مقالاتمقالات مختارة

السنّة بين سوء القصد وسوء الفهم (1)

بقلم أ. عبد العزيز الكحيل

هذا ما ابتلي به الوحي الثاني في زماننا : قوم من المسلمين الذين يعبدون عقولهم بدل عبادة الله يُعملون معول الهدم في السنة بدعاوى أبعد ما تكون عن العلم وعن حسن النية ، قصدُهم سيء ، يهدفون إلى مسخ الاسلام والتمهيد للطعن في القرآن بعد الإجهاز ” العلمي ” على السنة.

هؤلاء لا يفعلون أكثر من ترديد دعاوى المستشرقين القديمة وحجج خصوم الإسلام من علمانيين و” تنويريين ” وأدعياء يسمّون أنفسهم ” قرآنيين ” وأصحاب التشيّع المتستّر.

البداية بصحيح البخاري ، يشنون عليه حملة شعواء وكأنه هو من تسبّب في تأخّر المسلمين وأفسد دينهم ، انبرى لها أشقى القوم من كُتاب وإعلاميين لا علاقة لهم بالعلوم الشرعية وخاصة علم الحديث ، يغيظهم وصف المسلمين له بأنه أصحّ كتاب بعد القرآن الكريم ، والمقصود واضح : هي الخطوة الأولى في هدم صرح السنة المطهّرة، إذا نُحّي صحيح البخاري سقطت كتب الحديث الأخرى من باب أولى ، البخاري هو الرمز لذلك بدؤوا به ، ولستُ بصدد مناقشة حُججهم فهي تلاعبُ مفترين يردّدون شبهات ويبصرون تناقضات ردّ عليها العلماء المتخصّصون منذ قرون وما زالوا… إنها ليست مسألة علمية تُناقش بل هي حملة عدائية مغرضة تليها نتيجةٌ حتمية هي إنكار السنة النبوية بدعاوى مضحكة حيث اكتشف هؤلاء المتأخرون ما فات الأمةَ كلها طيلة 15 قرنا ، ووصلت بهم ” غيرتهم ” على الدين حدّ الزعم أن كل ما يُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول وفعل هو افتراء اختلقه الفقهاء والسياسيون ، وما دور هؤلاء ” المجددين ” سوى تنقية الإسلام من هذه الشوائب !!! يقولون هذا وأكثرهم لا التزام له بأحكام الدين في قليل ولا كثير حتى إن أكثرهم لا يُصلّون…لماذا يثيرون هذه القضية إذًا بل يشنون هذه الحرب ؟ إنها المقدمة اللازمة لإفراغ الإسلام من محتواه الرباني وإهالة التراب على أحكامه ، فالسنة – وهي الوحي الثاني – هي التي تفصِّل ما أجمله القرآن ، تفسّر المُحكم وتُجلّي المتشابه ، هي الدليل العملي للمسلم …إنكارُها هو حرمان المسلمين من هذا الدليل ومن افتقد الدليل تاه وضلّ ، هذه بغيتُهم ،يزعمون أن القرآن هو وحده الوحي وهو كافٍ للمسلم ، وهم يعملون أن الكتاب الكريم ليس فيه تفاصيل كيفية العبادات من صلاة وصيام وحجّ و زكاة ونحوها ولم يتطرّق إلى تفاصيل الحلال والحرام والحياة الأسرية والاجتماعية إنما حوى في الغالب القواعد الكبرى والخطوط الأساسية للدين، وجاءت السنة ففصَّلت واستقلت بالتشريع في بعض المسائل لأنها وحيٌ من الله لرسوله.

باستبعادهم السنة يصبح القرآن عجينة طرية بأيديهم يصنعون منها ما يشاؤون أي يطوّعونه لأهوائهم كما يفعل أحد أكبر رموزهم المدعو محمد شحرور الذي يروّج إسلاما لا علاقة له بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، يفعل ذلك بعد أن استبعد السنة النبوية وادَّعى التجديد والاجتهاد ، وليس بعيدا عنه ما يفعله زعيم ” القرآنيين ” أحمد صبحي منصور.

لو كان لهؤلاء قصدٌ حسن ونيَّة صادقة في البحث والتمحيص لأتوا البيوت من أبوابها، ولطرحوا شبهاتهم وأسألتهم على المُحدّثين ليحصل نقاش علمي لكنهم أضعف من مواجهة العلماء بسبب سوء قصدهم وفساد نيتهم ، وأنا أعرف كل هذا من الداخل فأنا – بفضل الله – من طلبة علم الحديث منذ شبابي، لديّ اطلاع واسع على مسائله رغم قلّة بضاعتي بالمقارنة للجهابذة . والأهواء لا تُناقش في حلبة العلماء، ولولا الهوى لاستحوْا من اتهام الأمة بأكملها بجهل مطبق عاشت فيه قرونا متطاولة حتى جاء هؤلاء الهواة الدخلاء في آخر الزمان ليبصّروها بحقيقة دينها .

تابعتُ صفحة أحدهم فألفيتُها منشورات يومية متتالية هي – حصرا – استهزاء بالأحاديث النبوية وتهكّم بالبخاري ومسلم لما فيهما – حسب زعمه – من تناقضات يرفضها عقله !!! فهو إذًا أعلم من مئات الألوف من العلماء في الدنيا عبر القرون كلها الذين أفنوا أعمارهم في دراسة القرآن والحديث ، لم تفتهم شاردة ولا واردة… يقع في هذه الطامة وبراءة الأطفال في عينيه.

هذه خطّتهم : الطعن في البخاري يؤدي إلى التشكيك في السنة برمّتها ثم يأتي دور القرآن ليجدوا تناقضا بين آياته وما لا تستسيغه عقولهم ” المتنوّرة” فيأتي الأمر باطّراحه ويبقى الإسلام بلا مرجعية …أي يزول الإسلام ، وتلك هي الغاية التي يسعون لتحقيقها.

إلى جانب هؤلاء هناك من يتعصّب للسنة فيسيء إليها، ومشكلتُه ليست في النية ولكن في الفهم.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى