شدّد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، أن محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/ تموز الجاري كانت تستهدف نهضتها وقدرتها على المنافسة سياسياً واقتصادياً، إلا أنها أتاحت التعرف على قوى الوصاية إثر موقف حازم من الشعب.
وفي حوار خاص مع “الأناضول”، أوضح الريسوني بأن “رأس تركيا كان مطلوبا لأنها كانت تقود توجه العالم الإسلامي القوي، وخاصة في بناء القوة الاقتصادية”، مشيراً إلى “احتمال تورّط قوى إقليمية ودولية في المحاولة”.
وبخصوص دروس فشل الانقلاب بتركيا التي من الممكن أن تستفيد منها الدول العربية وشعوب المنطقة ككل، قال إن “الموقف الحازم والمتنبّه الذي صدر عن الشعب التركي يؤكّد ويخدم الشعار الذي رفع إبان الربيع العربي: الشعب يريد”.
وأبرز الريسوني أن التمكن من إفشال الانقلاب خلّص الشعب التركي من بقايا الحكم العسكري الذي عانى منه سابقاً، موضحاً أن “الانفكاك من قبضة وهيمنة وتحكّم الغرب يتطلب القوة الاقتصادية والبناء السياسي المستقل النابع من الشعوب، فضلا على التحرر الثقافي والفكري”.
نص الحوار:
– استطاعت تركيا أن تُفشل محاولة انقلاب مؤخرا، ما هي قراءتكم لهذه التطورات؟
أولاً، نهنئ تركيا قيادة وشعباً على الخلاص من هذا الشر الذي لحق بهم، ونهنئ الشعب على اليقظة والحزم، فلاشك أن هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة إنما هي في الحقيقة عملية انتحارية للقائمين بها، وكالعادة الانتحاريون يقتلون أنفسهم قبل كل شيء، وهؤلاء الذين قاموا بهذه العملية قتلوا أنفسهم، سواء تعلّق الأمر بمن مات منهم، أو من أصبح في قبضة العدالة أو مطلوبا لها، والانقلاب عملية انتحارية أيضاً لما تبقّى من قوى التحكم والاستبداد والتسلط، كما أن التمكن من إفشال الانقلاب خلّص الشعب التركي من بقايا الحكم العسكري، لأن تركيا وإن كانت منذ 20 سنة أو أكثر تسير بحكم مدني ديمقراطي منتخب، فإن بقايا الكيان العسكري بقيت قائمة وكانت لا تزال بادية للعيان.
– ما مدى صحة أن هناك غرفة عمليات دولية تستهدف تركيا وبعض دول المنطقة العربية والإسلامية؟
هذه العبارة أطلقها رجل له خبرة، وهو الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي، وهو أدرى منّي ومن عامة الناس ويدري ما يقول، ونحن كمثقفين ومفكرين نحس أن هذه الأمور حقيقية، ولكن ليس لدينا إثبات بالدليل الملموس، ولكن عندما تصدر عن رئيس دولة سابق، ورجل سياسي محنّك منذ عشرات السنين فهو يعني ما يقول، ونحن نرى أن الانقلاب الذي وقع في مصر على سبيل المثال كان منسّقاً، وحدث بعد وقوع اجتماعات وتنسيقات إقليمية ودولية لسنة أو سنتين.
رأس تركيا، ولا أقول فقط رأس(الرئيس رجب طيب) أردوغان كان مطلوبا، فرأس تركيا الديمقراطية الناهضة والمنافسة سياسيا واقتصاديا كان مطلوبا، ولا نستغرب أن تكون هناك أياد من هنا وهناك إقليمية وقريبة من تركيا للأسف، وأياد أخرى غربية وربما إسرائيلية، متورطة فيما وقع، والمواقف في اللحظات والساعات الأولى والليلة الأولى تدل على ذلك.
– ما هي دروس فشل الانقلاب بتركيا للدول العربية وشعوب المنطقة ككل؟
الموقف الحازم والمتنبّه الذي صدر عن الشعب التركي يؤكد ويخدم الشعار الذي رفع إبان الربيع العربي “الشعب يريد”، ولقد أثبت هذا الشعار أن الشعب عندما يريد شيئا، يمكن تحقيقه، ويصبح قريب المنال، وعلى الشعوب العربية وشعوب المنطقة أن تعتمد هذا الشعار، فإذا أراد الشعب، وقدم شيئا مما يتطلبه الموقف، فإن إرادته هي التي ستكون ضداً على إرادة الأقليات المتحكمة.
– برأيك ما مستقبل المنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، خصوصا أن هناك من يرى أن الانقلاب الفاشل كان يستهدف رسم خريطة جديدة بالمنطقة؟
أعتقد أن محاولة الانقلاب الفاشلة أتاحت ولادة جديدة لتركيا، حيث تم التعرف على قوى الشر والوصاية والتآمر، والقوى التي اعتادت بعدد قليل من الجنرالات والضباط أن تتحكم في مصير الشعب، وهذا العصر انتهى في تركيا على الأقل، وما دام الأمر كذلك، وتعافت تركيا من جراحها فهذا لا شك سيبعث رسالة إلى شعوب المنطقة بكونها تستطيع أن تفعل مثل ذلك.
– بتقديرك هل التأسيس لقوة اقتصادية كفيل بنهوض الشعوب العربية والإسلامية، والابتعاد عن وصاية وتوجيهات الغرب؟
أنا لا أقول الابتعاد عن الغرب، ولكن الانفكاك من قبضته، وهذا شيء ضروري، فالانفكاك من قبضة وهيمنة وتحكم الغرب يتطلب القوة الاقتصادية والبناء السياسي المستقل النابع من الشعوب، لأن ما ينبع من الشعوب يصعب التحكم فيه أو إخضاعه، إذ لابد من السير في اتجاه التحرر الثقافي والفكري لأجل التعامل مع الغرب على أساس المصالح المشتركة.
وكل هذا ممكن، وكما قلت رأس تركيا كان مطلوبا لأنها كانت تقود توجه العالم الإسلامي القوي، وخاصة في بناء القوة الاقتصادية، فهي قد جمعت وكتلت عدة مبادرات وأشكال، خصوصا المبادرات الاقتصادية بالدرجة الأولى، لذلك العالم الإسلامي له من الثروات والتكامل والقدرات ما يجعله مؤهلا في وقت وجيز أن يبني قوته الاقتصادية، ولكنها لن تجد نفعا إذا لم تكن مصحوبة بإرادة سياسية وبناء سياسي وتمتين العلاقة بين الشعوب الإسلامية.
وشهدت العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول، في وقت متأخر، من مساء الجمعة (15 تموز/يوليو)، محاولة انقلابية فاشلة، نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لمنظمة “فتح الله غولن” (الكيان الموازي) الإرهابية، حاولوا خلالها إغلاق الجسرين اللذين يربطان الشطرين الأوروبي والآسيوي من مدينة إسطنبول (شمال غرب)، والسيطرة على مديرية الأمن فيها وبعض المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة.
وقوبلت المحاولة الانقلابية، باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن، ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب مما ساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.
*المصدر : وكالة الأناضول