مقالاتمقالات مختارة

الرد على فرية أن حجاب المرأة المسلمة شُرع للتفريق بين الحرة والأَمَة

الرد على فرية أن حجاب المرأة المسلمة شُرع للتفريق بين الحرة والأَمَة

بقلم خلدون مخلوطة

من الأكاذيب التي يروجها العلمانيون والمتحررون أن الحجاب فرض لأجل التمييز بين الحرة والأمَة ، وبما أن الإماء لا وجود لهم ، لذلك لم يعد هناك حاجة لحجاب المرأة .

شبهة متهافتة :

من الأساليب المكشوفة الماكرة التي يتبعها أصحاب الاتجاه العلماني والتنويري الظلامي لإبطال النص القرآني : هو تقييد تطبيقه والعمل به بسبب نزول الآية في العهد النبوي فقط ، وبما أن سبب النزول قد اختفى، فبالتالي لم يعد للنص وما يحتويه من حكم شرعي أي أثر تشريعي .

الجواب العلمي على هذه الشبهة :

أولا : 

المنطلق الذي ينطلق منه هؤلاء العلمانيون والليبراليون هو الترويج للنظرة الغربية وسطوتها بحيث لا يكون للنص القرآني المقطوع في دلالته أي هيمنة على الإنسان ، ومن ذلك الآيات الواردة في لباس المرأة المسلمة، والتي يعتبرونها أمراً غير مقبول يتناقض مع الرؤية الغربية للمرأة وللحرية الشخصية عموماً.

ثانياً : 

القاعدة الأصولية تقول : ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب )

والنصوص القرآنية الواردة في الحجاب لم يرد فيها أي إشارة إلى موضوع التفريق بين الحرة والأمة ومن ذلك قوله تعالى : { يَا أ َيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رحيماً} [الأاحزاب: 59].

قال العلامة اللغوي المفسر أبو حيان الأندلسي في تفسيره [البحر المحيط، 7/ 250]:

“والظاهر أن قوله: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر؛ فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح”.

ثالثاً :

أن حصر سبب النزول بكونه نزل للتفريق بين الأمة والحرة جاء من طريق واحد فقط هو طريق أبي مالك الأشجعي الذي اعتمده السيوطي في أسباب نزوله، وأبو مالك الأشجعي ليس له صحبة بل هو من التابعين، أي إنه لم يحضر وقت نزول الآية الكريمة، وإنما نقل ما فهمه منها ، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم في ذلك الكثير، ليس بخصوص آية الحجاب تحديداً، بل بعموم أن سبب النزول لكي يعتمد يجب أن ينقل ممن حضر واقعة النزول.. وهو أمر لا يتوفر في ما نقله الأشجعي.

رابعاً :

ومما يدل على بطلان هذه الفرية :

1- علة الحجاب كون المرأة أنثى بالغة، وليس التمييز بين الحرة والأمة ، والدليل على ذلك :

أ- قال تعالى : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) فقوله: ” فَلا يُؤْذَيْنَ ” يوضح العلة وهي أن الحجاب شرع لحماية المؤمنات وصيانتهن من أذى الفساق وغيرهم ، وإظهار عفافهن ، ومنع الفساق من التعرض لهن.

ب- ومنها أن ذلك أطهر لقلوب النساء والرجال، كما قالت الآية :{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]

خامساً :

2- أن التفريق بين الحرة والأمة في اللباس ليس أمرا مجمعا عليه بين العلماء ، ولم يثبت في التفريق بينهما دليل صحيح صريح .

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ” (31/49-50) :

(وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْرَةِ الأْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل الأْجْنَبِيِّ :

فَقَال المَالِكِيَّةُ – وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ – : إِنَّ عَوْرَتَهَا هِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا .

وَقَال الحَنَفِيَّةُ : عَوْرَتُهَا مِثْل عَوْرَةِ الْحُرَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَحَارِمِهَا . “أي تظهر ما تظهره الحرة لمحارمها ، كالوجه والرأس ونحو ذلك ” .

وَقَال الحَنَابِلَةُ : إِنَّ عَوْرَتَهَا كَعَوْرَةِ الْحُرَّةِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلاَّ مَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الْحُرَّةِ ) .

وقال العلامة ابن قدامة في “المغني”: ( وسوّى بعض أصحابنا بين الحرة والأمة لقوله تعالى {ولا يبدين زينتهن} الآية، ولأن العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة، والفتنة المخوفة تستوي فيها الحرة والأمة، فإن الحرية حكم لا يؤثر في الأمر الطبيعي ) .

وابن حزم يعارض بشدة التمييز بين الحرة والأمة، قال في كتابه المحلى: “وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد، والخلقة والطبيعة واحدة، فكل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما”.

سادساً :

وأما في حرمة النظر إليها فالحرة والأمة سواء

قال الإمام النووي في [منهاج الطالبين، ص 204] “وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ في حرمة النظر لها”، وأضاف شارح الكتاب العلامة الهيتمي في “تحفة المحتاج”: “لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأُنُوثَةِ، وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ؛ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْإِمَاءِ يَفُوقُ أَكْثَرَ الْحَرَائِرِ جَمَالًا؛ فَخَوْفُهَا فِيهِنَّ أَعْظَم”.

سابعاً :

صار الحجاب في عصرنا الحالي للتفريق بين رؤيتين متناقضتين للمرأة :

1- رؤية إسلامية تحترم المرأة وتحرص على تحييد أنوثتها ، والحجاب الذي فرضه الله عليها لا يحجب دور المرأة عن التفاعل الإنساني، فلو كانت المرأة لا تشارك في المجتمع، حبيسة في بيتها أو بيت أبيها لما تطلب الأمر أصلاً آية قرآنية تفصل في لباسها، لكن الحجاب يحيد أنوثتها فقط، لكي يكون تفاعلها الإنساني بنّاءً بمعزل عن المضاعفات الناتجة عن “أنوثتها” ، وهي مضاعفات لا داعي لنكران وجودها في كل المجتمعات مهما ادّعت أنها تجاوزت الأمر.

2- ورؤية غربية تحرص على استثمار المرأة كأداة استهلاك وترويج، وليس أداة متعة فقط، منظومة تسلّع المرأة وتجعلها وسيلة لترويج البضائع.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى