بقلم علي القماش
صدر للكاتب والمفكر الدكتور حلمي محمد القاعود كتاب جديد بعنوان ” الزاهد –أنور الجندى – حياته . أدبه . فكره ” عرض فيه سيرة الزاهد أنور الجندي كنموذج فريد للكاتب المسلم في جهاده وعطائه ، وصبره وتضحيته ، قدم للمكتبة العربية المعاصرة مئات الكتب والدراسات ، دفاعا عن الإسلام وشرحا لمقاصده ، وبيانا لجوهره وغاياته . وظل قرابة ستين عاما والإسلام هو قضيته الأولى التي شكلت محور حياته الأدبية والفكرية ، في ظل مناخ مسموم يكره من يكتب عن الإسلام بوعي وإصرار ، ويحاصره ويحاربه ، ولكن الرجل كان يتقرب بكتابته إلى الله ، وينتظر جائزته من رب الناس بالرحمة والغفران.
لقد رضي أن يعيش حياة متقشفة بسيطة يبحث وينقب ، فكشف كثيرا من المناطق المجهولة في التاريخ والأدب والفكر ، وأضاء للأمة معالم الطريق المستقيم الذي حاول خصوم الإسلام طمسه أو تحويل الناس عنه . إنه رجل أمّة !
كان ينشر كتبه على حسابه وينفق عليها معاشه البسيط لترى النور في صورة متواضعة ، ولم يطلب من الموزعين شيئا ، وكنت شاهدا على ذلك ، وأظنه لم يتلق مقابلا من معظم الناشرين .
لقد رأيت الرجل الواعي المجاهد قد ظُلم ظلما شديدا من الحياة الثقافية في بلادنا ، بينما تحتفي بكل أعداء الإسلام وخصومه ومن لا طعم لهم ولا لون ، وتمنحهم جوائزها ، وتنشر لهم كتبهم ودراساتهم الهزيلة ، وتقيم لهم السرادقات على الطريقة الفرعونية ! وكنت اسأله عن ذلك ، فيقول : إنني أنتظر جائزة من ربي بالرحمة والغفران .
ومن ثم كان جهدي المتواضع للتعريف بالرجل وتقديمه للأجيال الجديدة كي تتعرف على حياته وجهاده ، وأدبه وإبداعه ، وتصوراته وفكره ، وودت لو توسعت في الدراسة لتتكافأ مع حجم إنتاجه ونشاطاته الفكرية ، ولكن عذري حين أقدم هذه الإطلالة السريعة ، هو طبيعة الظروف الصحية التي أعانيها ، وانشغالي الأكبر بما يجري على ساحة الوطن من أحداث تضطرني إلى المتابعة المستمرة .
أرجو أن يكون ما كتبته هدية متواضعة إليه في العالم الآخر إن كانت تُقْبل مثل هذه الهدايا ، وأن يكون حافزا للباحثين والكتاب الجادين المخلصين على مواصلة البحث عن الرجل وأدبه وفكره وإبداعه ، ليتعرف الناس على الحقائق التي يخفيها التجاهل والتهميش والتعتيم . تجدر الاشارة ان من أشهر مؤلفات الجندي “طه حسين .. حياته وفكره في ميزان الاسلام”، “الاسلام والغرب”، “الخروج من التبعية”، “ألف مليون مسلم في مواجهة الأخطار والتحديات”، ” الصهيونية والاسلام”.
قال عنه العلامة الشيخ القرضاوي عقي علمه بنبأ وفاته:
“علمت بالأمس القريب فقط أن الكاتب الإسلامي المرموق الأستاذ أنور الجندي قد وافاه الأجل المحتوم، وانتقل إلى جوار ربه، منذ يوم الاثنين 28 يناير 2002م، بلغني ذلك أحد إخواني، فقلت: يا سبحان الله، يموت مثل هذا الكاتب الكبير، المعروف بغزارة الإنتاج، وبالتفرغ الكامل للكتابة والعلم، والذي سخر قلمه لخدمة الإسلام وثقافته وحضارته، ودعوته وأمته أكثر من نصف قرن، ولا يعرف موته إلا بعد عدة أيام، لا تكتب عنه صحيفة، ولا تتحدث عنه إذاعة، ولا يعرِّف به تلفاز. كأن الرجل لم يخلف وراءه ثروة طائلة من الكتب والموسوعات، في مختلف آفاق الثقافة العربية والإسلامية. وقد كان عضوا عاملا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، ومن أوائل الأعضاء في نقابة الصحفيين، وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية سنة 1960م.لو كان أنور الجندي مطربا أو ممثلا، لامتلأت أنهار الصحف بالحديث عنه، والتنويه بشأنه، والثناء على منجزاته ” .
رحم الله أنور الجندي
والكتاب في قطع كبير- 280 صفحة والناشر: دار البشير للثقافة والعلوم بالقاهرة.
المصدر: صحيفة المصريون.