أوراق نماء
إعداد ياسر المطرفي
السؤال الفقهي.. وجواب الفقيه
(مراجعة نقدية)
مع كل موسم من المواسم الدينية كـ(رمضان/ الحج)، يتدافع الناس نحو الفتوى، ويروج سوق المفتين، بإمكاننا أن نلحظ ذلك في برامج الإفتاء المباشر على القنوات الفضائية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي حيث يخصص المفتون ساعات معينة للاستفتاءات على حساباتهم الشخصية.
هذا التدافع والرواج هو مؤشر يعكس بشكل ما تمسكًا دينيًا عند الناس، ويحيل إلى أنَّ لديهم إحساسًا بأهمية المحافظة على العبادات وأدائها متلافين الأخطاء ما أمكن.
هذا النظر الإيجابي لهذه الظاهرة ينبغي أن لا يحجبنا عن قراءتها من زوايا أخرى تجعلها أكثر رشدًا، وتساهم في تصحيح كثير من التصورات عند الناس حول السؤال الديني؛ فخلافًا لما نظن فإنَّ ظاهرة السؤال الفقهي تعرضت للمراجعة والنقد والتصحيح منذ وقت مبكر عند فقهاء الطبقات الأولى -أي من قبل أن يتحول الفقه إلى مذاهب-، فالتابعي عبدة بن أبي لبابة (ت: 127ه) يقول: “وددت أن أحظى من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء ولا يسألوني عن شيء، يتكاثرون في المسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم”.
وابن وهب ينقل عن مالك بن أنس (ت: 179ه) قوله: “أدركت أهل هذه البلاد، وأنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي في الناس اليوم -يريد المسائل-“.
نعم، كان لهذا النقد سياقاته التاريخية المختلفة، غير أنَّ ما يعنينا هنا هو النقد ذاته؛ لنجعل منه مدخلًا مناسبًا لهذا المقال الذي سنقف فيه مع ظاهرة السؤال الفقهي مقدمين له بـمقولة مفتاحية لمالك بن أنس-إمام المذهب المالكي- عندما عرضت عليه مجموعة من المسائل الفقهية الدقيقة فقال: “لم يكن النَّاس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور كما يسأل النَّاس اليوم، ولم يكن العلماء يقولون: حرام ولا حلال، أدركتهم يقولون: مكروه ومستحب”.
يُرصد الإمام مالك في هذه العبارة تحولًا في تلك اللحظة الزمنية؛ في طبيعة السؤال الفقهي من جهة، وفي طبيعة الجواب الفقهي من جهة أخرى؛ أي: تحولًا عند السائل، وتحولًا آخر عند المجيب، وسنقف في القسم الأول من هذا المقال مع السؤال الفقهي، وفي قسمه الثاني مع جواب الفقيه..
(المصدر: مركز نماء للدراسات والبحوث)