الزواج و الوحدة عند العلامة المعلمي -رحمه الله-
بقلم ياسين الشرقاوي
وقفت كما وقف غيري على المجموع العظيم (آثار الشيخ العلامة المعلمي..) و ألفيته حسن الفائدة ، و عظيم الشأن.. و لا يمكنني إلا أن أقف شاكرا للمحقق الدكتور علي العمران – حفظه الله- و الباحثين المشاركين معه.. على بحثهم و تفانيهم في هذا الجمع.. و من قرأ المدخل للآثار يعلم هذا.. و يوقن به من تمرس البحث! و من عجيب ما استوقفني : رسائل الشيخ إلى أبيه و إخوته و ذويه ، مما يدل على حسن التواصل و التآلف الذي هو لصيق برحمة العلم.. و إنك لتجد في هذه الرسائل علما و رحمة و إحسانا و تفاصيل.. لولا ما كان من الشيخ من استثقال هذه الرسائل عليه كما صرح بذلك (!) لخرجنا منها بسفر أخلاقي عظيم ..! و استثقاله هذا لا يدل على عدم إتقانه كما سبق.. و إنما هو شيء لم يوافق طبع الشيخ.. و هذا موجود.. فبعض المشايخ و العلماء لا يحب الرسائل النصية أو التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي..بينما تجد عكس ذلك في آخرين (قد علم كل أناس مشربهم) و إن أردت أيها الناظر أن تتحقق مما ذكرته لك.. فهاك طرفا من رسالته لأحد إخوته.. و قد انتقيت هذه الرسالة لما فيها من كلام رائق و تجربة سليمة في الزواج و الوحدة.. تحكي عن شعور عالم من علماء هذا العصر! قال – كما في المدخل إلى آثاره ضمن رسائله- : (..أما الزواج، وما أدراك ما الزواج، فلا أستطيع أن أشير عليك بشيء، لأني في نفسي وجدت الزواج فيه خير وفيه شر، أما خيره فحفظ العفة والنّاموس. وأما شرّه: فكثرة المصارف ونكد الخاطر دائمًا وغير ذلك. والنساء أشبه بالضأن؛ جوف لا يشبعن، وهِيم لا ينقعن، وأمر مُغويتهنّ يتبعن، ولا سيما في اللباس والحليّ، أشدّ شيء على المرأة أن ترى عند صاحبتها حُليًّا ليس عندها أغلى منه، أو لباسًا ليس عندها أجمل منه، والأمر أشد من ذلك، فإن لم يوافقها زوجها – وطبعًا لا يقدر على موافقتها – أدخلت عليه الهمّ والغمّ، أما أنا فإني لا أبالي بهوى زوجتي ولكن لا أسلم من الغم ونكد الخاطر وتكدّر الحال. وبالجملة، فإني أحبّ أن تتزوج لأن خير الزواج أهمّ من شرِّه كما تعلم، ولكني لا أقدر أن آمرك لما ذكرت أن تعبه أعظم من راحته. فعليك أن تستخير الله عز وجل، فإذا غلب ميلك إلى الزواج فاجتهد أن تكون امرأة موافقة، واستخر الله تعالى فيها ثم تزوج.وقد قال سفيان الثوري: من تزوج فقد ركب البحر، فإذا وُلِد له فقد انكُسِر به، يعني انكسرت سفينته ،وأما الوَحْدة فإني أشدّ منك فيها، والله ما أعلم إنسانًا هنا يؤنسني الاجتماع به إلا واحدًا هو الشيخ أحمد العبادي، ومع ذلك فلا أكاد أجتمع به في السنة ثلاث مرات، وليس هو كما أحب من كل جهة. أما بقية النّاس فإن اجتماعي بهم يكدّرني ويغمّني. وكنت سابقًا أروّح نفسي في الشهر مرتين بمشاهدة السينما، ثم رغبت عنها لأسباب منها: أن الألعاب الجديدة أوغلت في الفُحْش والخلاعة، وتلك سماجة تذهب اللذة. وثانيًا: أنها لمّا صارت مع النطق والكلام صار ثلاثة أرباعها غناءً ومعظم لذة السينما إنما هو في القصّة، وأما الغناء الهندي فلا أستلذّه. وثالثًا: وهو أضعف الأسباب أن المنتمين إلى العلم والدين هنا مقاطعون للسينما. أما الفُرجة والنزهة فلا حظَّ لي فيها؛ لأن معظم شروطها الإخوان وأين هم؟! ولهذه الأمور شَمِطَت لحيتي، وضاقت جدًّا طبيعتي، وصرت كما قيل: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى … وصوَّت إنسان فكِدتُ أطيرُ وبالجملة، فحياتي ههنا تعيسة بئيسة والحمد لله على كل حال، فإن نِعَمه سبحانه وتعالى عليّ وعلى خلقه لا تحصى، ومن أعظم ذلك أنني بحمد الله تعالى لا أحتاج إلى أحدٍ من الناس، وأني رُزِقت شيئًا من اللّذة في الكتب، وقد وجدت لذَّة في كتابتي لهذا الجواب على خلاف العادة فطوّلته،وأجدني مشتاقًا إلى التطويل، ولكن أخشى أن تعدّ أكثر كلامي نوعًا من الهذيان، ولعلّه كذلك. وصل كتابك هذه الليلة، ليلة ثامن محرّم، وأهل البلد منشغلون بألعابهم المحرميّة، وأنا هذه السنة رغبت عن التفرج، مع أني كل سنة كنت أصرف أكثر هذه الليالي فيه، وكنت هذا اليوم قد اشتغلت بالكتابة في الرسالة المذكورة آنفًا حتى سئمت وترددت في الخروج للتفرج، فلما جاء كتابك انفتح لي هذا الباب فشرعت في كتابة الجواب، وخشيتُ إن أنا أخرته أن تهيج بي طبيعتي المعهودة فيتأخر. وأقسم باللهِ تعالى لولا أن عندي شيئًا من العلم أرجو أن ييسر الله تعالى نشره، وأن طاعتي لله عَزَّ وَجَلَّ حقيرة، أرجو إن طالت بي حياة أن ييسر الله تعالى لي خيرًا منها لكان الموت أحب إليّ من الحياة، بل لكان الموت هو المحبوب والحياة مكروهة، هذا معتقدي الآن ولا أدري ما يحدث بعد، والسلام. أخوك عبد الرحمن .
انتهى..
(المصدر: طريق الاسلام)