مقالاتمقالات مختارة

الرؤى والأحلام وأضغاث الأحلام.. ومشكلة التعامل معها

الرؤى والأحلام وأضغاث الأحلام.. ومشكلة التعامل معها

بقلم راجي سلطاني

للرؤى مكانة كبيرة في حياة الناس، وفي حياة المؤمنين بوجه خاص، ذلك لأن الإيمان هو إيمان بالغيب، والرؤى هي غيب من غيب، يرى المؤمنون فيها إشارات من الله تعالى بما سيحدث لهم في المستقبل القريب أو البعيد.

والرؤى على ذلك هي من أكبر الدلائل على وجود الإله الخالق المدبر لشؤون الحياة، وإلا فكيف يفسر الملحدون مجيء مشهد من مشاهد المستقبل في منام الإنسان، ثم يجيء المستقبل بهذا المشهد بعد زمان كما رؤي في المنام تاما. كيف يمكن تفسير هذا إلا بوجود إله يرى ما سيحدث في المستقبل ويجيء بمشاهد منه في منامات النائمين.

ولقد كنت أجادل ملحداً يوماً ما، فلما استشهدت له بالرؤى في تأكيد وجود الله، سكت ولم يستطع أن يرد.

والرؤى الصادقة كانت أول ما أتى النبي صلى الله عليه وسلم من النبوة، فعن عروة بن الزبير: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح” (رواه البخاري).

وفي ذلك جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم: “رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة”.

وهي أول ما أتى من النبوة وآخر ما يبقى منها، ففي حديث البخاري: “لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة”.
وفي رواية مسلم: “لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة”.

وليس كل ما يراه المؤمن في منامه رؤى صادقة، فما يراه المؤمن في منامه قد يكون رؤيا صداقة من الله وقد يكون حلما من “الشيطان، وقد يكون مما يحدّث به المرء نفسه، ففي صحيح مسلم: الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه”.
وفي الصحيحين أيضا: “الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان”.

وفي الحديث: “الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان” (رواه الترمذي).

والسنة في التعامل مع الرؤى، أن يحدّث المرء بها إن كانت رؤيا خير من الله تعالى، وأن لا يحدث بها إن كانت حلم شرٍّ من الشيطان، وكذلك لا يحدث بها إن كانت أضغاث أحلام من تحديث النفس، ففي الحديث السالف ذكره: الرؤيا ثلاث: (فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقص إن شاء، وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم يصلي) (رواه الترمذي).

والأمة اليوم في زمان هزيمتها وهوانها الراهن، تعلقت كثيراً بالرؤى كإشارات لمستقبلها القريب والبعيد، إلى حد أن أصبحت الرؤى هي التي تسيّر الناس والدول والحركات في بعض الأحيان.

الأمة اليوم في زمان هزيمتها وهوانها الراهن، تعلقت كثيراً بالرؤى كإشارات لمستقبلها القريب والبعيد، إلى حد أن أصبحت الرؤى هي التي تسيّر الناس والدول والحركات في بعض الأحيان

فأما عن الناس فإنهم قد تعلقوا بالرؤى تعلقاً مفسداً، فلا هم لهم إلا أن يسألوا عن تفسير رؤاهم التي تتوالى يوماً بعد يوم، مع أن أغلبها أحلام من الشيطان، أو أضغاث أحلام من أحاديث أنفسهم.

وجُعلت لذلك عشرات البرامج التلفازية، التي يجلس فيها المعبّر أو من يدّعي ذلك، ثم يعرض عليه الناس رؤاهم وأحلامهم، فيخبرهم المعبر بما يراه ويظنه.

ولا ينتبه الناس في ذلك إلى أن أغلب ما يظنونه رؤى هو من الأحلام الشيطانية أو من أضغاث الأحلام التي تصنعها عقولهم ومخيلاتهم.

ولا ينتبهون إلى أن الرؤى الصادقة هي من الندرة بحيث لا تأتي هكذا هبَلا وخبَلا، ولكنها تعزّ فتكون قيمتها إذا جاءت ويكون صدقها.

والأصل أن الرؤى الصدقة يراها الرجل الصالح أو تُرى له، كما جاء في الحديث في موطأ مالك عن عبادة بن الصامت أنه قال: يا رسول الله أرأيت قوله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقال: “لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك، تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو تُرى له”.

ومن الممكن أن يرى الرؤيا الصالحة عبدٌ غير صالح، لكن تبقى القاعدة ويبقى الأصل، وهو أن الرؤيا الصالحة هي مما بقي من النبوة، فلا يراها إلا الرجل الصالح أو المرأة الصالحة.

وفي تاريخ أمتنا الإسلامية المعاصر، تعلق الناس كذلك بالرؤى إلى الحد السلبي في المسألة، وأصبحت الرؤى وتأويلاتها هي الملاذ الوحيد لأبناء الأمة المهزومين المكلومين، وربما يقعدهم ذلك عن العمل من أجل التغيير، ويساعد بقوة في الاستكانة للواقع والاستسلام له .
لقد عايشنا في الحالة المصرية الراهنة، حيث الثورة والانقلاب العسكري عليها، عايشنا تعلقاً بالرؤى والمنامات إلى حد السخف والسفه.

قبل الثلاثين من يونيه، خرجت رؤيا الثماني حمامات على كتف الرئيس مرسي، وأوّل الشيوخ الكبار المعتبرون الرؤيا بأنها الثماني سنوات التي سيمكثها الرئيس في الحكم، أي أنه سيكمل مدتيه الرئاسيتين كاملتين، ثم حدث الانقلاب ولم يكمل الرئيس إلا عاماً واحداً في الرئاسة.

وفي اعتصام رابعة خرجت رؤى كثيرة، وأوّلها الشيوخ الكبار المعبرون بثبات المعتصمين في رابعة، وبالنصر في نهاية المشهد، ثم فُضّ الاعتصام، وحدثت الهزيمة الساحقة.

وبعد فض الاعتصام، رأى المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع رؤيا، وذكرها لمرافقيه، وذكرها كذلك في المحكمة أثناء محاكمته، وأوّلها هو بالنصر الكبير في المشهد المصري بعد حربٍ على غزة، وحدثت حرب غزة حقا بعد الرؤيا في العام 2014م، ولم يحدث شيء، وما زال المشهد كما هو.

وتحدث العشرات بل المئات والآلاف عن رؤى مماثلة، إلى حد أن جزم بعضهم اعتمادا على رؤى بموت قائد الانقلاب، وبأن من يظهر هو شبيه به، تستخدمه السلطات الحاكمة كبديل له.

وجزم آخرون اعتمادا على رؤى كذلك بانتهاء الانقلاب ومقتل قائده، وحددوا أوقاتا محددة لذلك.

وعشنا بسبب الرؤى والاعتماد عليها والشغف بها في هبل وخبل كبير، لم ينته إلى الآن!

الرؤى الصادقة هي مما بقي من النبوة، وهي من المبشرات، لكنها بهذا الشكل الذي تبدو عليه عندنا، هي من أهم ما تتآمر به علينا الشياطين؛ شياطين الإنس والجن.

فإن كثيراً من الرؤى التي يتم تداولها يتحدث البعض عن أن نشرها من تدبير الأجهزة الأمنية والمخابراتية، التي تلعب بعقول الناس وقلوبهم، فإذا كانت الفاجعة بعد ذلك، كان اليأس والقنوط، والاهتزاز أمام الإيمان والتصديق بالغيب كله، أو على الأقل الاستسلام وإعلان الهزيمة بعد التعلق الشديد بالأمل والاستبشار بالرؤى فيه.

وإذا كانت الرؤى الصادقة مما بقي من النبوة، ولم يكن هناك خلاف عليها، فإن الاختلاف يكون على أشده في تأويلها والقطع بما تشير إليه، فقد يصيب الناس في تأويل الرؤيا الصادقة وقد لا يصيبون.

إذا كانت الرؤى الصادقة مما بقي من النبوة، ولم يكن هناك خلاف عليها، فإن الاختلاف يكون على أشده في تأويلها والقطع بما تشير إليه، فقد يصيب الناس في تأويل الرؤيا الصادقة وقد لا يصيبون

حتى أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذهب في تأويل بعض الرؤى إلى اتجاه ثم جاءت الأحداث باتجاه آخر غير ما ظن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي [أي ظني] إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ” (رواه البخاري ومسلم).

وخلاصة هذه النقطة أن الرجل الصالح يرى الرؤيا الصالحة الصادقة، وربما يخطئ في تأويها، أو يخطئ الناس في تأويلها له.

وبالتالي فلا يجوز للأمة دولا وشعوبا وأحزابا وجماعات وحركات، أن تجعل الرؤى وتأويلاتها إماما لها في أي قضية، ولا يجوز لها أن تبني عليها أي مواقف أو توجهات .

وكما يؤصل الأصوليون فيقولون: إن الرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية.

فكذلك يجب علينا أن نقول: إن الرؤى ليست من أدلة التوجهات الاستراتجية والمواقف العملية، ولا ينبغي لها أن تكون، وإنه لمن الهبل والخبل أن تكون.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى