مقالاتمقالات مختارة

الرد على القرآنيين | صلاح الدين حفافصة

الرد على القرآنيين

 

بقلم صلاح الدين حفافصة

 

قبل الشروع في الحديث عن هذه الطائفة وتبيين الأخطاء العظيمة التي وقعت فيها فانني أبرأ من التسمية هذه، لأنهم لا يمتّون بصلة للقرآن العظيم، فهم خالفوه وان ظنوا أنهم ينتصرون له، فأفضل وصف يمكن أن نصفهم به أنهم “جاحدون للسنة النبوية” حتى نعطي الأمور نصابها ونظهر الحقيقة بدون غشاوة تكدّر صفوها.

هؤلاء “الجاحدون للسنة النبوية” ظهروا في الأمة الاسلامية قبل مدة قصيرة، ولكن كان لهم سلف ابّان الحقب الاسلامية الأولى وهم “المعتزلة”، وان لم يحملوا نفس أفكارهم ولكن لهم ميول واحدة، فالقرآنيون يقولون أنّ السنة النبوية المتمثلة في الأحاديث النبوية هي ظنية الثبوت وبالتالي فليست صحيحة ولا يمكن أن نعتمد عليها كركيزة في التشريع الاسلامي، كما أن هذه الأحاديث نُقلت الينا من طرف رواة لا نعلم أحوالهم، ومن غير المنطقي أن نصدّق أحاديث منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن لم نسمعها منه، ويقولون أيضا أن ّالقرآن الكريم هو الوحيد الذي يجب أن نتبعه بدون الرجوع الى السنة في أي حال من الأحوال، فعطّلوا كافة الأحاديث وفسّروا القرآن حسب مظانهم ولم يأبهوا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعدما نقلتُ أقوالهم وشبهاتهم، أرد عليها مستعينا بالله فأقول، أن ّكلامهم هذا بشكل عام هو طعن في القرآن ذاته فهم خالفوا آية صريحة تقول: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” ، فهذا أمر من الله عز وجل بوجوب اتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم والانتهاء عند نهيه، فكيف اذا لا نعمل بالأحاديث الصحيحة الواردة عنه؟ ، وأما بخصوص أنّ كل شيء موجود في القرآن فهذا حق لا غبار عليه، قال تعالى: “ما فرطنا في الكتاب من شيء”، ولكن هل جاء كل شيء مفصلا في القرآن وهل جاء كل شيء مجملا أيضا؟، أي شخص يقرأ هذا الكلام سيقول لا، بدون تفكير لأن الكثير من الأوامر والنواهي والعبادات وغيرها لم تأتي مفصّلة ولا جائت مجملة في القرآن الكريم،
ولكن جائت السنة موضّحة وشارحة للقرآن الكريم، ففصّلت المجمل، وعمّمت المفصّل -وهي مباحث في علوم التفسير-، فنحن نقرأ في القرآن “انّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا” ، ونقرأ أيضا “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة”، وغيرها من الآيات الكريمات، ولو بحثنا فلن نقف على آية ذُكر فيها عدد الصلوات ولا كيفية أدائها، أو مقادير الزكاة وأحكامها، فكل ذلك ذُُكر في السنة، ولولا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لما عرفنا كم ركعة وسجدة في الصلاة، أو ماذا نقول عند القيام والركوع، وقس على ذلك مع الزكاة والصوم والحج وغيرها من العبادات.

أما كلامهم بخصوص الرواة فقد حادوا عن الصواب وتكلموا بما لم يعلموا، فقد انبرى من علماء المسلمين جهابذة نذروا حياتهم وأوقاتهم لدراسة حياة هؤلاء الرواة الذين وصل عددهم الى نصف مليون راوِ، فبحثوا عن أحوالهم وأوقات وفياتهم وتصرفاتهم مع الناس وحتى مع الحيوان، فقيّدوا حياة الراوي بكافة تفاصيلها، فاذا ارتكب خطأً أو بدعة كبيرة أو بان فسقه و كذبه، يُضعّف حديثه، أو يقال عنه راوِ وضّاع أو كذّاب أو ملفق أو غيرها من الألفاظ المعروفة عند أهل الحديث والمشتغلين بالصنعة، وألّفوا في ذلك كتبا كثيرة في علم الرجال والجرح والتعديل، منها كتاب التهذيب وسير أعلام النبلاء، والتاريخ الكبير والصغير والأوسط، ولسان الميزان والكمال في أسماء الرجال، وغيرها الكثير ممن يطول ذكره.

هذا من ناحية الرواة وقد بينّا خطئهم بزعمهم أننا لا نعرف حياة هؤلاء الرواة، أما بخصوص الحديث الموجود بين أيدينا أو ما يسمى “المتن” أي كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهو ينقسم الى قسمين أحاديث متواترة وهي التي رواها عشرة رواة ثقاة وأكثر في كل طبقة من طبقات الاسناد (الاسناد سلسلة الرجال التي نقلت الحديث)، بل وهناك بعض الأحاديث المتاوترة التي رواها ما يقارب من سبعين صحابيا، وفي اعتقاد أهل السنة والجماعة بكل مذاهبهم يُجمعون على تصديق الأحاديث المتواترة وكأننا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يقولها أمامنا مباشرة بدون حائل، لأنه اجتمع على نقلها خيرة هذه الأمة بل وكثرة عددهم تحيل العادة وقوعهم في الخطأ أو الكذب المتعمد، فان قال قائل لا أؤمن بالحديث المتواتر فكأنما سمع كلام النبي فرفضه و ردّه في وجهه.

أما القسم الثاني فهي الأحاديث الآحاد أي أن عدد الذين رووها أقل من عشرة رواة في كل طبقة من طبقات الاسناد، وهي ظنية الثبوت أي ليس واجبا الايمان بها الا اذا توافرت شروط وضعها أهل العلم حتى يتبيّن لنا قوة الحديث من ضعفه، فان وصل الحديث الى درجة الصحة فيجب العمل به وتصديقه، واذا كان ضعيفا أو مرسلا أو معضلا أوغيرها من القوادح في الحديث فيتوقف العمل به حتى يظهر لنا قرينة في تقويته، فأصبح واضحا الآن أنّ علم الحديث علم دقيق جدا لأقصى الحدود، وعلى مر التاريخ لم يتصدر له الا نخبة النخبة من علماء المسلمين، بسبب صعوبته وكثرة معضلاته وقال فيه العلماء، علم الحديث بحر لا ساحل له، فكل من يقول أنّ الأحاديث مجرد خرافة ويجب لا نؤمن بها، فليدرس أولا علم الحديث وليتمكن من أصوله وفروعه، وهذا لن يتأتى له الا بعد سنين طويلة ثم بعدها فليتكلم ويبين الأخطاء في هذا العلم، ولا يجعلّنه جهله يدّعي أنّ القرآن ليس بحاجة للسنة، فكلاهما وحي وان اختلفت طريقة نزوله وأداءه، فالايمان بهما واجب وضرورة حتمية لكل مسلم.

 

 

(المصدر: صحيفة “دنيا الوطن” الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى