الذكرُ المضاعفُ
بقلم الشيخ عارف الصبري “عضو هيئة علماء اليمن” (خاص بالمنتدى)
هل لك في أجرٍ لا حصرَ له إلا في علمِ الله تعالى.
مسألة:
ما هو الذكر المضاعف؟
الذكر قسمان:
١_مطلق:
أي: مطلقٌ عن المضاعفة، فهو مفردٌ.
مثاله قولك: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، و الله أكبر، و لا حول ولا قوة إلا بالله، و اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد …. ونحو ذلك).
٢_مضاعفٌ:
أي: ذكرٌ مقيَّدٌ بالمضاعفة.
مثاله: قول: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته)،
و (الحمد لله عدد ما خلق في السماء، والحمد لله عدد ما خلق في الأرض، والحمد لله عدد ما بين ذلك، والحمد لله عدد ما هو خالق … ونحو ذلك).
مسألة:
الدليل على الذكر المضاعف:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ أم المؤمنين جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِه). رواه مسلم.
ومن الأدلة:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ: (مَاذَا تَقُولُ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟)، قَالَ: أَذْكُرُ رَبِّي، قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ وَالنَّهَارَ مَعَ اللَّيْلِ؟ أَنْ تَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ).
رواه ابن حبان وحسنه الألباني.
مسألة:
كيفية المضاعفة:
أي: الأثر المترتب على المضاعفة:
مثالٌ قول: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه)، أي: يوضع للقائل بفضل الله في ميزانه من الحسنات عدد خلق الله، ومن يستطيع أن يُحصي خلق الله؟!
وقولك: (سبحان الله وبحمده زنة عرشه)، يوضع لك بفضل الله في ميزان حسناتك زنة العرش، وما أدراك ما العرش أكبر مخلوقات الله؟!
وقولك: (سبحان الله وبحمده مداد كلماته)، يوضع لك في ميزان حسناتك بفضل الله بعدد مداد كلمات الله، والله تعالى يقول: (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات الله).
وهكذا
فإذا وفقك الله لهذا الذكر المضاعف واستحضرتَ معناه، وما يستحقه الله من التعظيم والتقديس، وأخلصتَ النية، وأحسنتَ الظن بالله، ورجوتَ ثوابه كتب الله لك بفضله وَمَنِّهِ وكرمه ورحمته أجرَ ذلك كاملاً تاماً.
مسألة:
مثال لو أن عبداً كرر قول: (سبحان الله وبحمده) مليون مرة، وآخر قال: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه)
أيهما أكثر؟
لا شكَّ أن الثاني أكثر؛ لأنه لا يعلم عدد الخلق إلا الله.
فبالذكر المضاعف يكون قليلُ الذكر كثيراً، ويكون كثيرُ الذكر المفرد بالنسبة للذكر المضاعف قليلاً.
والموفق من وفقه الله.
مسألة:
قال ابن القيم رحمه الله:
(تفضيلُ “سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته” على مجرد الذكر بـ “سبحان الله” أضعافاً مضاعفة، فإن ما يقومُ بقلبِ الذاكرِ حين يقول: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه) من معرفته وتنزيهه وتعظيمه، من هذا القدر المذكور من العدد: أعظم مما يقوم بقلب القائل: (سبحان الله) فقط.
وهذا يُسمى الذكر المضاعف، وهو أعظمُ ثناءً من الذكر المفرد، فلهذا كان أفضل منه، وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه، فإن قول المُسَبِّحِ: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه) يتضمن إنشاءً وإخباراً عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوقٍ كان، أو هو كائنٌ، إلى ما لا نهاية له.
فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب وتعظيمه، والثناء عليه هذا العدد العظيم، الذي لا يبلغه العَادُّون، ولا يحصيه المُحصون، وتضمنَ إنشاء العبد لتسبيحٍ هذا شأنُه، لا أن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده، بل أخبر أن ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى من التسبيح: هو تسبيحٌ يبلغ هذا العدد، الذي لو كان في العدد ما يزيد، لذكره).
مسألة:
هل يجوز الذكر المضاعف في كل الأذكار؟
الراجح والله أعلم الجواز:
فكما تقول: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
فلك أن تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
وتقول: اللَّهُمَّ صلِ وسلم على محمدٍ وآله وصحبه عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك.
أو تقول:
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم وبارك على محمدٍ عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
أو تقول:
يا ربي لك الحمدُ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، عند كل طَرفة عينٍ وتنفس نفسٍ أزلاً وأبداً، عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك وعدد ما خلقتَ في السماء وعدد ما خلقتَ في الأرض وعدد ما بين ذلك وعدد ما أنت خالق، وعدد ما خلقتَ وملأَ ما خلقتَ، وعدد ما في الأرض والسماء وملأ ما في الأرض والسماء، وعدد ما أحصى كتابك وملأَ ما أحصى كتابك، وعدد كل شيءٍ وملأَ كل شيءٍ، وملأَ الميزان، ومنتهى العلم وغاية الرضا وزنة العرشِ، بكل حالٍ وعلى كل حالٍ، وبكل شيءٍ، وعلى كل شيءٍ، وبكل نعمةٍ أنعمتَ بها عليَّ أو على أحدٍ من خلقك.
مسألة:
الأفضل أن يُنوِّعَ العبدُ في الأذكار فيأتي بالذكر المضاعف، ويأتي بالذكر المفرد، ويأتي بالأذكار المقيدة، فيذكر الله على كل أحواله وفي كل الأوقات على الوجه المشروع، فما عمل آدميٌّ عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى.
مسألة:
إخواني الفضلاء:
إحرصوا على أن يكون لكم حظٌّ في كل يومّ وليلةٍ من الذكر المضاعف، ولكي لا تغفلوا عنه فأنصح أن تجعلوه في وردكم اليومي من الأذكار.
طَلَبٌ:
إخواني الكرام:
ساهموا في نشر هذه الرسالة وتواصوا بها، وعلموها أهليكم والمسلمين؛ فالدال على الخير كفاعله وله من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئٌ.
وأسأل الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ولكل من نشر هذه الرسالة ولوالديه الهدى والتقى والعفاف والغنى وحسن الخاتمة والفوز بالجنة والنجاة من النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.