي إثبات وجوده أولا، أما إذا كان المناقش ينكر وجود الله، فكيف يأتي بأوصاف لا متعلَّق لها؟ وإذا كان يرى أن وجود الشر يقتضي عدم وجود الإله، فإنه يجب أن يُوقَفَ معه هنا، ومطالبته بالاستدلال على دعواه، وبيان ما فيها من لزوم عقلي، ثم وزنها بنظرتنا كمتدينين (باعتبارنا المنتقَدين)، وهذا ما سنحاول ملامسة شيء منه.

وثانيهما هو أنّ المعالجة الإسلامية لموضوع الشر ليست معالجةً تبريريةً جابرةً للخواطر، وإنما هي رؤية نسَقيّة تضع الشر موضعه، أما المناقشة الإلحادية باعتماد حجة الشر فهي تجاوزية تعاني من القفز وتغييب الأركان، ولذلك، فسيتم في هذه الأسطر تسليط الضوء على ما به يُقلَب الدليل على المستدل، بتحويله من دليل إلحادي اعتضادي إلى دليل ضدي ينقض كلام مستعمِله.

إذا ما وضعنا نظارتين أمامنا لننظر بهما إلى عالم مليء بالشر، نظارة إسلامية وأخرى إلحادية، فإننا حينها سنكون أمام نظرتين متباينتين تماما، لا من حيثُ تَصوّرُ الموضوع ولا من حيث التفاعل معه، إذ بنظرة الإلحاد يظهر الشر أمرا مرفوضا تماما، ودليلا عندهم على خلو العالم من إله يسيّره، هذا الإله الذي يفرض عليه الناظرُ الإلحادي ما يجب أن يقوم به، أو بعبارة أخرى، ينتظر منه الملحد أن يجعل الحياة تبعا له لا أن يكون هو التابع لها -أي الإنسان-، وبهذه النظرةِ، أي مَركَزَةِ الإنسان، وجَعلِ راحته معيارا لوجود الله من عدمه، يتجلى مأزق شديد في قضية الموضوعية القيمية للأفعال، وسيأتي بيان ذلك.

أولا، لا بد من سؤال الملحد السؤال الشهير، والذي يجب أن يُطرح عليه في كل وقت وحين، ما القيمة الموضوعية للشر؟ إذا كان الله غير موجود، أو ما اصطلح عليه فلسفيا بالمطلق، أو بالضمان الإلهي عند ديكارت، فمِن أين استمد الشر موضوعيتَه ومعناه؟ وما معنى المعنى أصلا؟

ثانيا، نطرح سؤالا على أنفسنا: ما قيمة الدليل وطبيعته؟

الاستدلال بوجود الشر على وجود الله من عدمه ليس دليلا اعتماديا تتأسس عليه المعرفة، لعدم خضوعه للُّزوم العقلي الذي يلزم من المقدمةِ (وجود الشر) نتيجتُها (عدم وجود الله)، وإنما طبيعتُه أنه دليل اعتضادي تترجح به المعرفة في حال تساويها، وبالتالي، فإن الاستناد على وجود الشر لنفي وجود الإله مغالطةٌ منطقية، وتحميلٌ للدليل ما لا يتحمل، لأن غاية ما يناقش موضوع الشر هو صفاتُ الله وليس وجودَه، لأنه لا تلازم عقليّ بين وجود الشر وبين وجود ذات الله تعالى مِن عدمه، لماذا؟

لأن هذا التأثير كان لِيكون صحيحا لو أننا نتحدث عن عدم، أما والوجود قد وُجِدَ، بخيره وشرّه، وأُثْبِتَ بالدلائلِ العقلية افتقارُه للخالق، فإن موضوع الشر لا يعدو أن يكون نقاشا حول صفات الخالق، هل يفعل هذا لحكمة أم لعبث أم لإرادته الشرَّ -تعالى عن ذلك-؟

وبهذا إذن، فإن أول شيء يجب التنبه إليه هو أن دليل الشر دليل اعتضادي، وليس اعتماديا تتأسس عليه المعرفة. هذا من حيثُ الطبيعةُ، أما على مستوى الاستدلال، فإنه سَهلُ النقضِ لتطرّق الاحتمال إليه، ومسائل العقائد الكبرى، والتي يُعدّ وجودُ اللهِ أكبرَها، لا تُثبَت بالدلائل الظنية ذات الاحتمالات الكثيرة، والتي منها:

– الشر موجود لأن الله أراده وفقط، تفعيلا لإرادته المطلقة.

– الشر موجود لأن الله جعله من أدوات اختبار الإنسان، ومَطرحا لتفعيل إرادته الحرة (أي الإنسان)، والتي بمقتضاها سيحاسب.

– الشر موجود لأن الله شرير -تعالى عن ذلك-، وهو من الأقوال الإلحادية.

إلى غيرها من الاحتمالات التي تتفاوت درجتها قوةً وضعفا، كلها يمكن افتراضها، لكن، من بينها كلها، يقول الملحد، بما أن الشر موجود، فإما الله عاجز عن إزالته، أو إنه شرير، ثم ماذا؟ ثم الله غير موجود!!

لاشك أن تَهلهُلَ هذا الاستدلال واضح لكل أحد، ومداخِلُ ضعفِه أمورٌ كثيرة منها:

– الحصر المخادع: إذ يعمد الملحد إلى مقابلة صفتين لله تعالى، هما صِفَتا القدرة والإرادة، فيقابل إحداهما بالأخرى، فتتحصل لديه نتيجتان، إما غلبة القدرة دون الإرادة فهو شرير، أو غلبة الإرادة دون القدرة فهو عاجز، ولا شك أن هذا اجتزاء وحصر مخادع، إذ إنَّ لله تعالى صفاتٍ أخرى غير هاتين الصفتَيْن، فله الحكمة والرحمة والمغفرة التي لولا الشر وارتكاب الإنسان له لكانت معطَّلةً، ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم) [1]. فإن كان الإلزام بصفات الله تعالى، فليكن الإلزام بصفاته كلّها، لا أن يُؤتى بصفتين وتتم المقابلةُ بينهما، فهذا اجتزاء غيرُ مُسَلَّمٍ.

– ضِيقُ الرؤية: وهذا من أسباب الصورة السابقة، إذْ كلَّما ضاقت الرؤية عن اعتبار صفات الله تعالى كاملةً ضاقتْ خياراتُ النتائج، ولذلك، فتغييب صفة الحكمة الإلهية من جهة، ومحاكمة الله تعالى بصورة نفترضها في الذهن (كمال الخير) ونفرض عليه أن يجعل العالم على وِفقها، فإن هو فَعَل ذلك وإلا فهو غير موجود، كل هذا، يجعل من تصور موضوع الشر تصورا مشوَّها، الذي يلزم عنه تشوُّه الحكم على علة وجود الشر وعلى موجِدِه في مخلوقاته.

وإذا ضاقت الرؤية عن معرفة غاية الإنسان مِنْ وجوده أثمر هذا تشوّهًا في معرفته ومعرفة الكون الذي هو فيه، لماذا وُجِد وما مصيره فيه؟

إضافة إلى ما سبق، فإن حصر النظر التأملي في حيزِ الحياة الدنيا لا شك سيؤدي إلى وضوح التفاوت والبروز للشر، فيطرح الإنسان هذه التساؤلات: لماذا هذا الشر؟ لماذا هذا مريض والآخر سليم؟ لماذا لا يعيش الناس على نمط واحد من السلام؟ وغيرها من الأسئلة التي حاصلها استنكار التفاوت بين الناس، والتي أجاب عنها الله تعالى مجملةً بقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ ۝ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ} [هود: 117-118].

فما الحل إذن؟ وكيف يفسَّر هذا الشر، وإلى أيِّ أفقٍ يجب أن تتسع الرؤية لتصِحَّ النظرة؟

ثالثا: العنصران الأساسيان اللذان يجب أن يُستَحضَرا في هذا المقام، واللذان بسبب غيابِهما، أو غياب أحدهما عن الاعتبار أثناء تناول موضوع الشر ضاعت حقيقةُ مفهومِ الشر واختل ميزان الحياة، أولهما أن الحياة دار اختبار، وليست دار كمال كما يُتصوّر، وقد جاء الوحي بكثير من الإشارات التي تحمل هذا المعنى، وإشارات كثيرة أخرى تحمل دلالة التحقير لها، ولذلك، فإن انتظار الكمال في الدنيا خطأ في التصور، وخطأ في فهم غاية الوجود، وهذا ما يصدق عليه قولُ مَن قال: “الذي يعترض على الشر، يَتُوق مِن حيث لا يدري إلى الجنة”،  وهذه الجنة، وهذا الكمال، اللذان يتوق إليهما الإنسان بفطرته، ويعترض على فقدِهِما موجودان فعلا، لكن، ليس هنا، ولا شيء يُلزِم الخالقَ أن يجعلهما هنا، وهذا الإلزام المتخيَّل، هو أصل الإشكال الخفي، والذي لو أزاله المعترض على الشر لزالت وطأة وجود الشر على نفسه.

والأمر الثاني، هو اعتبار اليوم الآخر، فهذا المقام هو مقام العدل، ومقام وضع الموازين، ومقام محاسبة الإنسان بمقتضى الإرادة الحرة التي يعيش بمقتضاها، {وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰ⁠زِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَیۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِینَ} [الأنبياء: 47]، فقبل أن يحاسَب الله تعالى على وجود الشر، فَلْيُسأل عن سبب الشر، وعن سبب الاختلال؟ وهل هناك عدل أم لا؟

إذا ما نظرنا إلى هذا الأمر من زاوية الوحي سنجد الجواب، أما غير هذا فلا جواب، إذ مراد الخالق يُعرف من كلامه، وإلا ستكثر التأويلات والترجيحات والرجم بالغيب، وسنعود إلى تلك الافتراضات الأولى التي وضعنا، فنختار منها ما وافق مزاجنا، وهذا أمر لا يُحِقُّ حقا ولا يبطل باطلا، وهو في مقام المعرفة لا يساوي شيئا، إنما غاية ما فيه إرضاء للنفس تبعا لمزاجها، فالفقير يرى الشر في الفقر، والغني يراه في السرقة والحسد، والمريض يراه في مرضه، وهكذا، لكن، لماذا كل هذا؟

قال الله تعالى: {وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰ⁠لِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ ۝ ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰ⁠جِعُونَ ۝ أُو۟لَـٰۤئِكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰ⁠تࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} [البقرة: 155-157]

وليس هذا تنويما أو ملءًا للفجوات، بل هو حقيقة وجودية تضع الشر موضعه، فبعد إثبات وجود الله والنبوة، يتعرف الإنسان عن طريق الوحي لا عن طريق التخمين الميتافيزيقي على مصدره والغاية من وجوده ومآله، فمتى غُيّبَ اعتبار وجود الله، واعتبار اليوم الآخر، واعتبار الغاية من الوجود، سنسيح في الخواء، فهذا يعبد إلها شريرا، وآخر يعبد إلها عاجزا، وثالث رأى أنه لا إله، ورابع وعاشر…

هذه العبثية، وهذه العدمية، يعيشها مَن صدق مع إلحاده، فأوغل في الخواء، وتشرب العدم، فاغترب ألبير كامو، وأعلن رونالد سونيك عن (موت الرواية)، وأعلن رولان بارت عن (موت المؤلف)، وأعلن نيتشه عن (موت الإله)، وهي عين الحقيقة الوهمية التي أدركها البيولوجي الملحد William Provine فقال:

“يبدأ الأمر بالتخلي عن الإيمان بالله الفاعل في الوجود، ثم يتم التخلي عن الأمل في حياةٍ بعد الموت. عندما تتخلّى عن الأمرين السابقين، تأتي الأمور التالية في التتابع بصورة سلسة. تتخلى عن الإيمان بالأخلاق الكامنة في الوجود. وأخيرا تصل إلى أنْ ليس للإنسان إرادةٌ حرة. إذا كنت تؤمن بمذهب التطور، فليس لك أملٌ أن توجد أيّ إرادةٍ حرة. لا أمل البتَّةَ أن يوجدَ أيُّ معنى عميق في الحياة. نحن نحيا، ونموت، وسننتهي بصورة كلية عندما نموت” [2]، ونفس الأمر أكدته Susan Blackmore، عالمة النفس الملحدة بقولها: “في نهاية الأمر، لا قيمة لشيء … إذا كنت تؤمن حقّاً بالتطور وتفسيره لسبب وجودِنا هنا، فعليك أن تَخلُصَ إلى نتيجةِ أنَّنا هنا دون أدنى سببٍ على الإطلاق” [3].

فإذا كان الأمر كذلك، لا إله، ولا دين، ولا آخرة، فماذا يعني هذا؟ يعني أن لكل إنسان أن يفعل ما شاء، فلماذا سأظل فقيرا وجاري يعيش البذخ والثراء، لماذا لا أسطو على ثروَتِه التي لن ينقص منها شيء، فأعيش السعادة والرخاء، لماذا لا أختطف طفلا وأطلب مقابله ثروة، أليس الأمر ممتعا؟! لماذا لا أغتصب فلانة وفلانة ما دامت شروط الزواج ليست في مقدرتي؟ لماذا لا أفعل ما أريد ما دمت لست مخلوقا لأحد ولا متبوعا بحساب؟!!

في ظل هذه الأسئلة، وبناء على هذه المعطيات العاطفية، يمكننا قلب الدليل على المستدل، فنقول إن وجود الشر دليل على وجود الله لا على عدمه، لأن هذا الاختلال يحتاج تعديلا، وهذا ما يتوافق تماما مع النظرة الدينية للحياة، التي ترى أن للإنسان إرادة حرة يعيش بها، ويحاسب بمقتضاها، {یَوۡمَ یَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ} [المطففين: 6] {یَوۡمَئِذࣲ یَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتࣰا لِّیُرَوۡا۟ أَعۡمَـٰلَهُمۡ ۝  فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ ۝  وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ} [الزلزلة: 6-8]

– وجود الله ليس متوقفا ولا لازما لوجود الخير أو وجود الشر، وإنما وجوده لازم لوجودِ الوجود أصالةً، خيرا كان هذا الوجود أم شرا، ومركزية الوجود الإلهي تظهر كلما لامسنا المعنى، أو بحثنا عن معنى المعنى، أو رجحنا معنى على معنى، لا يمكن ذلك مطلقا بدون وجود الله تعالى كخالق للكون وباثٍّ للمعاني فيه، ولذلك، كان الحكم على الشيء بكونه خيرا أو شرا قضية ذهنية، أي إنها لا وجود لها في الخارج، فالشر ليس له وجود مادي محسوس، وإنما هو حكم ذهني موضوعي على فعل ما، فعندما نقول إن هذا الفعل (السرقة) إنه شر، فليس في الخارج المحسوس ما يعطي هذا الفعل هذه القيمة إذا ما نظرنا نظرة مادية إلى الوجود، فلن يعدوَ الأمر أن يكون تفاعلا بين شخصين أو أكثر أدى بأحدهما إلى أخذ ما عند الآخر، أما عن استحضار عنصر الشر، فليس فعلا ماديا، وإنما هو حكم ذهني، تؤثر فيه معطيات أخرى، فقد يتبين لنا بعد التحري أن هذا الفعل ليس سرقة، وإنما استرجاع مالٍ مِن سارق، فيقلب الذهن الأحكام مباشرة، فيصير صاحبُ الشر صاحبَ خير، والعكس، رغم أن الفعل لم تتغير معطياته المادية، وإنما الذي تغير هو المعطيات الذهنية.

وبناء على هذا الكلام الموجَز جدا نخلص إلى ما يأتي:

– القول بالشر لا يتسق أصلا مع النظرة الوجودية الإلحادية المادية المغيِّبة لأصل المعنى الموضوعي.

– أن الحكم على فعل ما بأنه شر أو خير يستلزم بالأساس الاستناد على مرجعية أصلية تُحاكَم الأفعال بمقتضاها، هذه المرجعية، تتسم بالوحدة، بحيث تجدها عند كل الناس.

– أنه لا يمكن فهم موضوع الشر إلا بعد إرساء عقيدة وجود الله، والدين، واليوم الآخر، غير هذا، فهو عبث لا منهجي.

والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] : رواه مسلم

[2] : Cited in: Wayne D. Rossiter, Shadow of Oz: Theistic Evolution and the Absent God (Eugene, Oregon: Pick-wick Publications, 2015), p.3.

نقلا عن: سامي عامري، براهين وجود الله، مركز تكوين، ص: 350.

[3] : S. Blackmore, The world according to… Dr. Susan Blackmore, The Independent (UK), 21 January 2004.

نقلا عن: سامي عامري، براهين وجود الله، مركز تكوين، ص: 248.

(المصدر: مركز يقين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى