الشباب العربي “ظاهرٌ علمانيّ” و”باطنٌ إسلاميّ”
بقلم أسماء زيود
كجيلٍ جديد بغض النظرِ عن المستوياتِ الثقافيّة، ينعمُ بحياتِه التي وجد نفسه في عمقِها، حتى وإن لم يُولد أو يَعيشُ في موطنِه الأصليّ! ربما قد اندرجت أفكاره بتلك البيئة التي ترعرع فيها، واكتسب عادات وأعراف ثقافاتٍ أخرى؛ فالإنسان يكتسب عمق حياته من سلوك الآخرين ومن البيئة التي تحيطه من كلا الجهات؛ لنجد أنّ كلّ منّا أخذ عالمَه الخاص كما يُريد أو كما يَروق له تماشياً مع العلمانيّة! لكن ما هي العلمانيّة؟ وما مدى نشوب نيرانها في وسط ِعقول الشباب العربيّ؟ وهل سيأتي اليوم الذي فيه يتَلاشى رمادها؟!
هذه الفلسفة الاجتماعية سرت كنهرٍ بلا نهاية بين ثنايا حياتنا، وبرمجت عقولٍ كثيرة بما تخدم مصالحها، وبما يتماشي مع متطلبها الأساسي بسرقةِ ثروات الدول والشعوب نتيجة الاستعمار؛ بهذا الارتباط الوثيق بين الاستعمار والعلمانيّة، ونشر جميع ما تتضمن من أفكارٍ تُوهِم بأنّها تسعى إلى تطبيقِ المنطق والحكمة لجميع الأفراد، وإضافة أنّها تفتح لهم سقف توقعاتِهم بالابتعادِ عن الفتاوى الدينيّة،من منطلقِ حرية الفردِ وتقرير مصيريه بإرادته،بعيداً عن الدين وخارج نطاق الشريعة.
إنّها حربٌ نفسيّة تَقتلُ حياتنا الحقيقيّة، وتتفشّى في أواصرِ عقولِنا؛ لسهولةِ وصول كلّ المعلومات التي باتت مفتوحة ومنتّشرة من خلالِ وسائل الإعلام التي اتخذت من العلمانيّة مبدأ أساسيّ لمنبرها، هذا بالإضافة للتقدّم التكنولوجي والمحتوى الإلكتروني الذي نَخَر خلايا عقول الشباب ويسري كالموتِ البطيء في أوردتِهم.
هذه الحرب جعلتنا في سباتٍ عميق، لم نصْحو بَعدْ! لم ندرك هويتنا وتاريخُنا الإسلاميّ التي تحاول من خلاله اللادينيّة تحريفه وتزيفه،وتقليص التعليم بما يخدم مبادئها وأفكارها، وتَدشينُها في الكتبِ الدراسيّة والتعليميّة،ووضع الشرح المقتضب والقصير للتفسيرات الدينيّة بمعنى بعيد كلّ البعد عن المعنى الوحيّ والحقيقيّ،ذلك بما تسعى إليه من أفكارٍ تُميت عقول الشباب وتستنسخها كما تريد.
دعاة العلمانيّة هم لم يأتوا بجديدٍ، منذ ولادة الإسلام وهم يشنّون سموم حروبهم على الدعوة، لكنّهم بسطوا أفكرهم من الجذور ونجحوا في رواجِها، حيث قال تعالي: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا” (الفرقان: 4، 5) لكنّ آيات الله خالدة وتتحداهم بمعجزتِه في القرآن الكريم، حيث قال تعالى: “وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ،فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ” (البقرة: 23، 24).
“ولما طلب مشركو العرب من النبي-صلى الله عليه وسلم -أن تكون له آية حسيّة، كما كان للأنبياء من قبله، كان الرد الإلهي عليهم: “أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” (العنكبوت: 51) وحسبنا أنّ أول سورة نزلت في القرآن، بدأت بقوله تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” (العلق: 1) والقرآن ينشئ العقلية العلمية التي تعتبر التفكر عبادة، والعلم فريضة، وترى الإنسان والتاريخ والكون كله، مسرحاً للنظر والتأمل قال تعالى: “وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ” (الذاريات: 20: 21) وقال سبحانه: “أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ” (الأعراف: 185) وقال جل شأنه: “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (العنكبوت: 20)” (الإسلام والعلمانية للدكتور يوسف القرضاوي صفحة 58).
إضافة إلى مصاغِ العلمانيّة التي بدأت تتغرغرُ في عقولِ شباب هذا العصر، من الناحية النفسيّة والدينيّة والفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة، بصورةٍ كما صاغتها العوْلمة لتطبع عنّها العلمانيّة، حيث ضاع عدد من الشباب في هذه الآفة التي برمجت عقولهم بما تحتويها من نظريات قد صاغتها عدة منظمات سراً، لتظهر من خلال الأفكار التي يؤمنون بها عنوةً دون وعيٍ مدرك، وهو ما يستنتج من إيمانِهم بفصلِ الدين عن الحياة، والعيش مع باقي الشعوب تحت مسمى (الانخراط مع الثقافات المختلفة) دون مراعاة أحكام الدين الذي ينتمون له!
أقول لكم أنيروا الحياة بثقافةِ أجدادكم المخلّدة، ابنوا مستقبلكم بناء على شعائر دينكم الحنيف، تمسكوا بالإرادةِ والفكر والأخلاق، وانسجوا أحلامكم بضياءِ النفس والرّحمة.
(المصدر: مدونات الجزيرة)