مقالات مختارة

الدَّيْن بلاءٌ عظيمٌ.. فاحذروه!

بقلم صلاح الإمام

تصرف يبدو بسيطا لكنه ينطوي على إثم كبير يودى بصاحبه إلى جهنم وهو (الاستدانة) دون قضاء الدَّيْن ويأتي الموت فيترك دنياه مديونا للغير.. حقوق الله يغفرها لمن يشاء لكن حقوق العباد لا يغفرها الله، ذلك أنه من أعظم ما يشغل ذمة المؤمن ويثقل كاهله ويورده المهالك يوم القيامة الدَّين بأن يقترض من أخيه مالا وتبقى ذمته مشغولة به.

بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدَّيْن لا يغفر مهما بلغ صلاح المؤمن، بل وجاد بنفسه في سبيل الله، خلافا لسائر الذنوب والكبائر التي تطهرها الشهادة كما في صحيح مسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في أصحابه، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال يا رسول الله: أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي، فقال رسول الله: نعم إن قُتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت. قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي. فقال رسول الله : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّيْن فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك). رواه مسلم. وهذا يدل على أن التورط بالدَّيْن من أعظم الأخطار التي يبتلى بها المؤمن في الدنيا.

وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يتورع ويمتنع عن الصلاة عن الرجل الذي عليه ديْن حتى يقضى عنه دينه كما في سنن الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل ليصلي عليه، فقال: صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً). فالنبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاته شفاعة عظيمة للمؤمنين ومع ذلك امتنع عن الصلاة عليه لأن حق المخلوق لا يكفره الاستغفار. ثم لما وجد النبي يسارا وكثرة في بيت المال صار يقضي الديون عن المؤمنين وهذا يدل على أنه يتأكد على الدولة الغنية السعي والاجتهاد في قضاء ديون الأموات الذين لم يتركوا مالا يكفي لسداد ديونهم.

ومما يدل على خطورة الدّيْن أن صاحبه قد يتعرض لعذاب القبر كما في حديث جابر ابن عبد الله قال : (توفي رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقلنا : تصلي عليه فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا : ديناران فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال: أبو قتادة: الديناران عليّ. فقال رسول الله: قد أوفى الله حقَّ الغريم وبرئ منهما الميت قال: نعم. فصلى عليه ثم قال بعد ذلك بيومين: ما فعل الديناران. قلت: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد فقال : قد قضيتها، فقال رسول الله : الآن بردت جلدته). رواه أحمد.

كما أن الدائن عليه أن يسامح مدينه إذا وجد أنه معسر بحق لا يستطيع أداء الدين لعجز، ويكمل مروءته وكرمه عملا بقوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

وليعلم انه من أقرض مسلما وفرج همه ووسع عليه في تأخير السداد أو العفو عن بعض المال أو مسامحته بالكلية مراعاة لحاله فله ثواب عظيم ورجي له عفو الرب ومسامحته في الآخرة جزاء لصنيعه في الدنيا.

وورد في البخاري تجاوز الله عن مذنب كان يتجاوز عن المعسرين، وفي صحيح مسلم: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه).

المصدر: الأمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى