الرباط في المسجد الأقصى
بقلم الشيخ محمد سليم
الحمد لله ، جعل المسجد الأقصى قبلتنا الأولى ، فاللهم ربنا أنعم علينا بنعمة الرباط فيه ما حينا ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله .. اللهم صل وسلم عليه ، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.. وصل اللهم على اله الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين ، وعلى أتباعهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد: أيها المسلمون ، حقنا في المسجد الأقصى حق ديني عقائدي ، وحق تعبدي وحق تاريخي وحق سياسي وحق واقعي ، فهو أرض الإسراء والمعراج وهو أول القبلتين ، أكد الله سبحانه هذا الحق بقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ…) الإسراء 1، وإليه أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بشد الرحال للصلاة فيه فقال: (أئتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره).
والعرب اليبوسيون هم أول من سكن القدس وعمروها ، والمسجد الأقصى بني فيها للمسلمين بعد المسجد الحرام كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه.
ودائرة أوقاف القدس هي صاحب الحق الحصري في إدارة المسجد ورعايته وإعماره ، وهي المخولة بالتحكم بدخول الوافدين إليه وتدبير شؤونه، والمسلمون مرابطون فيه منذ وجدوا.
روى الصحابي الجليل ذو الأصابع رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس فلعله أن ينشأ لك ذرية، يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون”.
يا عباد الله يا مؤمنون، والواجب يحتم على المسلمين أن يكون المسجد الأقصى معمورا بخيارهم ، وإذا كان الأقصى مقدسا فإنه لا يقدس منافقا ولا فاسقا ولا مبتدعا ولا مواليا لكافر، لأن الذي يقدس الرجل إيمانه بالإسلام وعمله الصالح.
أيها المرابطون أيها المؤمنون: وما تلاقونه من محن وابتلاءات واجتماع من الكفر والمنافقين عليكم ، كل ذلك سنّة الله في خيار عباده وأنتم إن شاء الله من خيار عباده، أسكنكم أرضه المقدسة ليبلوكم فيها أيكم أحسن عملا ، وأنتم أمة ظاهرة مهما حل بها وأصابها، وحسن العاقبة ستكون لكم وخير المآل سيحط رحاله فيكم، فالثبات الثبات على دينكم ، فاجمعوا كلمتكم ووحدوا صفكم، فالخلاف كله شر، والوحدة على الإسلام كلها خير.
قال الله عز وجل: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال 46. فحياكم الله وبياكم وحفظكم ونصركم وأكرمكم وأدامكم ذخرا للإسلام وأهله.
جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله: أين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).
فاللهم اجعلنا من الطائفة الظاهرة المنصورة، واجعلنا من أهل طاعتك وأهل جنتك، وانصرنا بالإسلام وانصر الإسلام بنا يا رب العالمين، عباد الله استغفروا الله فإن الله غفور رحيم وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون: اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله، كما أمركم الله بقوله: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)،
فبالصبر تكون النتيجة (أنكم على الحق ظاهرين)،
وبالمصابرة فالنتيجة هي (أنكم لعدوكم قاهرين)،
وأما الرباط فنتيجته (أنكم لا يضركم ما أصابكم من اللأواء)،
وأما تحقيقكم للتقوى فنتيجتها (أنكم لا يضركم خذلان من خذلكم من الأباعد أو الأقارب المنافقين المخذلين).
يا عباد الله: وأبواب الأقصى مفتوحة لكم، والغدو والرواح إليه طاعة وعبادة، قوامها الصبر والمصابرة والرباط والتقوى، فاصبروا عليها، فالصابر منصور، وعدوه مقهور، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا).
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان ، اللهم أعل كلمة الحق والدين ، واخذل المنافقين والموالين للكافرين ، اللهم احفظ المسجد الأقصى من كيد الكائدين ومن عدوان المعتدين ، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا غائبا إلا رددته ولا أسيرا إلا لسراحه أطلقته ولا مريضا إلا شافيته ولا مبتلى إلا عافيته ، يا الله أنت رجاؤنا فأدخلنا في عبادك المؤمنين ، وأحسن ختامنا وتوفنا مسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون”.
ــــــــــــــــ
*خطبة الجمعة بعنوان: “الرباط في المسجد الأقصى”، الشيخ محمد سليم – الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة في فلسطين.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)