السلفية التي نريد
بقلم أ. أنور الخضري. (خاص بالمنتدى)
نحن مع السلفية التي تعلي مِن القرآن الكريم والسنَّة النبوية ليكونا حكمًا بين الناس فيما اختلفوا فيه مِن أمور دينهم التي مدارها على الوحي، مع مراعاة ما قننه علماء الأمَّة مِن أصول وقواعد ومناهج للنظر والفهم والاستنباط والاستدلال، بمذاهبهم المعتبرة، عبر قرون مِن الجهد والاجتهاد، بعيدًا عن الظاهرية والفوضى المعرفية.
نحن مع السلفية التي تجعل جيل الصحابة -رضي الله عنه- المثال الأعلى للتطبيق العملي للإسلام، أفرادًا ومجتمعًا ودولة، وتحاكم الجميع إليه، ولا تستصنع نماذج أخرى وتلزم الأمَّة بها، فليس لدى الأمَّة مثال نال شهادة حسن التطبيق للوحي قولًا وعملًا، ودعوة وحركة، ووعيًا وشعورًا، كالصحابة.
نحن مع السلفية التي تدعو برحمة وتجادل بحجَّة وتنكر بحكمة ويكون أفرادها قدوة حسنة فلا غلظة ولا شدَّة ولا تطرُّف، سلفية لا تقصر السلفية على شيخ أو جماعة أو طائفة، بل تراها استحقاقًا لكلِّ فرد أو جماعة أو طائفة غلب عليها اتِّباع الصحابة قولًا وعملًا، ودعوة وحركة، ووعيًا وشعورًا، دون أن توزِّع هي صكوك الاستحقاق، فما شهدت به الأمَّة الصالحة هي الشهادة التي ينتزعها الله تعالى لعباده.
نحن مع السلفية التي تحافظ على تراث الأمَّة، مع تمييز بين الشرع المنزَّل والفقه المؤوَّل، بين نصوص الوحي وأقوال البشر، بين عرى الإجماع وساحات الخلاف، وبين قلاع الأصول ومسالك الاجتهاد، وبين مكانة العلماء ونقد الآراء، وبين ضرورات العودة للجذور ومتطلَّبات النمو للفروع.
نحن مع السلفية التي تبيِّن الحق مِن الباطل والصواب مِن الخطأ، دون قدح وتجريح وإسفاف في ذمِّ الهيئات والجماعات والعلماء والدعاة والمصلحين، مع استيعاب الاجتهادات والآراء التي تدور بين الراجح والمرجوح والتنوُّع والتعدُّد.
نحن مع السلفية التي لا تعطي لرموزها وأفرادها صكوك العصمة والمغفرة، وتستهين بالآخرين، وتصنِّف الناس بأشكالهم أو بمعاييرها الشكلية أو التي ترتضيها خيارًا لها في حين أنَّ في الأمور سعة وفسحة، فهذه سلفية الاغترار والافتخار لا سلفية التواضع والانكسار.
نحن مع السلفية التي تشتبك مع الواقع سياسة واقتصادا وثقافة وفكرًا واجتماعًا ودعوة وتعليمًا، وتتطوَّر في الأداء، وتجدِّد في الوسائل والأساليب، وتتقدَّم في الإنجازات، ولا تقتصر على أدوار هامشية في ظلِّ الواقع الذي تتوزع فيه جبهات الغزو والهجوم والاشتباك.
نحن مع السلفية التي لا تحابي الحكَّام ولا تداهن الأنظمة المعاصرة، ولا تلك التي تكون عبورًا لظلمهم وفسادهم وجبروتهم واستبدادهم، بل مع السلفية المصلحة والمدافعة عن الدين وحقوق الأمَّة ومصالحها، وعن حقوق الخلق جميعًا، برِّهم وفجارهم، طائعهم وعاصيهم، مؤمنهم وكافرهم، والقائمة بواجب النصيحة والاحتساب على الظالمين والمفسدين والباغين.
نحن مع السلفية كمنهج تتعدَّد فيه المشارب والموارد بحسب اختلاف اهتمامات الناس وطبائعهم ومسالك فهمهم، مع إيجاب التعاون والتكامل والتناصح والتغافر بين مكوِّناتها الدعوية والحركية والسياسية والمؤسَّسية، مع إعذار المخالف وستر المقصِّر.
نحن مع السلفية الواعية المتعلِّمة التي تجمع بين النقل والعقل، والوحي والعلم، والإجماع والاجتهاد، والمشورة والرأي، والفكر والوعظ، تتوزَّع ثغور المعرفة وتفجِّر منابع الفقه، وتفتح آفاق التجديد، مع التزام الهداية بالوحي والاسترشاد بالعقل، لا سلفية الانغلاق وخلق التناقض بين ثنائيَّات مسالك الهداية والرشاد.
نحن مع السلفية الروحانية التي تحيل العقيدة مِن تصورات نظرية إلى إيمان دافق حار، يدفع للتقوى وللخشية وللعمل الصالح والإحسان والمعروف، إيمان العبادة والأخلاق، لا سلفية الجفاف والجفاء والجلافة.
اقرأ أيضا: التصوف الذي نريد