السياسة الأمريكية ومراجعة نص القرآن والأحاديث
بقلم أ. د. زينب عبد العزيز “أستاذة الحضارة الفرنسية”
يهتم المسؤولون عن السياسة الأمريكية بمتابعة ما أطلقوا عليه “عملية الإصلاح الديني” التي فرضوها على السعودية. وهي مرحلة من تلك المراحل التي يراقبها الكونجرس الأمريكي عن قرب. ويكشف هذا الاهتمام الأمريكي بالشأن الديني الإسلامي في السعودية خاصة عن تغيرات عميقة قد بدأت بالفعل، وتؤكد ان واشنطن تتولي تحريك خيوط اللعبة.
فلقد أدرج حديثا السيناتور تد ݒو مشروع قانون ينشئ آلية مراقبة، في نفس الحكومة الأمريكية، عليه صياغة تقارير سنوية حول خط سير عملية الإصلاح الديني في السعودية. وتهتم هذه التقارير بقياس الجهود التي وافقت عليها المملكة وتوضيح الإجراءات التي يتعيّن اتخاذها في عملية اقتلاع الوهابية، كما يقولون.
وإذا ما تمت الموافقة على مثل هذا المشروع فإن الحكومة الأمريكية ستصدر تقريرا سنويا للكونجرس لمدة عشر سنوات.. وهو ما يتفق بغرابة مع مدة الإصلاح الاجتماعي والديني التي يتولاها محمد بن سلمان وحدد لها حوالي سنة 2030 لإتمامها، أي نفس المدة المحددة من الجانب الأمريكي! ومن الواضح ان الولايات المتحدة تتابع عن قرب ذلك الحقل الشاسع من الإنشاءات والإصلاحات، التي حركها بن سلمان، والتي تمس المملكة تحديدا وتنعكس على الشرق الأوسط برمته، وأنها تدار من واشنطن.
وليس بخفي ان مثل هذا التحول الذي تتخذه المملكة السعودية قد بدأ فعلا عقب زيارة ترامب للسعودية في مايو الماضي. فلم تمر بضعة أسابيع حتى كانت السعودية تضاعف المحاولات الدالة على الانفتاح الذي طالب به ترامب..
ولم تكتف المملكة السعودية ببضعة تعديلات شكلية أو رمزية، وإنما تمادت في استجابتها بإنشاء “لجنة متخصصة لمراجعة القرآن الكريم والأحاديث”. وقد حدد ان هذه اللجنة من حقها “مسح” الأحاديث التي تدعو الي العنف. والهدف المعلن لمثل هذا الإجراء الذي يعد بمثابة المعول الذي يهدمون به الدين بالتدريج، فقد تم الإعلان عن هذه المأساة التخريبية المرفوضة بكل المقاييس، ان الغرض منها هو استبعاد التفاسير التي تحث على التطرف والعنف والإرهاب.. والسؤال هنا إذا لم يكن المقصود من هذه اللجنة مراجعة نص القرآن أساسا فلماذا وضعوا اسم القرآن تحديدا في عنوان الخطة؟
يقال ان المقصود من هذه اللجنة وما ترمي اليه من تدمير صريح لنص القرآن، إضافة الي مراجعة شاملة لتفسير الأحاديث النبوية كما أوردها العلماء القدامى. وقد اعترف جلالة الملك شخصيا “بأن العلماء السعوديين حرصوا دوما على وضع الممارسة الدينية، بأوسع معانيها، داخل إطار صارم للنصوص القرآنية والأحاديث التي تحولت جميعها الي تطرف يغذي العنف الدائر اليوم بأنه يتم باسم الإسلام”.. والغريب انه لم يتهم أحدا ان السياسة الأمريكية هي التي ابتدعت الإرهاب ودربته وحركته بحيث تلصق كل أفعاله بالإسلام.
لقد وعد محمد بن سلمان حليفه الأمريكي بالاتجاه بسياسة الدولة الي نظام أكثر انفتاحا. بل هناك بوادر في الخليج لأنظمة شارفت العلمانية او وقعت فيها بالفعل. ومن الغريب والداعي الي الدهشة ان نتغاضى بهذا الشكل عن ادراك كيفية الترتيب أو التخطيط الذي يدور لاقتلاع الإسلام بأيدي المسلمين.
وأهم ما أود الإشارة اليه هنا هو اعتراف ترامب في أكتوبر 2019، في واحد من أهم التصريحات وأخطرها التي أعلنها على موقعه في تويتر، إذ قال بوضوح لا لبس فيه: “ان الولايات المتحدة قتلت ملايين الأشخاص في حرب قائمة على الأكاذيب”..
ذلك كان العنوان الذي تصدر مقالا في الموقع السياسي الكندي “موندياليزاسيون”، والذي يؤكد ان ترامب قد أعلن في موقعه بتويتر: “ان الولايات المتحدة الأمريكية قد أنفقت ثمانية آلاف مليار دولار في حروبها بالشرق الأوسط. فقد مات أو جُرح آلاف من جنودنا، وملايين الأشخاص قد ماتوا في الجانب الآخر. إن تدخلنا في الشرق الأوسط كان أخطأ قرار اتخذناه في حياتنا […] في تاريخ بلادنا! لقد انطلقنا في حرب قائمة على أكاذيب وعلى افتراض خاطئ تم تكذيبه جليا خاصة عبارة “أسلحة دمار شامل”..
ولا شك في ان التعبيرات “التويتارية” للرئيس ترامب تسيطر على الأحداث الأمريكية منذ توليه الحكم. فما يقوله ترامب يعد بمثابة اعتراف رسمي من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ان حكوماتها المتتالية مسؤولة عن حروب وقتل جماعي في العديد من البلدان خاصة في الشرق الأوسط. فهو يعترف رسميا ان حرب العراق سنة 2003 قامت بناء على أكذوبة “أسلحة الدمار الشامل”، وبالتالي فإن حكومة جورج بوش الابن وكل من أتوا بعده حتى ترامب قد كذبوا على الشعب الأمريكي وعلى العالم بأسره لتمرير حرب عدوانية غاشمة لا مبرر لها علي الإسلام..
أو ان شئنا الحق فإن كل هذه الحروب قد تم ترتيبها استجابة لمجلس الكنائس العالمي في يناير 2001، حين بدأت الألفية الثالثة ولم يتم تنصير العالم وفقا لقرارات مجمع الفاتيكان الثاني الذي أعلن سنة 1965 “ان قرار تنصير العالم لا رجعة ولا نقاش فيه”.. وأسندوا بمهمة اقتلاعه الي الولايات الأمريكية المتحدة لانتزاع ما أطلقوا عليه “محور الشر”. وبدأت المسرحية الإجرامية المصنعة محليا في الولايات الأمريكية بأحداث 11 سبتمبر 2001 وهدم الأبراج الثلاثة..
ومرت العشر سنوات، وتتواصل الحروب والفريات، بل وتتبدل العناوين والمسميات والهدف واحد: اقتلاع الإسلام. والغريب ان أحدا من المسلمين أو من قياداته المسؤولة يقف أو يتصدى لما يدور، وكأن الإسلام لا أتباع له في كل البقاع، متناسين جميعا كل هذه القرارات المعلنة رسميا، بل ويتواطأ البعض في تنفيذها كدليل لرفضه ما “يتضمنه” القرآن من عنف وارهاب وحث علي القتل، متناسين ان هذه العقوبة الرادعة في القرآن تتعلق بالرد على أي اعتداء غاشم لا مبرر له، ومتناسين ما يحدده القرآن بألا نعتدي ونبدأ بالقتل والعدوان، وان يكون الردع علي قدر الاعتداء.. بل متناسين ان السياسة الأمريكية هي التي ابتدعت الإرهاب والإرهابيين بمختلف فرقهم، بل وخاصة متناسين كل ما في عهدي الكتاب المقدس من عنف وقتل وبشاعات تعد بعشرات الآلاف، وقد أحصاها العديد من أبناء ذلك الكتاب “المقدس” في آلاف من الأبحاث الجادة الأمينة والتي تدرس حتى في الجامعات الأمريكية..
ألم يكن علي حق بيتر كونيج حين قال: “الغرب يقوده برابرة” ثم يتساءل: “الي متي سنتقبل الدكتاتورية الطاغية للحكام الأمريكان؟ ان الحال يسوء يوما بعد يوم بإصرارهم على استخدام آلاتهم الحربية”.. ألم نفهم بعد ان الحرب التي تدور منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 لا هدف لها إلا اقتلاع الإسلام والمسلمين؟!
(المصدر: صيد الفوائد)