الردود العلمية على منكري السنة النبوية (19)
بقلم الشيخ علي القاضي (خاص بالمنتدى)
قال الإمام تقي الدين السبكي الشافعي:” أن المعلوم بالضرورة من الشرع قسمان: أحدهما يعرفه الخاص والعام، والثاني: قد يخفى على بعض العوام، ولا ينافي هذا قولنا: إنه معلوم بالضرورة؛ لأن المراد أن من مارس الشريعة وعلم منها ما يحصل به العلم الضروري بذلك وهذا قد يحصل لبعض الناس دون بعض بحسب الممارسة وكثرتها أو قلتها أو عدمها فالقسم الأول من أنكره العوام أو الخواص فقد كفر؛ لأنه مكذب للنبي – صلى الله عليه وسلم – في خبره.[1]“
ونحوه قال الإمام جلال المحلي[2].
قلت :والخاصة والعامة يعرفون كثيراً مما استقلت السنة بإيجابه كوجوب الإحداد لمن توفي زوجها ووجوب الكفارة في الجماع في نهار رمضان وجوب غسل نجاسة الكلب وغسل الثوب من المذي وغيرها من الواجبات التي انفردت بها السنة إضافة إلى الواجبات في الصلاة والصوم والزكاة والحج التي لم يذكرها القرآن وغير ذلك ما يطول ذكره
ويعرفون أيضاً كثيراً ما حرمته السنة كتحريم الصوم والصلاة والطواف على الحائض والنفساء ولحوم السباع والحمير الأهلية وغيرها.
وهكذا جميع الأحكام الشرعية المعروفة عند العامة والعلماء تعتبر من المعلوم بالدين بالضرورة وحكم منكرها أن يعلمه العلماء إنها من المعلوم بالدين بالضرورة وأنه لا يسعه ردها لأنه سيكون منكراً لنصوص الشرع الواردة بها فان أصر خرج من الدين
قال الإمام ابن الوزير اليماني: ” من رد المعلوم بالضرورة من الدين وهو يعلمه ونحن نعلم أنه يعلمه فانه كافر”[3] .
ورحم الله الإمام ابن حزم الظاهري الذي نقل الإجماع على كفر من منكر السنة بحجة الإكتفاء بالقرآن
فقال: (فلابد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أن إمراء قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة واحدة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم)[4].
قلت: لا يشمل هذا الحكم ما يرده بعض العلماء من بعض الأحاديث لتعارضها في نظرهم مع أحاديث اصح منها أو لاجتهاد ظهر لهم فيه ذلك فهذا طالما كان صادراً عن العلماء المعتقدين بحجية السنة ووجوب اتباعها وناتج عن استعمالهم للقواعد المقررة في مصطلح الحديث في القبول أو الرد فلا يعد ضلالاً ولا رداً للسنة وإنما اجتهاد يقال لصاحبه مصيب أو مخطئ.
أدلة حجية السنة من السنة
ذكرت سابقا بعض أدلة حجية السنة من القرآن الكريم أما أدلة حجية السنة من السنة فكثيرة نذكر بعضها
ولن نطيل فيها لأننا نرد على من ينكرون السنة أصلًا فلا نحتج عليهم بما ينكرونه ولكن هذه الأحاديث الصحيحة تصححها الآيات السابقة في وجوب طاعة الرسول والتحاكم والرد اليه والتحذير من مخالفته صلى الله عليه وسلم وتقويها فهي في معناها ومن مشكاة واحدة مشكاة الوحي ثم إن الإجماع على العمل بما تضمنته هذه الأحاديث فنحتج عليهم هنا بالآيات المقوية لمعنى هذه الأحاديث وبالإجماع على العمل بها فلا يردون علينا بأننا نحتج عليهم بما يردونه أصلًا.
وإلى الأحاديث:
عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه”.[5]
عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله ” [6] .
وفي رواية ابن ماجه(ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله )[7]
شروح الاحاديث السابقة:
قال الإمام أبو سليمان الخطابي: “يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس له ذكر في القرآن على ما ذهب إليه الخوارج والروافض من الفرق الضالة فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا. .”[8]
وقال الإمام ابن عبد البر القرطبي:” السنة مبينة للكتاب زائدة عليه ما أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحكم به ولو جاز ذلك لارتفع البيان والله عز وجل يقول (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )والله عز وجل يفترض في كتابه وعلى لسان رسوله ما شاء وقد أمر الله بطاعة رسوله أمراً مطلقا وأخبر أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقال صلى الله عليه وسلم: “أوتيت الكتاب ومثله معه “وقال عز وجل (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) قالوا القرآن والسنة” [9]
قال الإمام ابن قتيبة الدينوري:”يريد أنه أوتي الكتاب ومثل الكتاب من السنة، ولذلك قال الله عز وجل: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾”[10]
وقال في موضع آخر:” وقد قال عليه السلام: “أوتيت الكتاب ومثله معه”يريد: ما كان جبريل عليه السلام يأتيه به من السنن. [11]“
________________________________________________________________
[1] . فتاوى السبكي ٦٢١/٢
[2] . شرح جمع الجوامع في أصول الفقه٢٣٨/٢
[3] . إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد ص١٠٢لإبن الوزير
[4] الاحكام في اصول الأحكام٢٥٣/٢
[5] . رواه الإمام احمد في مسنده رقم ١٧١٧٤ وصححه المحدث شعيب الارنؤوط ورواه ابو داود في سننه رقم ٤٦٠٤ وحسنه ابو داود والمنذري، حسنه الحافظ ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح ١/١٢٩، وصححه ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة ٥٨٣ ، والشوكاني في نيل الأوطار ٨/٢٧٨ وغيرهما وصححه ابن تيمية في الفتاوى ٨٥/١٩و في القواعد النورانية ٢٤والمحدث الالباني في صفة الصلاة ١٧١ وغيرها
[6] . رواه الترمذي ٢٦٦٤ وحسنه
[7] . رواه ابن ماجه رقم١٢ صحيح ابن ماجه وصححه الحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر ٣٢٤/٢
[8] . معالم السنن، وهو شرح سنن أبي داود ٢٩٨/٤ للإمام أبو سليمان الخطابي؛ وعون المعبود شرح سنن أبي داود ٢٣٢/١٢للإمام محمد العظيم آبادي.
[9] . التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد١٥٥/٢-١٥٦ لابن عبد البر
[10] . تأويل مختلف الحديث ص٢٨٢
[11] . تأويل مختلف الحديث ص٤٤٣