الردود العلمية على منكري السنة النبوية (21)
بقلم الشيخ علي القاضي (خاص بالمنتدى)
وإن كلام الأئمة وفتاويهم بل وإجماعهم على تقرير وتأكيد ما تضمنه حديث المقدام السابق ظاهر تطفح به كتب العقائد والفقه والأصول وغيرها وقد تقدم معنا بعضه ومنه أيضاً ما يلي:
قال الإمام ابن عبد البر: “أن كل ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حكم الله قال الله عز وجل من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقد ذكرنا قبل أن من الوحي قرآنا وغير قرآن”[1]
قال الإمام المهلب:” قال المهلب: معنى هذا الباب أن النبي (صلى الله عليه وسلم) روى عن ربه السنة، كما روى عنه القرآن، وهذا مبين في كتاب الله في قوله: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) [2]” [3]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “المسلمون يتلقون دينهم كله عن الرسول وأما الرسول فينزل عليه وحي القرآن ووحي آخر هو الحكمة كما قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)” [4].
ذكر الإمام الشوكاني ما ملخصه:” ان الوحي شامل للكتاب والسنة وان الله سمى السنة وحيا
إذ فسر قوله تعالى: ﴿وما ينطق عن الهوى﴾ بما هو أعم من القرآن.” [5]
وقال الإمام أبو محمد ابن حزم الظاهري:” أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدناه عز وجل يقول فيه واصفا لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾ [6]
فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم على قسمين”
أحدهما وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظام وهو القرآن
الثاني وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا قال الله تعالى ﴿ وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ [7]
ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا الثاني -اي السنة-كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق فقال تعالى (يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول ) ” [8][9]
قال الشيخ محمد رشيد رضا:” لا يغني عن كتاب الله وسنة رسوله شيء أبدا، فإن الله يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)
فمن استغنى عن التأسي بالرسول فقد استغنى عن الإيمان بالله واليوم الآخر، إذ لا ينفعه هذا الإيمان إلا بهذا التأسي،”[10]
وما أجمل وأجزل أن نختم حجية السنة من السنة الصحيحة وشروح الأئمة لحديث المقدام السابق مرفوعا( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)
بقول مفخرة اليمن في القرن الثاني عشر الهجري الإمام المجدد محمد بن علي الشوكاني:” البحث الثاني: في حجية السنة واستقلالها بالتشريع
اعلم أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)
أي: أوتيت القرآن وأوتيت مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن، وذلك كتحريم لحوم الحمر الأهلية وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، وغير ذلك مما لا يأتي عليه الحصر…
والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام. [11]“
قلت: إذًا للسنة النبوية القولية والفعلية والتقريرية أن تشرع جنبًا لجنب مع القرآن وبإجماع الأمة لكونها وحيا
وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة الذي يكفر منكره كما تقدم معنا .
فرحم الله الإمام الشوكاني ما أدق تلخيصه لهذه المسألة وأصرح حكمه فيها الذي هو إجماع كل علماء الأمة
فكيف يسوغ لعاقل حريص على آخرته أن يغامر بدينه ويمرق منه بتقليد المستشرقين وتلامذتهم من المتغربين والعلمانيين بحرب وإنكار التشريعات القولية والفعلية والتقريرية الصادرة عن النبي عليه السلام
بزعم أنهم أهدى وأعلم بالإسلام من علماء المسلمين الأولين والآخرين؟!!
فيا لها من مشاقة لله ورسوله عليه الصلاة والسلام وإتباع لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعلماء المسلمين في كل حين في حجية السنة التشريعية قولا وفعلا وإقرارًا
قال تعالى ﴿وَمَن يُشاقِقِ الرَّسولَ مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى وَيَتَّبِع غَيرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَت مَصيرًا﴾ [12]
وحقيقة الأمر في منكري المصدر الثاني للشرع كما قال الله تعالى
﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [13]
______________________________________________________
[1] . التمهيد٧٨/٩
[2]. النجم٣
[3] شرح صحيح البخاري ٥٣٧/١٠ للإمام ابو الحسن بن بطال
[4] . مجموع الفتاوي ٧/ ٤٠ لابن تيمية
[5] . نيل الاوطار١٥/٧وسبل السلام ٣٤١/٢للامام الصنعاني
[6] . النجم ٤
[7] . النحل ٤٤
[8] . النساء ٥٩
[9] . الإحكام في أصول الأحكام٩٦/١-٩٧لإبن حزم
[10] . تفسير المنار٩٣/٢
[11] . إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول ص ٩٦ -٩٧ للشوكاني
[12] . النساء: ١١٥
[13] . فاطر: ٨