الذبيح.. والمغامسي
بقلم الشيخ بسام جرار
بعد الاطلاع على كلام الشيخ المغامسى نقول:
الشيخ المغامسي اختلطت عليه الأمور. فهو يقول إن إبراهيم عليه السلام بعد أن ولد له إسماعيل ذهب به وبأمه إلى مكة. ورجع إلى قومه ليدعوهم وكان عمره 75 سنة!!!
ويبدو أنه نسي أن إبراهيم، عليه السلام، عندما حصلت معه حادثة محاولة حرقه ثم هجرته كان لا يزال فتى؛ يقول سبحانه وتعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ}، ويبدو أنه أيضاً نسي أن مولد إسماعيل ثم إسحاق عليهما السلام كان بعد أن هاجر إبراهيم عليه السلام وبعد أن كبر في السن؛ بدليل قوله تعالى:” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ”، ثم هو يتصوّر أن إبراهيم عليه السلام ترك ولده في مكة ولم يعد إليه. وهذا وهم يخالف نص الحديث الصحيح الدال على تردد إبراهيم السلام على مكة ثم بناء الكعبة بمساعدة إسماعيل عليه السلام كما ورد في القرآن الكريم.
وعندما هاجر إبراهيم عليه السلام إلى الأرض المباركة طلب الذرية الصالحة: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}، إذن البشارة كانت بعد الدعاء قريباً، بدليل الفاء الدالة على الفوريّة:”فبشرناه”، ووصف الغلام بأنه حليم. وجيّد أن ننبه هنا إلى أن البشارة شيء وتحققها الحتمي شيء آخر؛ أي قد يطول زمن التحقق مع حصول العلم اليقيني بمجيء المبشّر به.
أما البشارة بإسحاق فكانت بعد زمن، بدليل أنها جاءت بعد أن تمّت رسالة لوط عليه السلام إلى قومه، وحان وقت هلاكهم: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ}، إذن سارة عليها السلام عجوز، وتم تبشيرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}، إذن هي عجوز وإبراهيم عليه السلام شيخاً. ووصف الغلام بأنه عليم، وقد تكرر هذا الوصف: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}، فالأمر بالنسبة لإبراهيم عليه السلام مستغرب، لأنه كبير في السن. وجاء أيضاً:” فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ”. فوصف عليم في المرتين كان لإسحاق عليه السلام.
أما قوله تعالى:” فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”، فالآية التي تليها:” وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ”. نلاحظ هنا: (ووهبنا) وليس (فوهبنا) فالواو لا تدل على ترتيب ولا تعقيب، لأنّ هبة الله له جاءت بعد زمن. ومعلوم أن إسحاق هو والد يعقوب، عليهما السلام.
ومحاولة الشيخ جعل البشارة في زمنين أمر مستغرب، ولا ندري ما الداعي إلى ذلك والنص الكريم يقول:” وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ”.
ويبدو أنه اضطر إلى ذلك من أجل أن يسلم له خلطه في التفسير. ونتوقّع أنّ الأمر جاء من غير تحضير مسبق فوقع الشيخ فيما وقع فيه.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)