الذبيح هو إسماعيل عليه السلام “الحليم” وليس إسحق عليه السلام “العليم”
بقلم الشيخ د. عبد الرحمن عبد الخالق
الاعتقاد بأن الابن الذي أمر الله إبراهيم أن يذبحه ثم فداه الله تبارك وتعالى هو إسماعيل وليس إسحق عليهما السلام وهذا الاعتقاد هو الذي نص الله تعالى عليه في كتابه , قال تعالى (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) فبشرت سارة وزوجها إبراهيم عليه السلام بأن الله تبارك وتعالى سيرزقها مع الكبر ولداً منها هو إسحق وأن هذا الولد سيكون له ولد آخر حفيدها وهو يعقوب عليه السلام حتى قالت (يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) وقالت الملائكة (رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) وقد ولِد إسحق عليه السلام لإبراهيم وسارة مع الكِبر قيل كان سن إبراهيم 120 سنة في هذا الوقت, وأما إسماعيل عليه السلام فقد ولِد لإبراهيم من زوجته هاجر المصرية وكان إبراهيم في هذا الوقت في شبابه وتمام رجولته, وقد أمر الله إبراهيم أن يُسكن هاجر المصرية وابنها في مكه في الموقع الذي أمر الله إبراهيم بعد ذلك أن يبني فيه بيته المحرم ومكثت هاجر عليها السلام في هذا الموقع الذي تركها إبراهيم فيه وابنها ولم يترك لهما غير جراب من تمر وقربة ماء, وأعطاهما ظهره ومضى وكانت هاجر في أثره تقول يا إبراهيم إلى من تتركنا في هذا المكان الذي ليس فيه إنس ولا شيء ثم قالت هل ربك أمرك بهذا فأشار برأسه أن نعم قالت إذن لا يضيعنا ولما نفذ الماء رأت ابنها يتلبط من الجوع ومن جفاف صدرها فتركته وخرجت تلتمس غوثاً وكان أقرب شَرَف لها هو الصفا فرقته وصارت تنظر يميناً وشمالاً ثم نزلت منه ساعية إلى المروة ولما جاءت إلى بطن الوادي بين الصفا والمروة رملت فيه وصعدت المروة تنظر يميناً وشمالا لا ترى شيئا ثم هبطت من المروة ساعية إلى الصفا فعلت ذلك سبع مرات إلى أن انتهت في الشوط السابع إلى المروة فقد سمعت صوتاً فقالت أغث إن كان عندك غياث فنزلت إلى ابنها فإذا جبريل عليه السلام في صورة إنسان فقال لها إن ها هنا بيتا لله سيبنيه هذا الغلام وضرب الأرض بعقبه فنبعت زمزم فقامت هاجر تزمها بالتراب من حولها وتقول لها زمي زمزم فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة قال النبي صلى الله عليه وسلم (رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً تجري) وجعل الله سعي هاجر بين الصفا والمروة نسكاً من مناسك الحج بل ورملها في الوادي من جملة النسك وجاءت رفقة من جرهم إليهم فقالوا لهاجر عليها السلام تمانعين أن نسكن معكم قالت لا ولكن الماء لنا، فنشأ فيهم إسماعيل وزوجوه إمرأة منهم, ولم تطل الحياة بهاجر فتوفيت, وكان إبراهيم عليه السلام يتردد عليهم من الشام إلى مكة بين الحين والآخر وجاء في إحدى سفراته وقال لإسماعيل (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إبراهيم{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ{108} سَلَامٌ عَلَى إبراهيم{109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112}) فانظر قد جاءت البشرى لإبراهيم بإسحاق بعد أمر الله له بذبح ابنه إسماعيل وفدائه وإسلامهما لأمر الله تبارك وتعالى وكل ذلك كان بمكة التي لم يأت في القرآن ولا في السنة أن إسحق قد جاءها, وبقيت قرنا الكبش التي فدى الله بها إسماعيل حتى احترقا مع البيت كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال إبراهيم لإسماعيل إن الله أمرني أن أبني بيتاً له في هذا المكان فقال له أطع أمر ربك قال وتعينني قال نعم فقاما مجتهدين في بناء البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإسماعيل رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فكيف يقال بعد هذا أن الذبيح هو إسحق فمتى وأين؟ وفي التوراة التي بيد اليهود كان النص (وأمر الله إبراهيم أن يذبح ولده بِكره) وبِكر إبراهيم هو إسماعيل وليس إسحق ولكن اليهود حذفوا هذه الكلمة من الكتب التي معهم “بِكره”.
والآن يأتي بعض الملبسين ليقولوا بأن الذبيح هو إسحق محرفين آيات القرآن فهل فعلهم هذا جزء من إرضاء اليهود وما يسمونه بالتطبيع مع اليهود نسأل الله العفو والعافية.
ومما يدلك على أن الذبيح هو إسماعيل وصف الله له بالحلم وصدق الموعد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسماعيل إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ) (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) فإنه وعد إبراهيم بأن يخرج معه للذبح ولم يُخلف وكان حليماً إذ أُخبر بأنه سيذبح وقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
أما إسحق فقد وصف بالعلم (وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ).
وهذا اعتقاد وحق ولا يجوز خلافه فالحذر من تحريف كلام الله تعالى وتأويل آياته على غير ما سيقت له والحمد لله رب العالمين.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)