مقالاتمقالات المنتدى

الرشد الاقتصادي في سياسات عمر بن عبد العزيز في إنفاقه في مصالح الدولة

الرشد الاقتصادي في سياسات عمر بن عبد العزيز في إنفاقه في مصالح الدولة

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

 

كانت سياسة عمر بن عبد العزيز في ميدان الإنفاق تقوم على أساس مبدأ الرشد الاقتصادي، أو ما يعبَّر عنه بمبدأ القوامة في الإنفاق، ومقتضاه البعد عن الإسراف والتبذير، والبُعد عن الشح والتقتير. ومن الخطوات التي اتخذها في مجال ترشيد الإنفاق في مصالح الدولة:

أ ـ قطع الامتيازات الخاصة بالخليفة وبأمراء الأمويين:

أعاد عمر القطائع والحقوق الخاصة إلى أصحابها، والحقوق العامة إلى بيت المال، وبدأ بنفسه وبال بيته ـ كما مرّ معنا ـ وكان عمر لا يأخذ من بيت المال شيئاً، فقالوا له: لو أخذت ما كان يأخذ عمر بن الخطاب، قال: كان عمر لا مال له، وأنا مالي يغنيني [السياسة المالية والاقتصادية، ص 97].

وعندما أُحضرت مراكب الخلافة لعمر بعد موت سليمان، طلب بغلته وأمر بوضع المراكب والفرش والزينة في بيت المال، وكانت عادة الخلفاء قبله أن يأخذ ورثة الخليفة الميت ما استعمل من ثيابه وعطوره ويُردّ الباقي إلى الخليفة الجديد، فلما استخلف عمر قال: ما هذا لي ولا لسليمان، ولا لكم، ولكن يا مزاحم ضُمّ هذا كله إلى بيت مال المسلمين [السياسة المالية، ص 97].

وكان عمر لا يستعمل الأموال العامة لحاجته الخاصة مطلقاً؛ فمرة بعث أمير الأردن بسلتي رطب إلى عمر، وقد جيء بها على دواب البريد، فلما وصلت عمر أمر ببيعها وجعل ثمنها في علف دواب البريد [السياسة المالية والاقتصادية لعمر بن عبد العزيز، ص 98]، ومرة طلب من عامله أن يشتري له عسلاً، فحمل له على دواب البريد، فأمر ببيع العسل وجعل ثمنه في بيت المال، وقال له: أفسدت علينا عسلك [سيرة ومناقب عمر، لابن الجوزي، ص 210].

ب ـ ترشيد الإنفاق الإداري:

سعى عمر على تعويد أعوانه وولاته على الاقتصاد في أموال المسلمين، فعندما طلب والي المدينة أن يُصرف له شمعٌ، فأجابه عمر: لعمري لقد عهدتك يا بن أم حزم وأنت تخرج من بيتك في الليلة الشاتية المظلمة بغير مصباح، ولعمري لأنت يومئذ خير منك اليوم، ولقد كان في فتائل أهلك ما يغنيك والسلام. وكتب إليه أيضاً وقد طلب قراطيس للكتابة: …إذا جاءك كتابي هذا فأدق القلم واجمع الخطّ، واجمع الحوائج الكثيرة في الصحيفة الواحدة، فإنه لا حاجة للمسلمين في فضل قول أضرّ بيت مالهم [سيرة عمر، لابن عبد الحكم، ص 64].

يلاحظ حرص عمر على المال العام، ويرشد ولاته للاستغلال الأمثل لموارد الدولة، فعمر يريد من العامل أن يستغلَّ الأوراق في الرسائل إلى أقصى درجة.

جـ ترشيد الإنفاق الحربي:

خاضت الدولة الأموية حروباً خارجية وداخلية، فكلّفت ميزانية الدولة الشيء الكثير منها حملة القسطنطينية زمن سليمان بن عبد الملك، حيث كلفت الكثير من الأموال والشهداء دون جدوى، فما كان من عمر بعد استخلافه إلا أن أرسل كتاباً يأمر فيه مسلمة بن عبد الملك قائد الحملة بالعودة بعد أن أصاب الجيش ضيق شديد.

وقد أدّت سيرة عمر وسياسته إلى استقرار الأوضاع الداخلية، وتوقفت الحروب والفتن، ولما بلغت سيرته الخوارج، اجتمعوا وقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل، ولقد ساهم إيقاف الحروب والفتن في إيجاد مناخ عام من الراحة والطمأنينة والاستقرار ساهم في النمو الاقتصادي للدولة، وتحسن أوضاع الطبقات الفقيرة والمحتاجة بفضل الله ثم سياسة عمر الرشيدة. [السياسة المالية والاقتصادية لعمر، ص 110].

 

ملاحظة هامة: “استفاد المقال مادته من كتاب: “عمر بن عبد العزيز”، للدكتور علي الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: “الساسة الاقتصادية والمالية لعمر بن عبد العزيز”، بشير كمال بشير عابدين.

  • السياسة الاقتصادية والمالية لعمر بن عبد العزيز، بشير كمال بشير عابدين، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، الأردن.
  • سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
  • الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير الطبعة الأولى، 2005م.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى