
(الرّدّ المفصّل علی كلّ من قال بخبث أو بجهل: أين ربّ العزّة عمّا يحدث في قطاع غزّة )؟!
بقلم أ. د. محمّد حافظ الشريدة( خاص بالمنتدى)
صرنا نسمع من جديد -مع الأسف الشّديد- في هذه الأيّام في وسائل التّواصل الاجتماعيّ والإعلام من يقول من الجهلة ومن العوامّ ومن شرذمة دعاة التّغريب الأقزام من العلمانيّين من اليسار ومن اليمين: أين هو إله العالمين ممّا يحدث -اليوم- للمرابطين والمنكوبين في أرض فلسطين؟! وللإجابة الشّافية عن هذا السّؤال أقول مستعينًا باللّه ذي الجلال
أوّلًا: يجب أن نتأدّب مع ربّ المشرقين وربّ المغربين القائل في القرآن الكريم: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾!
ثانيًا: يجب علی كلّ مسلم وكلّ صاحب عقل وفهم أن يعلم علم اليقين أنّ حياتنا الدّنيا ليست دار جزاء وإنّما هي دار اختبار وابتلاء وقد ينزل فاطر الأرض والسّماء ما شاء من بأسه على فئة الظّالمين الأعداء والطّغاة الألدّاء وقد يؤخّر ذلك لحكمة لا يعلمها إلا هو وحده القادر علی كلّ ما يشاء! وما علی المسلم إلا أن يأخذ بالأسباب وأن يتوكّل قبل ذلك وبعد ذلك علی مولی العباد!
ثالثًا: من المعلوم لجميع عباد اللّه المؤمنين بدون خلاف أنّ هذه الحياة الدّنيا ليست هي الوحيدة ولا هي الأخيرة ولا هي نهاية المطاف! وأنّ القصاص من أصحاب الجحيم في يوم الدّين يوم يقوم النّاس لربّ العالمين.. يقول الخالق عزّ وجلّ في الذّكر الحكيم: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ..﴾
رابعًا: إنّ كلّ ما يجري في هذا الكون العظيم من هزيمة أو نصر أو حياة أو موت أو نفع أو ضرّ إنّما هو بقضاء وقدر! يقول اللّه تعالی في محكم الذّكر: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ عن عبد اللّه بن عبّاس رضي اللّه عنهما: قال رسول اللّه ﷺ: {إنَّ أولَ ما خَلق اللّهُ القلمُ فقالَ لهُ: اكتُبْ قالَ: رَبِّ وَماذا أكتبُ؟ قال: اكتُبْ مَقاديرَ كلِّ شيءٍ حتّى تقومَ السّاعةُ} ويقول رضي اللّه عنه: (لقد خلق اللّه تعالی الخلق كلّهم بقدر وخلق لهم الخير والشّرّ بقدر فخير الخير: السّعادة وشرّ الشّرّ: الشّقاء)! ولا جرم أخي المسلم المحترم أنّ هذه الدّنيا لو دامت لأحد من قبلنا لدامت لنبيّنا أفضل الكائنات محمّد ﷺ! وقد قضی الخالق عزّ وجلّ أنّ اليوم عمل بدون حساب وغدًا حساب بدون عمل!
خامسًا: في التّاريخ وفي قصص كلّ من غبر عبر -وأيّ عبر- لمن أراد أن يعتبر أو يتذكّر! فقد دمّر المغول التّتر مدينة السّلام وعاصمة خلافة الإسلام بغداد وعاثوا في الأرض الفساد وأهلكوا الحرث والنّسل والعباد! ويقول العالم النّحرير الحافظ ابن كثير عن حوادث سنة 656 هجريّة: (عادت بغداد بعدما كانت آنس المدن كلّها كأنّها خراب ليس فيها إلا القليل من النّاس وهم في خوف وجوع وذلّة وقلّة وقد اختلف النّاس في كمّيّة من قتل في بغداد من المسلمين في هذه الوقعة فقيل: ثمانمائة ألف وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف وقيل: بلغت القتلى ألفي ألف نفس! فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم)! وقال المؤرّخ الكبير الإمام ابن الأثير: (لقد بقيت عدّة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها كارها لذكرها فأنا أقدّم إليه رجلًا وأؤخّر أخرى فمن هو الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟! ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟! فيا ليت أمّي لم تلدني! وليتني متّ قبل حدوثها وكنت نسيًا منسيّا! فلو قال قائل: إنّ العالم منذ أن خلق اللّه سبحانه وتعالى آدم ﷺ إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا حيث إنّ التّواريخ لم تتضمّن ما يقاربها ولا ما يدانيها)!
سادسًا: لقد ظنّ العدوّ والقريب والصّديق والبعيد أنّه لن تقوم لهذا الدّين والمسلمين قائمة من جديد.. فيسّر مولانا -الحميد المجيد- لأمّة التّوحيد الأبطال المماليك أحفاد المغول التّتر بقيادة الملك قطز المظفّر والبطل الظّاهر بيبرس ومعهما الجيوش المصريّة فانتصرا علی جحافل المغول -التّتريّة- حثالة البشريّة في معركة عين جالوت في الدّيار الفلسطينيّة عام 658 هجريّة! ويسّر اللّه عزّ وجلّ بعد ذلك لأمّتنا الإسلاميّة: السّلطان العثمانيّ المجاهد الرّبّاني محمّد الفاتح التّركيّ الذي حقّق حلمًا راود أبطال الإسلام علی مدار الأعوام في فتح القسطنطينيّة عاصمة الإمبرطوريّة البيزنطيّة في عام 857 هجريّة!
سابعًا: قد يسلط الخالق الكبير المتعال ﷻ أعداءه المشركين الكفّار على ثلّة من عباده الأطهار الأبرار الأخيار في أيّ قطر من الأمصار في هذه الدّار وللّه تبارك وتعالی في ذلك الحكمة البالغة التي قد يدركها بعد حين من الدّهر أولو الأيدي والأبصار! مع التّذكير بأنّ أجر الشّهداء والمنكوبين والمرضی والمصابين من المسلمين عظيم لا يضيعه أحكم الحاكمين! أمّا المرتدّون والمخذّلون والمنافقون والظّالمون والمغضوب عليهم أو الضّالون: فإنّ اللّه سيستدرجهم من حيث لا يشعرون وسيأخذهم أخذ عزيز مقتدر كلمح بالبصر!
ثامنًا: لقد ضرب اللّه تعالی في كتابه المبين أمثلة لكلّ المؤمنين من المستضعفين وهم يحرّقون ويعذّبون بلهيب النّار علی أيدي الكفّار والأشرار والفجّار: لرفعة درجات وزيادة حسنات وتكفير سيّئات الصّابرين والصّابرات.. ولتكون أهمّ الدّروس والعظات لسائر الدّعاة في جميع الأمكنة والأوقات!
تاسعًا: دولة الباطل ساعة ولكنّ دولة الحقّ إلا قيام السّاعة.. والعاقبة دائمًا للمتّقين ولو بعد حين ولا عدوان إلا علی الظّالمين المعتدين بفضل مولانا ربّ العالمين! إنّ من المعلوم من الدّين بالضّرورة أيّها المباركون: أنّ الأنفاس معدودة وأنّ الأرزاق محدودة قال تعالی: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ ويقول ﷺ: {إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها وتستوعِبَ رزقَها..} وقال الشّاعر: (من لم يمت بالسّيف مات بغيره : تعدّدت الأسباب والموت واحد)!
عاشرًا: ها نحن أولاء نذكّركم قبل الختام أيّها الإخوة الكرماء والأعزّاء! بقول شاعر الإسلام الحكيم: (سأثأر لكن لربّ ودين : وأمضي على سنّتي في يقين! فإمّا إلى النّصر فوق الأنام : وإمّا إلى اللّه في الخالدين)!
إقرأ أيضا:أطماع الاحتلال