السلام الديني العالمي في خدمة المشروع الصهيوني (1 من2) | قراءة في كتاب: “الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي المخطط الاستعماري للقرن الجديد”
الكتاب: “الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي المخطط الاستعماري للقرن الجديد”
الكاتب: هبة جمال الدين محمد العزب
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى بيروت، شباط/فبراير 2021
(256 صفحة من القطع الكبير)
رغم أنَّ جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني التي تمت من بعض الدول العربية لم تثمر سلاماً ولا أعادت حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة بل دفعت العدو الصهيوني إلى مزيد من ارتكاب الجرائم بحق فلسطين ومقدسات العرب والمسلمين وفي مقدمتها القدس الشريف، فإنَّ الحديث عن مصطلح “المشترك الإبراهيمي” كمدخل للسلام الديني العالمي، ومطية للقضاء على التطرف والعنف، بل وللقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، أصبح الخطاب الذي تروجه الديبلوماسية الأمريكية، وبعض مراكز الأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، من أجل توظيف الدين في خدمة السياسة الخارجية الأمريكية، و المشروع الصهيوني في المنطقة .
ويسعى الكيان الصهيوني إلى إقامةَ علاقاتٍ طبيعية مع الدول العربية ،والتوصل إلى إبرام اتفاقيات سلام معها، وذلك في وقتٍ يستمر فيه هذا الكيان إنكار أنَّ القضية الفلسطينية هي لبُّ الصراع العربي ـ الصهيوني، ويسعى إلى إيجاد مصالح مشتركة بينه وبين عديد من نُظم الحكم العربية من دون حل القضية الفلسطينية (مثلًا: ضد ما تعدّه العدو المشترك المتمثل بـ”الخطر الإيراني”، وقوى التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية، والحركات الإسلامية على أنواعها.
وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني مفهوم “المشترك الإبراهيمي” من أجل تصفية القضية الفلسطينية وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، من خلال خطة الرئيس الأمريكي المسمّاة “صفقة القرن” التي تتبنى رؤية اليمين الصهيوني المتطرّف لحل القضية الفلسطينية بجميع مكوناتها، خصوصا منها تعزيز الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة، واستمرار الاحتلال الصهيوني في مصادرة الأراضي الفلسطينية، ومنحها للمستوطنين الصهاينة،وحسم موضوع القدس بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بها عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارتها إليها،واستمرار اقتحامات المستوطنين الصهاينة للمسجد الأقصى، بهدف اقتسامه زمانيًّا ومكانيًّا، تمهيدًا لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
خلفيات “المشترك الإبراهيمي”
صاحب فكرة توظيف نبي الله إبراهيم هو الإرهابي المصري القابع في السجون الأمريكية سيد نصير في بداية تسعينيات القرن الماضي، أملا في الإفراج عنه من خلال تقديمه فكرة جديدة تخدم الأمن القومي الأمريكي. وقد أصر على وصولها إلى الإدارات الأمريكية المتلاحقة حتى استجاب نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني مطمئنا إياه بوصولها إليه.
فكرة الإبراهيمية تم اختبارها على الأرض من جانب مراكز الأبحاث الأمريكية والجامعات الأمريكية وبخاصة جامعة هارفرد في بداية الألفية. والمشترك الإبراهيمي يتم تسويقه دینیا وتوظيفه سیاسیا. يسوق دینا بهدف مكافحة التطرف وخطاب الكراهية ونشر الحب والتسامح والمحبة في المقابل. ولكنه خطوة تبدأ عبر تغيير مسمى الأديان من سماوية إلى إبراهيمية:
ـ البحث عن المشترك الإبراهيمي بين الأديان التي يتم تأصيلها في ميثاق مشترك ينحي النصوص المختلف بشأنها.
ـ الميثاق المشترك الإبراهيمي مقدس ينزع القدسية عن الأديان السماوية وبالتبعية الدور العبادة وتلصق بالمراكز الإبراهيمية والروحية.
ـ ستكون المراكز الإبراهيمية والروحية مركز الحكم الكوني العالمي، حيث تجمع بين رجال الدين والساسة معا ليحلوا النزاعات الممتدة عبر المشترك الديني، وإعادة قراءة النص الديني لترجمته على الخريطة السياسية التي ستقدم الحق للشعوب الأصلية أصحاب الحق الأصلي خلال دبلوماسية المسار الثاني.
ـ سيؤدي المشترك الإبراهيمي إلى القبول بالتشارك في الموارد النادرة المحدودة، وهذه الندرة تتطلب تكنولوجيا متقدمة لحسن استغلالها وتنظيم استخراجها وتصنيعها.
في هذا الكتاب الجديد “الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي المخطط الاستعماري للقرن الجديد”، المتكون من مقدمة وأربعة فصول، ويتضمن قائمة من الجداول، وقائمة من الخرائط، ويتضمن 253 صفحة من القطع الكبير، والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، في شهر شباط / فبراير 2021، تقدم الأستاذة الباحثة في العلوم السياسية والدراسات المستقبلية في معهد التخطيط القومي المصري، والخبيرة المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية، هبة جمال الدين محمد العزب، قراءة جديدة لمفهومي “المشترك الإبراهيمي” و”الدبلوماسية الروحية”، وتكشف ارتباطها بالصهيونية المسيحية السائدة في أروقة وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، وتعرض الخطط التي تنفذ على الأرض في فلسطين المحتلة وبعض بلدان إقليم الشرق الأوسط، ومن ضمنها بلدان عربية، بهدف فرض الهيمنة الأمريكية ـ الإسرائيلية على المنطقة العربية، منها خطط “مسار إبراهيم”، و”مسار فرسان المعبد”، و”المسار التركي الصوفي”، التي يتم تمريرها تحت شعار السلام الديني العالمي، ومخطط “الولايات المتحدة الإبراهيمية” الذي تتم ترجمته من خلال صفقة القرن.
العلاقة بين الأصولية المسيحية والمشروع الصهيوني
هناك اعتقاد سائد في الفكر السياسي العربي يقوم على أن العلاقة بين الحركة الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية توطدت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حين أصبحت أمريكا قائدة بلا منازع للمعسكر الإمبريالي الغربي، في ضوء أفول نجم الإمبراطورية البريطانية.
بيد أن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، شهد عملية صعود متواصلة لظاهرة الأصولية المسيحية، بحيث لم تعد تقتصر على كونها، مكوناً من مكونات الثقافة الأمريكية، والفكر الأمريكي فقط، بل كان لها تأثيراتها على الحقل السياسي، حتى ارتقت لتصبح الأيديولوجية الحاكمة والموجهة للسلوك السياسي الأمريكي، منذ إدارة رونالد ريغان. لكن مع وصول جورج بوش الإبن، وبروز “مشروع قرن أمريكي جديد” على يد المحافظين الجدد، وضرورة ترجمته واقعاً استعمارياً، وما يستدعيه من ضرورة توفير الغطاء الأيديولوجي، أضحت “الصهيونية المسيحية” أيديولوجية هذا المشروع الإمبراطوري و صنوه الإقليمي “إسرائيل الكبرى”.
فكيف تشكلت هذه العلاقة بين “الصهيونية المسيحية” و”الصهيونية اليهودية”؟
تعود هذه العلاقة إلى بدايات الهجرة اليهودية للولايات المتحدة الأمريكية، إذ حمل أبناء المهاجرين الأوائل أسماء عبرية، وكذلك مستوطناتهم الأولى. ومن اللافت أن أول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد في العام 1642م، كانت بعنوان “العبرية هي اللغة الأم”، وأول كتاب صدر في أمريكا كان “سفر المزامير” وأول مجلة كانت مجلة “اليهودي” .
وكان البيوريتانيون شديدي المحافظة على التقاليد العبرانية. وكان مذهبهم بمنزلة بعث للروح اليهودية القديمة، وقد تميزوا باعتمادهم الشديد على كتاب “العهد القديم”، فاعتبروه وحياً سماوياً يغذي الفكر ويرشد نحو الصلاح.. وأدّى غلوهم في إجلال “العهد القديم” من الكتاب المقدس إلى التماثل في المشاعر والطموحات بينهم وبين اليهود (شعب الله المختار).
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر أسفر الواقع السياسي في أنجلترا عن ظهور جيل جديد من المسيحيين المتصهينين اقترنت في أيديولوجيتهم الحوافز الدينية بالحوافز الإمبريالية. أو قل بدأ العمل على توظيف الدافع الديني لتحقيق مكاسب سياسية ذات أبعاد استراتيجية استعمارية. فقد أثارت كتابات المسيحيين المتهودين الموالية للصهيونية موجة من التعاطف في أوساط الرأي العام. وتوضحت تماماً المزايا الإستراتيجية التي يمكن جنيها من خلال وجود منطقة نفوذ بريطانية في الشرق المتوسطي.
وهكذا راحت فكرة ضم فلسطين لبريطانيا عن طريق زرع كيان يهودي فيها بحماية بريطانية تروق لكثيرين ممن كانوا لا يكترثون بها قبل ذلك. واحتلت مكانة بارزة في أذهانهم مسألة الترابط بين العمل البشري من أجل تحقيق إرادة الله بعودة اليهود إلى أرض فلسطين وبين المصالح الاستراتيجية البريطانية.
وهكذا أضحت فلسطين في نظر أيديولوجية الأصولية المسيحية البروتستانتية الوطن الذي أعطاه الله لبني “إسرائيل”. وتؤمن الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية بعقيدة “هرمجدون”. يقول القس بيلي غراهام الذي ظل منذ العام 1970 يحذر من أن العالم يسير بسرعة كبيرة نحو هرمجدون.. إنَّ الجيل الحالي من الشباب قد يكون آخر جيل في التاريخ. وظل يردِّدُ في اجتماعاته الكنسية وبرامجه التلفزيونية مقولته الشهيرة: “يتساءل الكثيرون: أين تقع هرمجدون؟ وما مدى قربنا منها؟”.
وفي محاولته الإجابة يقول: “حسناً إنَّها تقع إلى الغرب من نهر الأردن بين الجليل والسامرة في سهل يزرعيل. عندما وقف نابليون في هذا الموقع العظيم، وقال: “إنَّ هذا المكان سيكون مسرحاً لأعظم معركة في العالم”. ويضيف غراهام: “إنَّ الكتاب المقدس يعلمنا بأنَّ آخر حرب عظيمة في التاريخ سوف تخاض في ذلك الجزء من العالم: الشرق الأوسط”.
في الحقيقة التاريخية برز في البداية تناقض عابر بين الحركة الصهيونية التي ارتبطت بحركة الاستعمار الأوروبي بزعامة بريطانيا، و المدافعة عن مشروع سياسي لإقامة الوطن القومي ،وبين الجماعات الدينية اليهودية الرافضة للصهيونية ودعوتها “القومية”.
ولعل أهم مكونات العقيدة القيامية “للصهيونية المسيحية” هي “هرمجدون”. و”هرمجدون” هي مدينة فلسطينية تقع في سهل مرج ابن عامر، وتقع بالقرب منها عدة جبال ذات أهمية استراتيجية، جعلت من المدينة حلبة لكثير من المعارك العسكرية في التاريخ. و”هرمجدون” في معتقدات “الصهيونية المسيحية” هي الموضع الذي ستجري فيه المعركة الفاصلة والنهائية بين ملوك الأرض تحت قيادة الشيطان (قوى الشر) ضد القوى التابعة للإله (قوى الخير) في نهاية التاريخ، وقد ورد ذكرها في رؤيا يوحنا (6:16): “فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون”. (وحسب سفر الرؤيا يمتد سهل مجيدو من القدس إلى البحر المتوسط) يرتبط كل هذا بعودة اليهود إلى أرض الميعاد مرة أخرى، لأنه شرط الخلاص” .
وفي الحقيقة التاريخية برز في البداية تناقض عابر بين الحركة الصهيونية التي ارتبطت بحركة الاستعمار الأوروبي بزعامة بريطانيا، و المدافعة عن مشروع سياسي لإقامة الوطن القومي ،وبين الجماعات الدينية اليهودية الرافضة للصهيونية ودعوتها “القومية”. فقد اعتبرت تلك الجماعات أنَّ “اليهود أمة دينية، وليست أمة قومية”، وأنه لا يمكنها أن تتحول إلى أمة بالمعنى الكامل إلا “بمقدم الماشيح الذي يعود بالمنفيين”، كما اعتبرت تلك الجماعات أيضا أن الصهيونية تهدف إلى اقتلاع أسس الديانة اليهودية، وأنها حركة مسيانية كاذبة، تحاول تعجيل النهاية بوسائل دنيوية.
في مفهوم الدبلوماسية الروحية
يشكل مفهوم”المشترك الإبراهيمي” أهم مرتكزات “الدبلوماسية الروحية” كمدخل فكري مهم، تدعمه الحكومات الأمريكية المتعاقبة بحثيًا منذ عام 1990، مع خطاب الرئيس الأمريكي بوش الأب عن “النظام العالمي الجديد “أحادي القطبية، عقب انهيارالاتحاد السوفياتي،والحرب الأمريكية ضد العراق خلال حرب الخليج الثانية”1991، ولكن على المستوى البحثي أخذ الأمر منحًى جديدًا مع الألفية الجديدة كبداية للتنفيذ و الدعم توجت بمأسسة داخل وزارة الخارجية الأمريكية عام 2013. فقد تم إنشاء فريق عمل حول الدين والسياسة في وزارة الخارجية الأمريكية بقرار من هيلاري كلينتون تتكون من 100عضو نصفهم من رجال دين من الديانات الثلاث، يعملون جنبًا إلى جنب مع الديلوماسيين في الوزارة.
واستمر هذا الفريق في العمل في ظل إدارة دونالد ترامب السابقة، حيث أن آخر وزير خارجيتها حين زار مقر الجامعة الأمريكية في القاهرة، ذكَّرَ في مطلع حديثه: “إنَّنا جميعًا أبناء إبراهيم” ليؤكد استمرار ذات النهج وشيوعه داخل وزارة الخارجية في الإدارت الأمريكية المتعاقبة كجزء من السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويلاحظ أنَّ أغلب مراكز الدبلوماسية الروحية في العالم تحمل جنسيات محددة أمريكية، إنجليزية، فرنسية، ألمانية، و إسرائيلية في الأساس، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام.
توصل عدد من الباحثين إلى رسم ملامح مفهوم الديبوماسية الروحية، بوصفها مسارًا من مسارات التفاوض يستهدف حل النزاع أو منع حدوثه من أجل بناء سلام ديني عالمي، يتم عبر الجمع بين القادة الروحيين والساسة داخل آلية المسار الثاني للمفاوضات، باستخدام المدخل النفسي لدحض الأصولية في الأديان الثلاثة، والتباحث حول القضايا الحساسة محل النزاع بهدف التوصل إلى مشترك عبر تقارب بين الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام والمسيحسة واليهودية) أو ما يسمى الديانات الإبراهيمية
في هذا السياق، تقول الباحثة هبة جمال الدين “في بداية انشغالي بممفهوم الدبلوماسية الروحية وجدت شعارات وغايات مهمة مرتبطة بالمفهوم،ربما تمثل في ذاتها إخلاصًا لما نعيشه من توترات ومشاكل ونزاعات وصراعات مستمرة وممتدة من أجيال مضت، حيث ارتبط المفهوم بمصطلح”السلام الديني العالمي”، بوصفه مطية للوصول إلى هذه الغاية السامية التي سنصل إليها عبر السلام بين الأديان التي كانت مصدرًا للصراع داخل إسهامات العديد من المفكرين بالفكر الغربي كأرنولد توينبي في بداية عشرينيات القرن العشرين، وباسيل ماثيوز في كتابه بعنوان مسار الإسلام الفتي:دراسة في صدام الحضارات، تبعه المستشرق برنارد لويس في كتابه ثقافات في صراع عام 1996، ثم صموئيل هنتنغتون خلال حديثه عن صدام الحضارات.لكن مفهوم الدبلوماسية الروحية جاء ليؤكد أنَّ الدين مصدر الصدام قد تغير وتطور ليكون مدخلاً للحل و التسوية ، فجاء الحديث عن السلام الديني العالمي الذي سنصل إليه عبر مفهوم الديلوماسية الروحية”(ص 17).
فهذا الطرح لمفهوم “الدبلوماسية الروحية” الذي ظهر مع مطلع الألفية الجديدة كأحد المتغيرات في السياسة الدولية، والمدعوم من قبل القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وبعض حلفاء أمريكا، هو مخطط استعماري يستهدف حل النزاعات الإقليمية، وتحقيق السلام العالمي، وفق رؤية ومصالح وأهداف الإمبريالية الغربية بزعامة واشنطن، ومكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة،حيث أن هذا المفهوم يستخدمه البنك الدولي كمدخل لمكافحة الفقر الكوني عبر تحقيق تفاهم مشترك حول مسببات الفقر، وكيفية محاربته من خلال الأديان باعتبار أنه لا سلام بدون سلام بين الأديان الإبراهيمية، والمشاركة في تقديم خدمات مبنية على قيم التعليم الديني لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، و التي تحولت بعد ذلك إلى أهداف للتنمية المستدامة.
وهناك من عدَّهُ مدخلاً لحل الصراعات، كالمركز الدولي للديانة والدبلوماسية بواشنطن، بوصفه مدخلاً لحل الصراعات المعتمدة على الهوية التي تتخطى قدرة الدبلوماسية الرسمية، عبر تكامل الأديان كجزء من الحل. فقد توصل عدد من الباحثين إلى رسم ملامح مفهوم الديبوماسية الروحية، بوصفها مسارًا من مسارات التفاوض يستهدف حل النزاع أو منع حدوثه من أجل بناء سلام ديني عالمي، يتم عبر الجمع بين القادة الروحيين والساسة داخل آلية المسار الثاني للمفاوضات، باستخدام المدخل النفسي لدحض الأصولية في الأديان الثلاثة، والتباحث حول القضايا الحساسة محل النزاع بهدف التوصل إلى مشترك عبر تقارب بين الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام والمسيحسة واليهودية) أو ما يسمى الديانات الإبراهيمية أو الدين الإبراهيمي “الدين العالمي الواحد” للقضاء على الاختلافات و الوصول إلى متفق يقبله المجتمع، عبر ترجمته لخدمات ملموسة يشعر بها المواطن (الحوار الخدمي) ليكون ولاؤه للدين الإبراهيمي، ويتم نقله إلى الخريطة السياسية لأنَّ هذا المسار سيكون مركز صنع القرار السياسي في العالم، بهدف خلق ما يسمى “السلام الديني العالمي”.
ويرتكز مفهوم الدبلوماسية الروحية على عدد من المحاور، لعل أهمها:
ـ محورية النبي إبراهيم: باعتبار أن ذكره يحمل القبول والقدسية والتقارب ويمثل المشترك بين الأديان.
ـ الديانات الإبراهيمية: التي ستتحاور لتصل إلى وضع ميثاقٍ تكون له القدسية الدينية كبديل من المقدسات السماوية يؤسس للمشترك الديني بين الأديان السماوية الثلاثة و يُنَحِّي الخلاف والفواصل.
ـ الجمع بين رجال الدين والساسة والدبلوماسيين: ليعملوا معًا لوضع المتفق عليه دينيًا على الأرض وترجمته سياسيًا لحل الصراعات المتشابكة.
ـ القادة الروحيون:هم إحدى الأدوات المهمة لنشر المفهوم على الأرض وجذب المريدين والمؤمنين بالفكر.
ـ القيادات الصوفية: فهي الأكثر قربًا للتعامل معها وتقريب وجهات النظر على الأرض و لا ينظر إليها باعتبار الصوفية قاصرة على الدين الإسلامي، ولكن تمتد إلى سائر الديانات السماوية، بل وتشتمل على الملحدين أيضًا كبوتقة روحية قادرة على خلق المشترك و الجمع بين المريدين على الأرض.
السلام الدين العالمي: مدخله الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط بوصفها أساس استقرار العالم وفقًا لأنصار هذا الفكر، فالشرق الأوسط هو نطاق تطبيق للمبادرة.
المصدر: عربي21