مقالاتمقالات مختارة

الروم | بقلم الشيخ بسام جرار

الروم | بقلم الشيخ بسام جرار

بقلم الشيخ بسام جرار

سورة الروم سورة مكيّة، نزلت قبل الهجرة النبويّة، والتي كانت سنة 622م. وتُستهلّ السورة الكريمة بالإعلان عن هزيمة دولة عظمى، هي دولة الروم:” غُلبت الروم في أدنى الأرض… “. ولم تُصرّح الآيات باسم دولة الفرس التي غَلَبت الروم، لأنّ المهم هنا الحديث عن دولة الروم، حتى ولو كانت هي الطرف الضعيف المهزوم. فالحديث عن الحاضر ينبغي أن يكون من أجل استشراف المستقبل، والمستقبل يكشف عنه قول الحكيم العليم:” وهم من بعد غلبهم سيغلبون”. أمّا دولة الفرس فعِلم المستقبل يقول إنّها دولة ستؤول إلى السقوط، ثمّ تتلاشى، بعد أن يتحول شعبها إلى الإسلام. وإذا كانت المعارك قد دارت قريباً من جزيرة العرب: “ في أدنى الأرض”، فإنّ علم المستقبل يقول إنّها ستدور مرّة أخرى، في زمن قريب:” في بضع سنين”.

أليس عجيباً أن يُلْفَت انتباه القلّة المؤمنة المضطهدة في مكة إلى الصراع القائم بين الدول العظمى، وإلى التحولات السريعة في الأحداث ؟! أليس عجيباً أيضاً أن يُشدّ انتباه هذه القلّة، لبضع سنين قادمة، إلى خارج الجزيرة العربيّة، لتراقب وترقب الصراعات الدّولية ؟! نعم، ونزداد عجباً عندما نعلم أنّ هذه القلّة توشك أن تهاجر إلى المدينة المنورة، لتبني دولة ومجتمعاً فاضلاً، لا يلبث أن يحمل رسالة عالميّة، ولا يلبث أن يُسقِط كل هذه القوى المتصارعة، ليؤسس حضارة تدوم وتدوم.

ما الحكمة وراء هذا التزامن العجيب:” ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله” ؟!  فانتصار المسلمين ببدر يزامنه انتصار الروم على الفرس. ألا يوحي هذا بأنّ خارطة الصراع توشك أن تتبدل؟! واللافت أنّ الآيات الكريمة تتجاوز الواقع المؤلم للقلّة المؤمنة، والمضطهدة، وتشدّها إلى البعد الغيبيّ لحركة عالم الشهادة، إلى الأفق البعيد زماناً ومكاناً. وهذا هو ما يليق بعقيدة هذه القلّة، ورسالتها. ولا شك أنّ هذا في حينه لا يُفهم من قبل جماهير الوثنيين، الذين يفقدون البعد الغيبيّ، الذي تنزّلت به الرسالة الإسلاميّة.

أنت يا من تقرأ هذه السّطور، وتعيش بعد قرون من الحدث، وقد قرأتَ السيرة النبويّة، قف قليلاً وتدبّر هذه الآية، التي تُختم بها سورة الروم المكيّة:” فاصبر إنّ وعد الله حق، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون “. تدبّر هذه الآية ثمّ انظر واقع الإعلام الرسمي العربي ودوره في إحباط الأمّة، واستمع إلى خطابات الملوك والزعماء وتصريحاتهم. فإنّ كان بإمكانك أن تصدقهم لحظات، فسوف تشعر بخفّة وزنك، وانعدام شعورك بذاتيتك، وعندها لا يحتاج عدوك إلى عاصفة الصحراء، لأنّ النسيم يكفي.

جاء في الحديث الشريف المروي في صحيح مسلم:” تقوم الساعة والروم أكثر الناس”. وإذا عرفنا أنّ الأحاديث الشريفة تنصّ على أنّ الساعة تقوم على شرار النّاس، علِمنا أنّ أكثر الشرّ يوجد في الروم. والعجيب أنّ المسيحيّة المنتشرة بينهم تقول:” من ضربك على خدّك الأيمن فأدِر له الأيسر، ومن نازعك ثوبك فدعه له”، وتقول:” أحبّوا مبغضيكم، باركوا لاعنيكم “، ثم هم أشدّ الناس قسوة، وأكثرهم بطشاً بالأمم الضعيفة، يبنون أبراجهم من جماجم الفقراء، لا يملّون من التآمر، ولا يكلّون من كثرة القتل، ثمّ هم أكثر النّاس تبجُّحاً بحضارتهم، وقيمهم الإنسانيّة، بزعمهم. فلا عجب بعد ذلك وغيره أن تقوم السّاعة والروم أكثر النّاس.

ماذا كانت تملك دولة فارس عندما انتصرت بجحافلها الهائلة غير فلسفة مزدك الإباحيّة؟! وكيف لمثل هذا النصر أن يدوم أكثر من بضع سنين؟! وماذا كانت تملك إمبراطوريّة الرومان وهي تواجه بجيوشها الجرارة القلّة المؤمنة من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟!

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى