مقالاتمقالات مختارة

السلاجقة أصولهم وبدايات اتصالهم بالعالم العربي والإسلامي

السلاجقة أصولهم وبدايات اتصالهم بالعالم العربي والإسلامي

بقلم د. علي الصلابي

 

1. أصول السلاجقة

ينحدر السلاجقة من قبيلة (قنق) التركمانية، وتمثل مع ثلاث وعشرين قبيلة أخرى مجموعة القبائل المعروفة بـ (الغز)، وفي منطقة ما وراء النهر، والتي اسمها اليوم (تركستان)، التي تمتد من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقًا إلى بحر الخزر (بحر قزوين) غربًا، ومن السهول السيبيرية شمالًا إلى شبه القارة الاهندية وفارس جنوبًا، استطونت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك تم تحركت هذه القبائل في النص الثاني من القرن السادس الميلادي في الانتقال من موطنها الأصلي نحو آ سيا الصغرى في هجرات ضخمة.

وذكر المؤرخون مجموعة من الأسباب التي ساهمت في هجرتهم، فالبعض يرى أن ذلك يرجع لعوامل اقتصادية، فالجدب الشديد وكثرة النسل جعلت هذه القبائل تضيق ذرعًا بموطنها الأصلي، فهاجرت بحثًا عن المراعي والعيش الرغيد، والبعض الآخر يعزو تلك الهجرات لأسباب سياسية، حيث تعرضت تلك القبائل لضغوط كبيرة من قبائل أخرى اضطرت إلى ترك أراضيها بحثًا عن نعمة الأمن والاستقرار وأنها اضطرت أن تتجه غربًا ونزلت بالقرب من شواطئ نهر جيحون ثم استقرت بعض الوقت في طبرستان وجرجان، فأصبحوا بالقرب من الأراضي الإسلامية بعد سقوط الدولة الفارسية الساسانية في فارس (إيران) إثر معركة نهاوند سنة 21 هـ/ 641م.

2. بدايات اتصال الأتراك بالعالم الإسلامي

تحركت الجيوش الإسلامية إلى بلاد الباب شرقًا لفتحها في عام 22 هـ/ 642 م ، وكانت تلك الأراضي يسكنها الأتراك، وهناك التقى القائد الإسلامي عبدالرحمن بن ربيعة بملك الترك شهربراز، فطلب الأخير من عبدالرحمن الصلح وأظهر استعداده للمشاركة في الجيش الإسلامي لمحاربة الأرمن، فأرسله عبدالرحمن إلى القائد العام سراقة بن عمرو، وقد قام شهربراز بمقابلة سراقة فقبل منه ذلك، وكتب للخليفة عمر بن الخطاب يُعلمه بالأمر، فوافق على ما فعل. وعلى إثر ذلك عُقد الصلح ولم يقع بين الترك والمسلمين أي قتال، بل سار الجميع إلى بلاد الأرمن لفتحها ونشر الإسلام فيها.

تقدمت الجيوش الإسلامية لفتح مناطق شمال شرق بلاد فارس حتى تنتشر دعوة الله فيها، بعد سقوط دولة الفرس التي كانت تقف حاجزًا منيعًا أمام الجيوش الإسلامية، أصبح الباب مفتوحًا أمام تحركات شعوب تلك البلدان والأقاليم ومنهم الأتراك، فتم الاتصال بالشعوب العربية والإسلامية، واعتنق الأتراك الإسلام وانضموا إلى صفوف المجاهدين لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله.

وفي عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان تم فتح بلاد طبرستان، ثم عبر المسلمون نهر جيحون سنة 31 هـ ونزلوا بلاد ما وراء النهر، فدخل كثير من الترك في دين الإسلام، وأصبحوا من المدافعين عنه، والمتشركين في الجهاد لنشر دعوة الله عز وجل بين الناس.

وواصلت الجويش الإسلامية تقدمها في تلك الأقاليم، فتم فتح بلاد بخارى في عهد معاوية بن أبي سفيان وتوغلت تلك الجيوش المظفرة حتى  وصلت سمرقند، وما أن ظهر عهد الدولة الراشدية حتى صارت بلاد ماوراء النهر جميعها في ظل الحكم الإسلامي، وعاشت تلك الشعوب حضارة إسلامية عريقة. وازداد عدد الأتراك في بلاد الخلفاء والأمراء العباسيين وشرعوا في تولي المناصب القيادية والإدارية في الدولة، فكان منهم الجند والقادة والكتاب، وقد التزموا الهدوء والطاعة حتى نالوا أعلى المراتب.

وعندما تولى المعتصم بالله الخلافة العباسية فتح الأبواب أمام النفوذ التركي، وأسند إليهم مناصب الدولة القيادية وكانت سياسة المعتصم تهدف إلى تقليص النفوذ الفارسي الذي كان له اليد الطولى في إدارة الدولة منذ عهد الخليفة المأمون بن هارون الرشيد. ولكن اهتمام المعتصم بالأتراك سبب نتقمة الناس عليه، فأسس مدينة سامراء شمال بغداد بنحو 125 كم وسكنها هو وجنده الترك، وهكذا بدأ الأتراك منذ ذلك التاريخ في الظهور في أدوار هامة على المسرح السياسي، حتى أسسوا دولة إسلامية كبيرة كانت على صلة بخلفاء الدولة العباسية عرفت بالدولة السلجوقية.

3. ظهور الأتراك السلاجقة على المسرح السياسي

ينتسب السلاجقة إلى جدهم دقاق الذي كان مع قبيلته في خدمة أحد ملوك الترك وكان يدعى بيغو، وكان دقاق في هذه المرحلة من تاريخ السلاجقة مقدم الأتراك الغز، ومرجعهم إليه لا يخالفون له قولًا ولا يتعدون له أمرًا، وكان سلجوق بن دقاق في خدمة بيغو كما كان والده من قبل، حيث كان يشغل وظيفة عسكرية مهمة (مقدم الجيش). وفي هذا الوقت تذكر المصادر أن مظاهر التقدم وعلامات القيادة بدت واضحة عليه، حتى أن زوجوة الملك أخذت تثير شكوك زوجها بخطورته؛ لما رأت من حب الناس له، وانصياعهم إليه إلى الحد الذي أغرته بقتله، وما أن عرف سلجوق بذلك حتى أخذ أتباعه ومن أطاعه وتوجه إلى دار الإسلام وأقام بنواحي جند قريبًا من سيحون، وفيها أعلن سلجوق إسلامه، وأخذ يشن غاراته على الترك الوثنيين.

خلَّف بعد وفاة سلجوق عددًا من الأولاد ساروا على سياسة والدهم في شن الغارات على كفار الترك، وبذلوا جهودًا كبيرة في حماية السكان المسلمين الآمنين من غاراتهم، فازدادت قوتهم وتوسعت أراضيهم وقد أكسبهم ذلك كله احترام الحكام المسلمين المجاورين لهم، فقد غزا ميكائيل بن سلجوق بعض بلاد الكفار من الترك فقاتل حتى استشهد في سبيل الله، وفي نهاية الأمر أجمع السلاجقة على زعامة طغرل بك وقام بتوسيع رقعة سيطرته حتى  اتصل بالخلافة العباسية في بغداد، وهذا كان أول عهد الترك السلاجقة بالمشرق العربي.

 

 

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى