اسم الكتاب: السياسة الشرعية حالة غياب حكم إسلامي عن ديار المسلمين.
اسم المؤلف: الدكتور أحمد محيي الدين صالح.
عدد الصفحات: 309 صفحة.
الناشر: دار السلام – القاهرة.
نبذة عن الكتاب:
حين جعل الله سبحانه وتعالى الإنسان خليفة في الأرض ما تركه هملاً، بل أنزل إليه الرسالات والشرائع، فكانت خاتمتها وتاجها المرصّع الرسالة والشريعة المحمدية التي جاءت بأكمل الكمالات ونسخت ما قبلها من الشرائع والرسالات.
وقد بين لنا الباري عز وجل في هذه الشريعة حكم كل فعلٍ وحركةٍ يقوم بها الإنسان في حياته على هذه الأرض من حيث الأمر به أو النهي عنه أو التخيير فيه، فكان منهج الله سبحانه كاملا يتناول جميع نواحي حياة الإنسان في هذه الأرض عبادة ومعاملات مالية واجتماعية ومنهجا سياسيا ونظاما للحكم .
وبعد أن اكتمل التشريع الإسلامي الذي نزل بشكل متدرج واشتد ساعد الدولة الإسلامية القائمة على المنهج الرباني بقيادة نبينا المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أوحى إليه ربه ﻷ في حجة الوداع قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ [المائدة:3]، ومنذ ذلك اليوم السعيد عاشت دولة الإسلام –أو دار الإسلام في مصطلح الفقهاء- في ظلّ ذلك المنهج الرباني العادل، فحققت أنموذجا ومثالا في الحكم لم تعرف له البشرية مثيلا، ففي ظل هذا الحكم طوال العهد النبوي وخلفائه الراشدين حقق نظام الحكم الإسلامي العدالة الاجتماعية، والنظام الاقتصادي العادل، وأرسى قواعد احترام الإنسان وتكريمه، وأسس منهجا للتربية والتعليم ترعاه الدولة، وشيدّ نظاما قضائيا مستقلا قائما على العدل وقانون السماء لم تشهد الأرض له مثيلا في عدله، فضلا عن بناء نظام حكم قائم على الشورى ومشاركة الأمة وحقها في محاسبة الحاكم، وتشييد نظام عسكري وإداري قائم على الكفاءة واختيار الأفضل والأصلح.
باختصار فقد صنع الإسلام ومنهجه من أناس أميين لم يعرفوا الحضارة والنظم أمة ودولة كانت أرقى الأمم وأسعدها وأكملها، عجزت جميع الفلسفات الأرضية وحضاراتها أن تدرك شيئا منها في أي جانب من جوانب الحياة.
واستمر هذا المنهج الرباني وتلك الشريعة العادلة تضيء ظلام البشرية الظالمة الجاهلة بنور العدل والفضيلة والسعادة وانتظام نواحي الحياة بقدر اقتراب البشر منها، فكلما كانت الدولة الإسلامية أقرب إلى تحقيق وتطبيق منهج الله كلما عمّ العدل والرخاء والسعادة شعبها، وكلما ابتعدت عنه عمّ الظلم والجوع والقهر.
ولمّا كان لنظام الحكم في الإسلام ذلك الدور في حمل رسالة الله سبحانه للبشرية جمعاء وتحقيق العدل والسعادة والأمن والرخاء لمن يعيش تحت ظل ذلك النظام حتى من غير المسلمين من أهل الذمة، اعتنى العلماء والفقهاء بفقه نظام الحكم في الإسلام، إذ سجل القرآن الكريم والسنة النبوية القواعد الأساسية لنظام الحكم في الإسلام، ثم توسع ذلك في عهد الصحابة (رضي الله عنهم)، وسجلت الكتب لنا رسالة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) في آداب القضاء والحكم، وسماها العلماء (كتاب السياسة، أو كتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم)، ثم توسع الفقهاء في دراسة الأحكام المتعلقة بنظام الحكم في الإسلام وشؤون السياسة الداخلية والخارجية، وأفردت تصانيف في جزئيات مسائلها، ككتاب الخراج لأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة / في النظام الاقتصادي للدولة، وكتاب السير الكبير لتلميذه الثاني محمد بن الحسن الشيباني في السياسة الخارجية والحرب، وكذلك سير الإمام الأوزاعي، ثم تطور التصنيف في هذا العلم فأفرد بتصانيف مستقلة جمعت شتاته سميت بالأحكام السلطانية كما فعل الإمامان الماوردي الشافعي وأبو يعلي الحنبلي، وظهر مصطلح السياسة الشرعية كفرع خاص من فروع الفقه وألف بهذا المصطلح ابن تيمية / كتابه (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) وتبعه تلميذه ابن القيم في كتابه (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) وتوالت المؤلفات في هذا العلم من قبل الفقهاء فبينوا أصول نظام الحكم في الإسلام وقواعده وقواعد السياسة الشرعية التي تحكم الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم الذي يعيش في ظلها.
وبقي المسلمون يعيشون تحت هذه المظلة الإسلامية حتى تردى بهم الحال بسبب ابتعادهم عن دينهم، وجهلهم به، وابتعادهم عن أصوله وقواعده، فدبّ الوهن والضعف في الأمة في جميع المجالات وابتعدت عن حمل رسالتها السماوية التي رفعها الله بها بين أمم الأرض، وظل المسلمون في غفلة عن استدراك هذا الضعف، حتى تكالبت عليهم الأمم ونهشت أوصالهم وبلدانهم قطرا قطرا، ولم يستفيقوا إلا على دوي الطامة الكبرى في بداية القرن العشرين بإنهاء الخلافة الإسلامية واحتلال جميع بلدان المسلمين أو أغلبها ورفع حكم الله من أغلب هذه البلدان ، واستبدال نظام الحكم بالإسلام بالأنظمة البشرية الشرقية والغربية.
بعد هبوط هذه الكارثة استفاق عدد من علماء المسلمين وشبانهم وبدؤا بالعمل على إنهاء غزو الكفار وإعادة الإسلام إلى حياة المسلمين، والدعوة إلى الأخذ بمنهج الله ثانية في جميع نواحي الحياة، ولكن الغزاة الكفار زرعوا في رحم الأمة سرطانا يحمل أفكارهم الفاسدة ويعبد فلسفاتهم البشرية مبهورا بحضارتهم المادية الزائفة، فسلموا مقاليد الحكم لفئة المنافقين والمغررين من تلاميذهم، فحكموا الشعوب الإسلامية بمناهج الغزاة الكفار ونشروا الفكر العلماني الخبيث الذي يعزل الدين عن نواحي الحياة ويقصره على العبادات الفردية رغبة منهم في بقاء منهج الله بعيدا عن توجيه البشر وحكمهم، ولكن الدعوة الإسلامية شقت طريقها إلى قلوب المسلمين رغم أن المنافقين حاربوها بالحديد والنار، فأثمرت صحوة إسلامية عامة في جميع بلدان المسلمين وعودة عامة للناس إلى دين رب العالمين أواخر القرن المنصرم.
ووجدت هذه الصحوة الإسلامية المتعطشة لاستئناف الحياة الإسلامية نفسها تعيش في وضع شاذ من الناحية السياسية والقانونية، فبلاد المسلمين تحكم بغير شرع الله بل بمناهج وأنظمة الكفار البشرية المختلفة، والقوانين البشرية هي التي تحكم المجتمع، والمناهج الأرضية تحكم السيطرة على الاقتصاد والتعليم والأخلاق، والمرجع في ذلك كله لعقول البشر من غير المسلمين لا إلى الله خالق البشر، فطالبوا الحكام بإعادة الإسلام إلى نواحي الحياة فجوبهوا بالسجن والتعذيب والتقتيل والتشريد.
وإزاء هذا الوضع الشاذ بدأ هؤلاء المسلمون في البحث عن حلول لهذا الواقع وكيفية مواجهة هذا الوضع السياسي منضبطين في ذلك بضوابط السياسة الشرعية، فلما رجعوا إلى تراثنا الفقهي، وجدوا أن كتب الفقهاء تتحدث عن فقه دولة الإسلام القوية التي تحكم بشرع الله وتجاهد على نشر دعوة الإسلام في سبيل الله، فقه الدولة القاهرة للكفار التي تفتح الأمصار، فهنا دبت الحيرة والانقسام في صفوف أصحاب التوجه الإسلامي، إذ لم يجدوا في كتب السياسة الشرعية ما يتكلم عن واقعهم الشاذ، اللهم إلا محاولة الإمام الجويني / التي سبق بها الزمان في كتابه (غياث الأمم في التياث الظلم) الذي وضع فيه قواعد افتراضية للأحكام إذا افترضنا خلو الزمان عن إمام للمسلمين، أو خلوه عن الأئمة المجتهدين، أو خلوه عن حملة الشريعة جملة واندراس أمر الدين، وقد قاده إلى هذا الفقه الافتراضي نظره الثاقب في أن أمر الشريعة في انتقاص على مرّ الأزمان كما أن بعض الأحاديث النبوية تتحدث عن اندراس الدين في آخر الزمان.
إلا أن ما وضعه الإمام الجويني كان أغلبه افتراضيا قد لا يطابق الوقائع التي مرت بها أمتنا، وإن كان يستفاد من كثير من القواعد التي طرقها، فبدأت عملية الاجتهاد داخل صفوف الصحوة في استنباط فقه للسياسة الشرعية في ظل هذه الأوضاع الشاذة، ولما كانت الحكومات العلمانية والنظم الجائرة تحكم سيطرتها على المؤسسات العلمية الشرعية الرسمية، فقد ألجمت أغلب العلماء عن الحديث في أمور السياسة أو البحث فيها إلا بما تسمح له بذلك، ورافق ذلك ابتعاد كثير من العلماء عن الواقع وفقهه وانزوائهم عن واقع الأمة، فبقيت مسائل السياسة الشرعية في هذا الوضع الاستثنائي نهبة لاجتهادات بعض طلبة العلم أو العلماء غير الراسخين مما تسبب في فتنة وصراع داخل الصحوة الإسلامية بسبب غياب الاجتهاد الجماعي من قبل علماء معتبرين لتأصيل قواعد السياسة الشرعية في ظل غياب حكم الإسلام لبلاد المسلمين.
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م واجه المسلمون في العراق واقعا شاذا جديدا لم يعدوا العدة لمواجهته، ورافق ذلك الواقع سكوت ودهشة من قبل كثير من العلماء، ثم بعد ذلك تضاربت الفتاوى والاجتهادات والآراء في الساحة العراقية حتى بلغت مبلغ التناقض، مما ترك الباب مفتوحا أمام الجهال أو طلبة العلم في تأصيل الواقع السياسي في العراق من الناحية الشرعية ومن ثم بناء الأحكام على هذه التأصيلات المغلوطة، مما جعل العلماء في معزل عن الساحة وسادت فتاوى (طلاب العلم) التي استبيحت بها الدماء والأعراض والأموال والمحرمات.
ومن خلال معايشة هذا الواقع المرير عكف الباحث على دراسة كتب العلماء والفقهاء القدامى والمعاصرين، والفتاوى والبحوث التي نشرت حول الموضوع خارج العراق وداخله، حيث إن الواقع الذي نعيشه له تجارب مشابهة سابقة في بلاد المسلمين يجب الاستفادة من نتائج تلك التجارب والفقه الذي خلصوا له بعدها.
فكان ذلك من دواعي اختيار الباحث لهذا الموضوع ليكون موضوع أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه، عسى أن تكون مساهمة بسيطة ومفتاحا لتوسيع البحث في هذه المسائل.
وبما أن دراسة هذا الموضوع تحتاج إلى تأصيل للواقع ثم بناء الأحكام في مسائله على ذلك التأصيل، فقد جعل عنوان هذه الأطروحة:
“السياسة الشرعية حالة غياب حكم إسلامي عن ديار المسلمين”
كي يكون الموضوع عاما وشاملا كقاعدة لجميع صور هذه الحالة الشاذة التي وقع ويقع فيها المسلمون.
وقد جاءت هذه الأطروحة في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة:
فأما التمهيد فجاء في ثلاثة مباحث بينت فيه بعض المصطلحات المتعلقة بشكل مباشر بموضوع البحث.
وأما الفصل الأول فتكلم الباحث فيه عن أثر غياب الحكم الإسلامي في تغير وصف دار الإسلام وقد اشتمل على ثلاثة مباحث:
الأول منها: لبيان أقوال العلماء في تحول دار الإسلام.
والثاني: لنماذج تاريخية لغياب حكم إسلامي عن بعض ديار المسلمين وفتاوى العلماء في ذلك.
والثالث: لمناقشة الأدلة والترجيح.
وأما الفصل الثاني: فقد تكلم فيه عن أثر غياب حكم إسلامي على شرعية نظام الحكم، وقد اشتمل على أربعة مباحث:
الأول منها: تحدث فيه حول شرعية الحكم في الإسلام.
والثاني: تحدث فيه حول حكم من حكم بغير ما أنزل الله.
والثالث: تحدث فيه عن حكم الحاكم المعين وصور معاصرة.
والرابع: تحدث فيه حول شرعية الحكم غير الإسلامي.
وأما الفصل الثالث: ذكرت فيه مسائل تطبيقية من السياسة الشرعية حال غياب حكم إسلامي عن ديار المسلمين، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: تحدث فيه عن الأحكام الأصلية حلة غياب حكم إسلامي وفيه مطلبان:
الأول: تغيير الحكم غير الإسلامي.
الثاني: الهجرة.
أما المبحث الثاني: فتحدث فيه عن الأحكام الاستثنائية.
والمبحث الثالث: تحدث فيه عن حكم المشاركة في حكم غير إسلامي.
والمبحث الرابع: تحدث فيه عن الولاية الشرعية في ظل حكم غير إسلامي.
والمبحث الخامس: تحدث فيه عن أحكام القضاء وإقامة الحدود.
وقد ختم الكاتب بحثه بخاتمة بين فيها أهم النتائج التي توصل إليها.